تحري هلال رمضان.. من يعلن الصوم أولاً؟

هاني الضّليع

منذ خلق الله تعالى الأرض والسماوات، والشمسُ والقمر آخذان بالدوران في نظام أبدي دقيق لا يشوبه خطأ، وذلك كما قرر لهما الله عز وجل في قرآنه (الشمس والقمر بحسبان)، فالقمر الذي هو مجرد جرم سماوي كروي يدور حول الأرض كل 29.53 يوماً بما يعرف بالدورة الاقترانية أو كل 27.32 يوما وهي فترة الدورة النجمية له حول الأرض. ويقابل القمرُ الشمسَ دوماً بنصفٍ مُضاء، ويكون نصفه الآخر دوماً مظلماً إلا في حالتي الخسوف الكلي والجزئي حين يكتمل ظلامه أو يكاد.

وفي الوقت الذي يدور القمر فيه حول الأرض يتشكل له ما يعرف بأطوار القمر التي هي عبارة عن ذلك الجزء المرئي من النصف المضاء للقمر كما يراه أهل الأرض. فإذا وقع القمر أمام الشمس مباشرة فإننا لا نرى من نصفه المضاء شيئاً فيسمى حينها القمر محاقاً، ولكنه بعد سبعة أيام سيكون ناحية الجنوب وسنرى من النصف المضاء نصفه (نصف النصف أي ربع القمر) وهو ما يعرف بطور التربيع الأول، في حين أنه بعد 14 يوماً سيكون مواجهاً للشمس من ناحية الشرق وسنرى كل النصف المضاء بما يعرف البدر.

وحيث إن حسابات الفلك دقيقة كل الدقة حتى أجزاء الثانية الواحدة، فإن المشكلة التي لا تزال الأمة العربية والإسلامية تعيشها في اختلاف مواعيد بدايات الأشهر الهجرية لأكثر من يومين يمكن أن تحسم علمياً إذا ما عرفنا كيف نستغل هذه المعرفة العلمية وإخضاعها للتعريفات الشرعية ذات العلاقة.

حركة القمر في السماء

يتحرك القمر في السماء كل يوم بمعدل 13 درجة ناحية الشرق، وفي الوقت نفسه فإنه يغيب في الأفق الغربي نتيجة لدوران الأرض حول نفسها، وبين اليوم واليوم الذي يليه يتأخر مغيب القمر بمعدل 50 دقيقة كل يوم، لكنه بسبب الحركة اليومية للأرض فإنه يطلع ويغيب كل يوم كسائر النجوم والكواكب.

فلو أن الهلال شوهد في الغرب بعد غروب الشمس ثم راقبناه فإنه سيغيب نتيجة لدوران الأرض حول نفسها، وإذا ما عدنا إليه في اليوم التالي فإننا سنراه قد تقدم ناحية الشرق في دورته حول الأرض ليغيب خلف الأفق الغربي بعد فترة أطول من يومه السابق.

وهكذا سيستمر القمر يتقدم كل يوم نحو الشرق حتى يطلع في اليوم الرابع عشر من الشرق مع مغيب الشمس في المغرب. ثم يُكمل دورته حول الأرض للنصف الثاني من الشهر متأخراً 50 دقيقة في شروقه كل يوم عن يومه السابق، ثم نرى هلالاً أخيراً وقت الفجر ناحية الشرق قبل طلوع الشمس ليستتر بعدها في نور الشمس لليلة أو اثنتين ويعود يطلع مرة أخرى من الغرب معلناً بداية الشهر الجديد.

الهلال وتولّده.. الفرق بينهما

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” (أخرجه الحاكم وأحمد والدارقطني)، وقال “إن الله جعل هذه الأهلة مواقيت فإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا” (أخرجه الطبراني). وقال “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُم عليكم فاقدروا له” (رواه مسلم).

فأصل بدء العبادة كما يرى كثير من الفقهاء هو رؤية الهلال، لكن بعضاً من العلماء المحدثين الذين علموا بأن الحساب الفلكي شديد الدقة رأوا بأن يؤخذ الحساب أساساً لهذا البدء.

