على المعارضة المصرية أن تتحد ضد النظام وإلا ستخاطر بالتعرض لقمع أكبر

محمد سلطان :كاتب أميركي من أصل مصري

يوافق هذا الأسبوع الذكرى السادسة لأحد أهم الأحداث في الشرق الأوسط، التي عكست مسار الربيع العربي؛ ففي الثالث من يوليو/تموز 2013 انقلب الجيش المصري على حكومة الرئيس الراحل محمد مرسي، مما أسفر عن مذبحة طالت الآلاف وتسببت في هروب آلاف غيرهم للمنفى، وزوال آمال الحكم الديمقراطي في البلاد، بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى.

استولى الجيش المصري على مقاليد الحكم باستغلال الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في يونيو/حزيران 2013 للتعبير عن الاستياء من حكم مرسي (أول رئيس منتخب ديمقراطياً في تاريخ البلاد). اعتُقِل مرسي بعد ذلك وحوكِم في محاكمات مسيّسة، وتعرض لسوء المعاملة. وأكدت عائلة مرسي أنه تعرض لإهمال طبي ممنهج؛ مما أدى في النهاية إلى انهياره بعد الإدلاء بشهادته في قفص عازل للصوت في المحكمة، ومن ثم إلى وفاته الشهر الماضي.

وفي الأسبوع الماضي، وبعد أيام قليلة من وفاة مرسي المأساوية والمفاجئة، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على شخصيات بارزة من المعارضة من العلمانيين، بمن فيهم البرلماني السابق زياد العليمي والصحفي حسام مؤنس؛ بسبب صِلتهم المزعومة بالإسلاميين.

جدير بالذكر أن المعتقلَين لعبا دورًا فعالًا في الثورة ضد حسني مبارك، وأسهما في حشد الجماهير ضد مرسي.

هذا القمع الثنائي الذي اقترفه نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي هو جزء من أكبر حملة قمعية سياسية في تاريخ مصر الحديث، تستهدف الجماعات العلمانية والإسلامية على حد سواء. ومع أنّ مستويات الظلم غير مسبوقة، فإنها ليست كافية حتى الآن لسد الفجوة المتزايدة وانعدام الثقة بين الفصيلين المعارضَين في مصر.

“ما يحتاج أن يفهمه كل من العلمانيين والإسلاميين السياسيين هو أنه رغم وجود اختلافات كبيرة في الأيديولوجيا ورؤيتهما المستقبلية للبلاد، فإن هذه الاختلافات ليست وجودية. بل إن هذه المجموعات بينها قواسم مشتركة أكثر مما يرغب أحد الطرفين بالاعتراف به: معاناة مشتركة وحلم مشترك بالمشاركة في تشكيل مستقبل بلدهما”

بالعكس، ترسخت سرديات الفصائل المختلفة بشكل أكبر خلال السنوات الأخيرة؛ لكل فئة تصور مختلف اختلافًا جذريًا عن الماضي، مبنيٌ على دعايات أيديولوجية استقطابية وارتباطات عاطفية بالأحداث.

جسّدت مظاهرات يونيو/حزيران 2013 صراع كلا الفصيلين؛ فعلى مدى عقود طويلة كان الطموح السياسي للإسلاميين محدود بالبرلمان، وعندما انتُخِب مرسي كان فوزه شيئًا أعمق من مجرد كونه رئيساً للبلاد؛ بالنسبة لجمهوره الإسلامي، كان مرسي تجسيدًا لنجاحهم في تحطيم الأسقف السياسية.

أما العلمانيون فقد كانوا يُعتبرونه جزءًا من نخبة محدودة العدد ليست لها قاعدة جماهيرية ولا تملك القدرة على الحشد. ولذلك عندما نجحوا في الحشد ضد مرسي عام 2013، رأى المؤيدون المظاهرات تجسيدًا لنجاحهم.

وكل عام منذ 2013، يعيد طرفا المعارضة السياسية النظر في هذا التاريخ المتباين، الذي يمثل قضايا جذرية عميقة. فمن جانب يحاول الإسلاميون نزع الشرعية عن احتجاجات عام 2013 من خلال التقليل من عدد المشاركين والمبالغة في دعم أجهزة الأمن لها. وبالطريقة نفسها يحاول العلمانيون نزع الشرعية عن مرسي من خلال تصويره كرئيس غير كفء لم يمثّل سوى الإسلاميين فحسب؛ وبهذا يلعب كل طرف على النقص السياسي التاريخي للآخر.

وفي الوقت نفسه، يستغل نظام السيسي ببراعة هذه النقوص ذاتها لخلق المزيد من الانقسامات، ويستخدم القمع كأداة لتعزيز سردية كل جانب عن الآخر.

وسياسات اللوم المثيرة للخلاف ليست جديدة على المشهد المصري، خاصة في هذا السياق؛ فتاريخيًا، حرّض الجيش فصائل معارضة مختلفة ضد بعضها البعض من أجل تحقيق التوازن بين ديناميكيات القوة. وهو اليوم يستخدم تكتيكات مماثلة؛ مثل “شيطنة” جماعات المعارضة، وتقديم معاملة تفضيلية في الأحكام وظروف السجن لفصيل على الآخر، من أجل تعميق الصراع المستمر منذ عقود بين العلمانيين والإسلاميين.

“عندما يضع السياسيون والفصائل المصرية خلافاتهم جانباً ويجعلون من إنقاذ وطنهم أولوية، حينها فقط سيكون بإمكانهم تحرير أنفسهم من شياطين الماضي وإلهام العالم كما فعلوا من قبل”

لكن ما يحتاج أن يفهمه كل من العلمانيين والإسلاميين السياسيين هو أنه رغم وجود اختلافات كبيرة في الأيديولوجيا ورؤيتهما المستقبلية للبلاد، فإن هذه الاختلافات ليست وجودية؛ بل إن هذه المجموعات في الواقع بينها قواسم مشتركة أكثر مما يرغب أي الطرفين في الاعتراف به: معاناة مشتركة وحلم مشترك بالمشاركة في تشكيل مستقبل بلدهما.

في ظل القمع اللامتناهي للنظام، يجب أن يدرك كلا الفصيلين أن الواقع السياسي لا يمنحهما رفاهية الانخراط في خلافات نظرية، أو نقاشات حول تصوراتهم المتناقضة حول سرديات الماضي. فالآن أكثر من أي وقت مضى، يجب عليهم إيجاد أرضية مشتركة لبناء مستقبل حر، وتعددي، وديمقراطي يتعايشون فيه جميعاً.

يجب على المصريين الإدراك أنهم بحاجة إلى بيئة تكفل الحرية والشفافية وسيادة القانون للوقوف على حقائق الماضي. محاولات كلا الفصيلين لملء الفراغ السياسي الحالي بتهميش الآخر لن تؤدي إلّا إلى إطالة عمر نظام السيسي.

عندما يضع السياسيون والفصائل المصرية خلافاتهم جانبًا، ويجعلون من إنقاذ وطنهم أولوية، حينها فقط سيكون بإمكانهم تحرير أنفسهم من شياطين الماضي وإلهام العالم كما فعلوا من قبل.

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.