من تساؤلات القارئ المتدبر :مفاهيم:وأصلح

سفيان أبوزيد

قال موسى عليه السلام لأخيه هارون: (وأصلح)

من الإصلاح وهو ضد الإفساد، ومعناه زيادة نسبة الصلاح على الفساد، أو التقليل من نسبة الفساد حتى يصبح أدنى من الصلاح، وهي عملية اجتهادية في أغلبها، ترجع إلى نظر المصلح، وتأمله لمكامن الصلاح وبؤر الفساد، وإلى تقدير نسبة الصلاح ونسبة الفساد، وإلى طرق الموازنة بين ذلك الصلاح وذلك الفساد، وإلى مسالك زيادة ذلك الصلاح، والتقليل من ذلك الفساد، هذه العمليات كلها يجمعها فعل (أصلح)

ونلاحظ بأن موسى عليه السلام لم يفصل لهارون عليه السلام سبل ذلك ومراحله وحقائقه، وإنما ترك له المجال واسعا، ليدلي بدلوه، ويضع بصمته، موقنا بأنه قد يصيب وقد يخطئ..

فأخذ هارون أمر (أصلح) على عمومه وشموله، فأعمل نظره واجتهاده، وأعمله في سياق خلافة أخيه (واخلفني) الذي كان قائدا وراعيا فاعتبر أن المصلحة المقدمة هي اللحمة وعدم التفرقة هي أول مسؤوليات القائد، وأعمله كذلك في لحاقه (ولا تتبع سبيل المفسدين)، بأن اعتبر التفرقة والتشتت هي عين الإفساد وسبيل المفسدين، بل كان مقصد الجماعة واللحمة وتراص الصف مستصحبا معه سواء بينه وبين أخيه أو مع قومه لذلك قال له في سورة الأعراف (فلا تشمت بي الأعداء) وتشميت الأعداء من مآلات وثغرات الفرقة، وقال له في سورة طه (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) فاعتبر حرصه على الجماعة واللحمة هو عين مراقبة واتباع وصية قائده موسى عليه السلام..ولا يعني هذا إهماله لمسؤولية النبوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل قال لقومه (يا قوم إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري)

وإنما قدم عليه مسؤولية القيادة والخلافة التي أولها اللحمة وعدم التفرقة، فأعمل هارون نظره، في إطار الإصلاح الذي رآه، فلما رجع موسى خطَّأه في ذلك النظر وبين له بأن مسؤولية النبوة مقدمة على مسؤولية القيادة، فنحن دعاة وأنبياء قبل أن نكون قادة وأولياء، ورغم ذلك اعتبر تصرف هارون اجتهادا محتملا، فقال في سورة الأعراف (رب اغفري) طريقة إنكاري على أخي، وفي تصرفه وجهة نظر محتملة (ولأخي) سوء تقديره وموازنته بين المصالح ( وأدخلنا في رحمتك ) لأننا اجتهدنا في البلوغ إلى مرادك ومقصدك من خلال ما لدينا من معطيات وإشارات، ولم نتعمد الخروج على ذلك (وأنت أرحم الراحمين)

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".