وهنا يجب أن نقف وقفة توفيقية هامة بين هذين الرأيين إذ إن ثمة مشكلة في الفهم يجب توضيحها خصوصاً عند أهل الفقه المحدَثين الذين يقفون إلى جانب الفلك. فالحساب الفلكي نوعان أحدهما يحسِب وجود القمر في السماء بعد غروب الشمس، والثاني يحسب وجوده وإمكانية رؤيته.

وحيث إن الثاني أقرب إلى آراء جميع الفقهاء من حيث إنه يحسب وجوده (حساب فلكي) وإمكانية رؤيته (رؤية شرعية) فإن الجهد الذي يجب أن يُبذل يجب أن يكون في هذا الاتجاه التوفيقي. وهذا هو الاتجاه التوحيدي الذي يسعى إليه أهل الفلك الشرعيون المطلعون على كل الخلافات الناجمة عن الآراء الفقهية المختلفة من حيث اعتماد الحساب أو اعتماد الرؤية.

لا تزال الأمة العربية والإسلامية تعيشها في اختلاف مواعيد بدايات الأشهر الهجرية

فالقاعدة الفلكية التي اعتمدت على تفادي تلك الأخطاء التي لطالما وقعت فيها الدول العربية والإسلامية، تنص على أن اختلاف المطالع على مستوى الكرة الأرضية لا يمكن أن يتعدى يومين كأقصى حد، بل ربما تشترك كامل الكرة الأرضية في رؤية واحدة ويوم واحد لكنها حالة نادرة. أما ما نراه من اختلاف في بدء يوم العبادة لثلاثة أيام أو حتى أربعة أحياناً كما حدث في عام 1420هـ، فإن ذلك مرفوض في القواعد الفلكية التي تعتمد رؤية الهلال أساساً لها.

ماذا نريد بالهلال؟

فما المقصود بالهلال؟ وهل جاءت كلمة الهلال في الأحاديث والآيات لتدل دلالة مباشرة على ذلك القوس الضوئي الأبيض من القمر الذي اعتاد الناس أن يروه ويطلقوا عليه اسم هلال، أم أن الكلمة تحتمل المعنى المجازي للقمر سواء أكان شكله هلالاً أم لم يكن إنما مجرد وجوده في السماء بعد غروب الشمس بافتراض حدوث اجتيازه لحظة الاقتران مع الشمس، وهما الشرطان الرئيسيان للمعيار الذي تعتمده بعض التقاويم العربية وعلى رأسها تقويم أم القرى الذي يعتمد مكة المكرمة نقطة الأصل لحساباته؟

وهل نحن أصلاً اجتزنا مرحلة أن لا يكون القمر موجوداً في السماء، المرحلة التي عشنا معها سنين نسمع إعلانات بدء شهور العبادات حتى مع عدم وجود القمر المحاق في السماء بعد، حين كان يخرج من يدعي رؤية هلال غاب قبل الشمس، ثم لا تجد شهادته إلا القبول والتصديق بحجة أنه مسلم عدل؟

رسم توضيحي لمفهوم الاقتران أو ولادة الهلال

فإن كنا قد اجتزنا هذه المرحلة وأصبحت شهادات مثل هذا الشاهد الذي يرى هلالاً غير موجود تُردّ باعتبار أن الحسابات الفلكية تنفيها، وأن الفقهاء والقضاة يأخذون بهذا الرأي، فإننا سنعود إلى المشكلة الأولى، ألا وهي تعريف الهلال، وما الذي يجب أن يُبتدأ الشهر القمري برؤيته.

