السعودية تضطهد مواطنيها ويقبلها العالم… كيف ذلك؟!

روعي سميوني
هآرتس

عندما يتحدث نشطاء حقوق إنسان عن السعودية، فمن المعقول أنهم يذكرون بأن الدولة تحظى بالصفة السيئة للمرتبة 3 في العالم من حيث عدد الإعدامات، تسبقها في القائمة الصين وإيران. في المملكة لا يترددون في فرض عقوبة الإعدام حتى في حالات مخالفات غير عنيفة مثل الاتجار بالمخدرات واستخدامها والشعوذة والزنا. العلاقة الوثيقة للسعودية مع الإعدام تمثل مقاربتها لحقوق الإنسان والمواطن، ورغم ذلك يبدو أن المملكة لا تعاني من صورة المجذومة مثل عدوتها الإقليمية إيران أو دول إفريقية تضطهد مواطنيها.
ولكن هذا لا يعني أن حقوق الإنسان ليست مسألة حساسة في السعودية. وحتى لو كان العالم لا يضغط على المملكة، إلا أنه ليس جميع السعوديين صامتين. من أجل إسكات النقاش العام في موضوع حقوق الإنسان، وبالأساس من أجل صد انزلاق ثورة الربيع العربي إلى المملكة، فإن وزارة الداخلية السعودية منعت في 2011 أي تجمع علني، بما في ذلك المظاهرات غير العنيفة. منظمات حقوق الإنسان أغلقت، وقدم كل أعضائها للمحاكمة أو سجنوا أو هربوا من الدولة. في العام 2017 صادقت المملكة على قانون الإرهاب الذي يسمح للسلطات بزيادة قمع نشطاء حقوق الإنسان على قاعدة تعريف واسع لـ «نشاطات إرهابية».
تقارير منظمات حقوق إنسان مثل «أمنستي» و«هيومن رايتس ووتش» توفر الصورة الواسعة. هذه التقارير تظهر أن السلطات السعودية تستخدم سياسة الاعتقالات الاعتباطية وتجري محاكمات بدون إجراءات معقولة للناس، كما أنها تسمح بالتمييز المتواصل ضد النساء والأقليات الدينية والمثليين ومهاجري العمل.
كاثرين زوفن، الصحافية الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، كتبت مؤخراً في «نيويورك تايمز» بأن هذا لم يكن الحال دائماً في السعودية. «عندما ننظر إليهم من بعيد، ملوك السعودية من شأنهم أن يظهروا كصف طويل من المستبدين بدون أي تمييز بينهم. ولكن الدرجة التي أظهروا فيها التسامح مع معارضة النظام تغير طوال الوقت طبقاً لمزاج الملك والضغط الذي يواجهه». في العقد الأخير دفع الربيع العربي الملك عبد الله إلى تعزيز نظامه، واشتد المنحى بعد تتويج سلمان ملكاً في 2015. «نيويورك تايمز» كتبت نقلاً عن نشطاء لحقوق الإنسان بأن 2600 شخص من معارضي النظام المعروفين، من بينهم صحافيون وكتاب أعمدة، هم رهن الاعتقال في السعودية. الآن حيث الرجل القوي في المملكة ولي العهد محمد بن سلمان، إن أحد طرق النظام لصد الانتقاد هو التسهيل على المواطنين في الأماكن المريحة لهم، بصورة تندمج مع طموح ابن سلمان لتسريع الاقتصاد وتعزيز مكانته في العائلة. هكذا مثلاً في السنة الماضية تم افتتاح دور سينما في السعودية أمام الجمهور وسمح للنساء بقيادة السيارات ومشاهدة المباريات الرياضية. فيليب لوتر، الباحث في «أمنستي» والمختص بشؤون الشرق الأوسط، شرح بأن «التغييرات استهدفت في الأساس العرض. إلغاء منع القيادة للنساء أمر جيد، لكن السعوديين فعلوه لأن له أهمية رمزية كبيرة في العالم. الخطوة نفسها لم تتطلب من السلطات الكثير، الثمن الذي دفعوه كان منخفضاً نسبياً».
مع ذلك، وسائل إعلام في أرجاء العالم غطت بتوسع اليوم التاريخي الذي أعلن فيه أنه مسموح للنساء بالسياقة. ماكينة العلاقات العامة للعائلة المالكة في الرياض سجلت انتصاراً كبيراً. في المقابل، في محاولة لنسب الفضل لنفسه، النظام طارد نشيطات من أجل حقوق النساء حاولن عزو الفضل لأنفسهن في تغيير السياسة، أرسل عدداً منهن إلى السجن. وحسب بعض التقارير قام بتعذيبهم بصورة شديدة.
الواقع في السعودية بقي بمعظمه تحت الرادار العالمي، على الأقل حتى قضية جمال الخاشقجي. قتل الصحافي السعودي طرح على جدول الأعمال قضية حقوق الإنسان في الدولة. منذ اندلاع القضية، 36 دولة وقعت على إعلان إدانة للمملكة بسبب خرق حقوق الإنسان، وفي عدد من الحالات، رافقت التصريحات أفعال. عن سؤال هل الحديث يدور عن تغيير بعيد المدى في علاقة العالم بالسعودية أو أن الأمور ستعود بعد العاصفة إلى وضعها العادي، لا يمكن الإجابة حتى هذه اللحظة.

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.