فما الفرق بين المصطلحات الهلالية أو القمرية التالية: الاقتران المركزي والاقتران السطحي، والمُحاق وولادة الهلال والقمر الجديد والاستتار والهلال، وهل هناك مترادفات بينها، أم أن كلاً منها له وصفه الخاص؟

الاقتران وولادة الهلال .. مصطلحان لنفس اللحظة

يمكن القول فلكياً إن مصطلحات الاقتران والمحاق وولادة الهلال والقمر الجديد هي أربعة مترادفات لغوية لنفس الظاهرة في الحدث أو التوقيت، وهي تعني أن تلتقي الأرض بالقمر والشمس على خط واحد من دون شرط حدوث كسوف كلي أو جزئي، وهي لحظة عالمية واحدة إذا اعتبرنا هذا الاصطفاف اصطفافاً مركزياً، أي مركز الأرض ومركز القمر ومركز الشمس (وهو اصطفاف مجازي، وذلك بسبب ميل محور القمر عن دائرة البروج مما لا يسمح له اللقاء بهما على خط واحد كل شهر إلا في حالة الكسوف، إنما يقع عادة فوق الشمس أو تحتها)، وهي لحظة يمكن الحصول على وقتها من أي مرجع فلكي في العالم.

الهلال هو أول قوس يراه أهل الأرض من نصف القمر المضاء، وما قبل ذلك فهو محاق

أما إذا حسبنا الاقتران نسبةً إلى مكاننا فوق سطح الأرض لا نسبةً إلى مركز الأرض فإن ذلك الحساب سيختلف بين مكان وآخر على الكرة الأرضية ويدعى باسم الاقتران السطحي لا الاقتران المركزي، وله قيم تختلف تماماً عن القيمة المركزية الموحدة عالمياً (إلا إن وقع المكان على نفس خط مركز الأرض لحظة الاقتران السطحي)، وفيه يكون القمر في طور المحاق أيضاً وتنطبق عليه المصطلحات الأخرى لكنها بالنسبة إلى مكان معين فقط، ويمكن التمثيل له بالكسوف الكلي للشمس الذي يمر بالتتالي على مناطق الأرض التي تشهد ذلك الكسوف ولا يراه الناس جميعاً في اللحظة ذاتها، إذ هو اقتران سطحي، ولو أنهم رأوه جميعاً في اللحظة ذاتها لقلنا إن الكسوف اقتران مركزي.

ما هو الاستتار؟

الاستتار فهو مصطلح عرفه الفقهاء والفلكيون العرب الأوائل وكانت العرب تستخدمه حين كانوا يرصدون القمر كل يوم قبيل الفجر ثم لا يعود يُرى ناحية الشرق وقت الفجر إنما يستتر في ضوء الشمس لليلة أو اثنتين على الأكثر ثم بعدها يظهر من ناحية الغرب كهلال جديد يُرى بُعيد غروب الشمس معلناً بدء الشهر القمري الجديد.

وقد ذكر ابن قتيبة الدينوري في كتابه المشهور “الأنواء في مواسم العرب” تعريف الاستتار السابق وتحدث عن الهلال بأنه إذا رُئي بالغداة في المشرق فإنه لا يمكن أن يرى بعد الغروب في المغرب بل إنه إما يستتر لليلة أو لليلتين بعد ذلك (وهي حالة لطالما تكررت عند بعض الدول العربية والإسلامية التي كانت تعلن ثبوت هلال الشهر الجديد في ذات اليوم الذي كان الهلال مرتفعاً في السماء فجراً).

صورة الهلال من محطة الفضاء الدولية على ارتفاع 400 كيلومتر

غير أن جميع تلك المصطلحات، كما هو واضح من صيغ الأحاديث والآيات، ليست هي المقصودة بالهلال، فالهلال في لغة العرب سمي هلالاً لأنه يهل أي يُقبل، وكيف يقبل ما لا نورَ معه؟ فيجب أن يكون الهلال مضيئاً لا معتماً، وهو ذلك القوس الأبيض من القمر الذي يُرى في كل بداية شهر قمري جديد باختلاف أحجامه التي تتفاوت بين شهر وآخر بشكل طبيعي. فليس للهلال مكان واحد يطلع منه كل شهر على الكرة الأرضية ولا حجم ثابت، فربما نراه في مكان ما هذا الشهر رفيعاً نحيلاً لا يكاد يُرى إلا بالتلسكوبات، ونراه في الشهر القادم سميكاً بحيث يعتقده العوام هلال ليلتين لا هلال ليلته الأولى، وكل ذلك من عدم معرفة الناس بحقيقته.

ثلاثة شروط لرؤية الهلال

نحن إذاً نبحث عن الهلال لا عن قمرٍ لا إضاءةَ له، ولو كنا نفعل ذلك لرصدنا القمر بواسطة الأشعة تحت الحمراء ولرأينا حينها جسماً بهيئة لا تشبه في أي حالاته شكل الهلال، أو لحسبنا وجوده دون الحاجة إلى رصده.

إذاً، فالفكرة التي نجادل لأجلها هي فكرة وجود الهلال لا وجود القمر، لتصبح شروط رؤية الهلال ثلاثة هي: حدوث الاقتران (الاقتران السطحي) قبل غروب الشمس، وغروب القمر بعد غروب الشمس، وابتعاد الهلال مسافة تسمح للراصد بأن يراه من أي مكان في المنطقة العربية أو العالمية التي تشترك معها في معظم الليل، وذلك بإحدى أدوات الرصد البصرية التي تعتمد الأشعة المرئية والألوان الطبيعية لا الأشعة غير المرئية التي ترينا جسم القمر وليس هلاله، وهذه الأدوات هي العين المجردة والمنظار والتلسكوب والكاميرا التي يمكن أن تصوره في تلك اللحظة. ونؤكد هنا.. “يراه من أي مكان في المنطقة العربية أو العالمية التي تشترك معها في معظم الليل”.. فلا بد من الاشتراك في معظم الليل لا جزء منه، لأننا حينها سنكون مشتركين مع أمريكا في جزء من الليل طوال فصول السنة، بيد أننا لا نستطيع أن نجعل مطلعنا هو ذات مطلع أمريكا التي تبعد عن الدول العربية بين 6 و9 ساعات، فنهارنا ليل عندهم ونهارهم ليل عندنا، فلا يستقيم توحيد المطالع هنا.

فإن تحققت هذه الشروط في القمر الذي سنرصده، فإننا بذلك نكون قد وُفقنا وألّفنا بين أقوال العلماء أصحاب رأي شرط الرؤية وبين العلماء أصحاب رأي الأخذ بالحساب، لأننا سنكون حينها واثقين بأن أية شهادة ستُدلى بشأن إثبات رؤية أي هلال ستكون موافِقة لإجماع الفلكيين والفقهاء وستكون صادقة دون أدنى شك، هذا من ناحية.

أطوار القمر السبعة الرئيسة

ومن ناحية أخرى فإن أصحاب القول من الفقهاء والقضاة المسؤولين عن الإعلان للناس عن تحري هلال الشهر الهجري الجديد لن يعلنوا ذلك إلا بعدما يكون القمر موجوداً حقاً في السماء وقابلاً للرصد البصري، وحينها فإننا سنغدو مستيقنين بأن الأمة العربية والإسلامية لن تختلف في بدء يوم عبادتها عن أكثر من يومين (بسبب ابتعاد أقطار الأرض عن بعضها البعض وعدم اشتراك أقصاها وأدناها في معظم ليل واحد)، وبذلك سيتحد المسلمون في مختلف أقطار العالم في اليوم التالي بالعبادة نفسها التي بدأها بعضهم قبل يوم لاختلاف مطلعهم الشرعي لا لاختلاف أهوائهم. وسيترتب على هذا أن تصوم الدول العربية بكاملها في يوم واحد إذ إن مطلعها جميعاً واحد وما ينطبق على أولها سينطبق على آخرها، ما لم تتدخل الأهواء الشخصية أو التجاذبات والمصالح السياسية وربما العقائدية فيختلفون.

وأفضل مثال يمكن أن يُضرب في مثل هذا التعاون الفلكي الشرعي لرؤية الهلال بمعياره ذي الشروط الثلاثة هو ما تقوم به لجان رصد الأهلة بجمهورية باكستان الإسلامية حين تتوزع هذه اللجان التي تضم علماء فلك وفقهاء وقضاة على مدن باكستان الرئيسية المختلفة لترصد الهلال في ليلته الأولى التي يحددها الفلكيون الذين يعتمدون الشروط الثلاثة، فتخرج اللجان بناء على ذلك الأمر وغالباً ما يكون ذلك يوم التاسع والعشرين من الشهر القمري الذي بدأ في أوله اعتماداً على الرؤية لا على التقويم المدني الحسابي، فإن رأوا الهلال في تلك الليلة وإلا فإنهم يكملون العدة ثلاثين، ومع ذلك فإنهم يعودون يوم الثلاثين ليرصدوا الهلال ويتأكدوا من وجوده حتى يتيقنوا بأنهم ليسوا في يوم التاسع والعشرين مرة أخرى.

أطوار القمر

ولكن لماذا يختلف شكل القمر بين الليلة والأخرى من كل شهر؟ هذه الأشكال تُدعى أطوار القمر، وهي المحاق والهلال والتربيع والأحدب والبدر، وسبب تشكلها هو دوران القمر حول الأرض وتعرضه لأشعة الشمس أثناء ذلك، وبحسب الزاوية التي ينظر فيها سكان الأرض إلى النصف المضاء من القمر، فإنهم يرون الطور في ذلك اليوم.

فنصف القمر دوماً مضاء بأشعة الشمس، فإن كان الطور محاقاً جاء هذا النصف مواجهاً للشمس بعيداً عن أهل الأرض، بل يقابلهم النصف المظلم، لذا لا يرون من القمر شيئاً، فهو بذلك محاق.

أما إن كان الطور بدراً، فالقمر يقابلنا بنصفه المضاء، ولا نرى نصفه المظلم لأنه في الناحية البعيدة من القمر.

البحث عن الهلال باستعمال وسائل متعددة أهمها العين والتلسكوب والمنظار و”مخطط الصبار-الضليع”

وعندما يكون القمر في طور التربيع يرينا من نصفه المضاء نصفه ويرينا من نصفه المظلم نصفه، فنحن نرى ربعاً مضاءً فقط فيسمى تربيعاً.

وأما الهلال فهو أول قوس يراه أهل الأرض من نصف القمر المضاء، وما قبل ذلك فهو محاق حتى وإن كان القمر بعيداً عن الشمس، فهو لا يزال في استتار، ولا يمكن نعته بأنه هلال ما لم يظهر هذا القوس الضوئي بأية وسيلة بصرية كانت.

كيف نرى الهلال؟

ربما يظن بعض الناس أن عملية رصد الأهلة هي بتلك السهولة التي يُرى فيها الهلال بعد يوم أو اثنين من بداية الشهر، فكثيرون يظنون أن رؤية الهلال ليس لها وقت محدد أو اتجاه معين، وربما كانوا من أكثر الناس طعناً بأهل الفلك الذين يرصدون ويحسبون إمكانية رصد ورؤية الهلال والذين هم أكثر الناس خبرة بهذا الموضوع. وفيما يلي شروط رصد الهلال الجديد التي يتبعها الراصدون المحترفون ويمكن لأي إنسان إذا راعاها أن يحاول رصد الأهلة بنفسه:

• أن يكون الهلال موجودا وقابلاً للرصد.

• أن تتوفر لدى الراصد خريطة تحدد موقع القمر بالنسبة للشمس ووقتي غروب الشمس وغروب القمر مثل مخطط “الصبار- الضليع” الذي يحدد موقع الهلال في كل لحظة بعد غروب الشمس.

• يفضل البحث بواسطة التلسكوبات، لكن المناظير الفلكية (الدربيل) هي الوسيلةالأمثل في هذه المهمات التي تبحث عن الهلال الخافت جدا.

• أن ينتظر الراصد نحواً من عشر دقائق بعيد الغروب حتى يقل وهج أشعة الشمس وتبدأ احتمالية رؤية الهلال.

• أن يبحث الراصد عن الهلال ناحية الغرب فوق الشمس أو إلى يسارها بحسب موقع الهلال في خريطة ذلك الشهر.

• أن لا يستمر الرصد بعد الغروب لأكثر من ساعة، فبدوران الأرض حول نفسها سيغيب القمر القريب من الأفق كما الحال مع بقية الكواكب والنجوم.

أقل مسافة بين القمر والشمس شوهد عندها الهلال بعد الغروب كانت 7.6 درجات، ويمكن رؤية كوكب الزهرة بالقرب منه

أما من كان يعتقد بأن القمر يستمر بالظهور حتى منتصف الليل كما عودتنا بعض الدول العربية أن نسمع إعلاناتها بثبوت الشهر الجديد في منتصف الليل، فليس ذلك إلا شكل من أشكال الاتفاقات السياسية المتأخرة بين الدول.

قيم دنيا لرؤية الهلال

أقل مُكث للقمر شوهد فيه الهلال بعد غروب الشمس 29 دقيقة.
أقل عمر للقمر شوهد فيه الهلال بالعين كان 14 ساعة و48 دقيقة وبالتلسكوب 11 ساعة و42 دقيقة.
أقل مسافة بين القمر والشمس شوهد عندها الهلال بعد الغروب كانت 7.6 درجات.
معايير رؤية الهلال

بالنظر إلى المعايير المختلفة التي تحدد إمكانية رؤية الهلال عبر التاريخ وحتى وقتنا الحاضر أمثال معايير البابليين والفلكي العربي البتاني ومرصد جنوب أفريقيا والعلماء المحدَثين مثل إلياس يالوب.. نرى أن المفهوم المشترك بينها هو أنها تبحث عن ذلك الهلال الذي يُرى بالعين أو بالوسيلة البصرية فقط. فهي جميعاً تبحث إمكانية رؤيته يوم التاسع والعشرين أو حتى يوم الثلاثين من الشهر القمري.

أما أن نعتمد معياراً يخالف كل معايير الأمم باعتماد شخص يتقدم للشهادة دون التحقق من صحة ما يدلي به لمجرد أنه مسلم، فذلك معيار لا يفي أبداً بغرض الرؤية ولا يحققها، بل إنه يتيح الفرصة للمشككين بالادعاء على الفلك الحديث بالخطأ وعدم الدقة، وهو العلم الذي أوصل مركبات الفضاء إلى أهدافها في المجموعة الشمسية دون تأخير، وحسَب لنا مواقيت الصلاة بكل دقة، وحسب لنا مواعيد الخسوف والكسوف بالثانية، فكيف نسمح لإنسان بشر خطؤه وارد جداً بأن يشكك بما يحسبه الحاسوب لمعادلات فلكية وضع الله تعالى نواميس حركتها وسيرها؟

تعمل معايير الرؤية على رسم احتماليات رؤية الهلال من عدمها، وفي رمضان 2022 لن ير الهلال مساء الجمعة ولا حتى بالتلسكوبات

فهل يُعقل إذاً أن نترك الأمر مفتوحاً لأيٍ كان بأن يدّعي ما ينفيه العلم الدقيق، وهل يمكن لأي إنسان مهما بلغت دقته أن يفوق الحاسوب في دقته وحساباته، خاصة بعد هذا التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات الذي لم يترك مجالاً إلا وأبدع فيه؟!

معيار الحساب الفلكي

غير أن معياراً آخر يمكن اعتماده دون الحاجة إلى كل هذه التعقيدات والشروط الصعبة لرؤية الهلال، هو معيار الحساب الفلكي، على غرار حساب أوقات الصلاة، فتركيا على سبيل المثال تعتمد موعد الاقتران لإعلان بدايات الشهور القمرية في بلادها، وهو رأي فقهي يعتمد الحساب وفقاً لفهم الأحاديث الواردة بنص “اقدروا له”، وعليه فقد أصبح موعد الصيام كبقية مواعيد الصلاة يكتب على التقاويم الورقية والإلكترونية مسبقاً، ولا حاجة فيه لجماعات ولا لجان تحرٍ ولا لمحاكم تفتح أبوابها إلى قريب منتصف الليل منتظرة شاهداً ليس موجوداً سيأتي للإدلاء بشهادة لا يمكن أن تتأخر ساعة بعد الغروب؛ محاكم تنتظر القرار السياسي لا الرؤية ولا الشهود.

ترد شهادة الشاهد إذا خالفت الحسابات الفلكية بأن القمر قد غرب قبل غروب الشمس كما في قرارات مؤتمرات الأهلة

لقد أصبح هلال رمضان ومن بعده هلال العيد أكثر تسييساً من قضاياً تمس كرامة الأمة لا يوليها بعضنا من ساسة العرب اهتماماً.

خلاصة

لا شك في أن الله تعالى قد أمرنا عبر آيات القرآن الكريم ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم عبر أحاديثه الشريفة بأن نتحرى الهلال لبدء مواقيتنا التعبدية، فرؤية الهلال هي الأصل، لكننا لا نبحث عن هلال غير موجود، ولا عن قمر مُحاق لم يولد له هلال بعد، إنما نبحث عن ذلك القوس الضوئي من القمر والمعروف عند كل الأمم باسم الهلال ليكون هو علامة بدئنا للشهر، مع ضرورة رد أي شهادة بصرية تدّعي رؤية الهلال قبل تولّده أو بُعيد ذلك بوقت لا يكفي حسب المعايير الفلكية الحديثة برؤية الهلال.

وهنا يكون الأولى التوفيق بين أصحاب القول بالأخذ بالحسابات الفلكية وأصحاب القول بالأخذ بالرؤية من الفقهاء والعلماء، وبذلك يمكن الحصول على تقويم قمري يمكن اعتباره تقويماً مدنياً كذلك.

رمضان 2022م/ 1443هـ .. من يعلن الصوم أولاً؟

يتولد هلال رمضان 1443هـ/2022م صباح يوم الجمعة 1 أبريل/نيسان في تمام الساعة 09:24 صباحا بتوقيت مكة المكرمة، ويغيب بعد غروب الشمس بفارق زمني في دول الخليج وبلاد الشام بعد حوالي 15 دقيقة فقط، ويكون عمره (الفارق بالساعات بين ولادته وغروب الشمس) حوالي 9 ساعات آنذاك، إضافة إلى أن بعده عن الشمس 4 درجات فقط، وارتفاعه فوق الأفق الغربي لحظة الغروب بـ3 درجات. وجميع تلك القيم تقع دون القيم الدنيا التي رُصد فيها الهلال في حالاته المعيارية التي تجعل منه مرئيا ولو بالتلسكوب، وهذا ما يعبّر عنه وقوع البلاد العربية ضمن المنطقة البيضاء في خريطة العالم لاحتمالية رؤية الهلال (الخريطة ذات الأقواس الملونة في الأعلى). ووفق كل تلك المعطيات الفلكية، فإن القمر سينحجب (علميا) عن عيون البشر والتلسكوبات يوم الجمعة.

يرتفع القمر مساء يوم الجمعة فوق الشمس 3 درجات فقط، أي بمقدار سمك إصبعين فقط، وهو بذلك ملاصق لها ولا يمكن رصده

أما حسابيا، فبعبور القمر خط الاقتران مع الشمس والأرض صباح يوم الجمعة، فإنه يعلن دورة جديدة وشهرا قمريا جديدا، ولحظة الاقتران العالمية هذه هي التي نجد بلدا إسلاميا كبيرا مثل تركيا يعتمدها لدخول الشهر القمري، بغض النظر عن إمكانية رؤية الهلال بصريا.

فما المعيار الذي ستتبعه أكثر الدول العربية إن كانت تنوي حقا بدء الصيام يوم السبت 2 نيسان/أبريل 2022؟ وهل سيغم عليها بغبار أو غيوم فتبدأ الشهر يوم الأحد؟ فلننتظر لنعرف الإجابة.

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.