و يستمر النزيف… اغتيال العقول العربية

المصادر متنوعة: ترك برس، موهوبون…

العلم كان و لا يزال اهم مقياس للتقدم، و لكنه كذلك احدى مجالات الصراع بين الأمم. و في عالم تداخلت فيه المصالح و اصبح التنافس على أشده. وذلك وسط هيمنة دول معينة على التكنولوجيا عموما و العسكرية خصوصا. و كل من ينافس على ذلك يصبح ينافس على حلبة صراع، نكاد نجزم بهيمنة الغرب و اسرائيل عليها.
و قد شكل العلماء العرب صيدا سهلا للدول المعادية. و كل ذنبهم أنهم قد ولدوا ونشأوا في الزمان والمكان الخطأ، حيث لا مستقبل لهم في دولهم، ولا مجال لتحويل إنجازاتهم واختراعاتهم إلى واقع عملي.
و في حين ان حكاما عربا يحكون عن صفقة القرن مع اسرائيل. فهم بذلك ينسون او يتناسون ان إسرائيل وكجزء من حربها ضد العرب، نظمت عمليات الإغتيال بإطار مؤسساتي، حيث أنشئت رئيسة وزرائها “غولدا مائير” جهازا خاصا بعمليات الاغتيال أطلق عليه إسم “المجموعة إكس” وألحقت به وحدة مختصة بالاغتيالات من جهاز الموساد، ليصبح لديها لاحقاً شعبتان تتبع إحداهما الجيش والأخرى الموساد، وذلك بهدف التحري وجمع المعلومات عن العلماء العرب وخاصة من يتخصص في التكنولوجيا عموما و العسكرية خصوصا.
تصفية إسرائيل للعلماء والخبراء لم يقتصر على العرب، فقد نفذت عمليات إغتيال طالت علماء كنديين وألمان، وأجبرت الحكومة الألمانية على دفع تعويضات للتكفير عن جرائم النازية بحق اليهود، فلجأت لاختطاف “هاينر كروغ” مدير مكتب إنترا، إحدى الشركات التي كانت تزود مصر بقطع الصواريخ، ليعثر عليه لاحقا مقتولا في سيارته، كما أصيبت سكرتيرته “ولفغانغ بليتسر” بالعمى بعد انفجار طرد أدى لمقتل خمسة مصريين كانوا معها، وكذلك أرسلت تهديدات للعاملين في مجال صناعة الصواريخ، وقامت باغتيال العالم الكندي “جيرالد بول” أمام منزله في بروكسل بتاريخ 23\3\1990 للاشتباه بعمله لصالح العراق، ونفذت الاغتيال وحدة كيدرون(1).
و الأكيد أنه ليست اسرائيل العدو الوحيد و الذي يتربص بالعرب. حيث ان بعد احتلال العراق وتمكن إيران و امريكا من إحكام قبضتهما على العراق. اغتالت إيران و ميلشياتها العديد من علماء الدين لتجهيل العراق.
حيث اغتالت مليشيات مسلحة مجهولة إمام وخطيب جامع الصفا في منطقة كركوك شمال العراق الشيخ فائق فخري وذلك بعد أن اعترضته المليشيات أثناء توجهه لأداء صلاة الفجر
بينما وصل العلماء العراقيين الذين اغتالتهم امريكا واسرائيل وعملاؤهما 141 عالما.
إسرائيل تقوم بتصفية كل من تشعر بأنه يمثل خطرا عليها، فمن ” يحيى عياش” إلى “خليل الوزير” إلى “محمود المبحوح” وصولا لـ “ياسر عرفات”، هي لا توفر أحداً، حتى سورية الغارقة في الحرب المأساوية منذ ستة أعوام لم يسلم علماؤها من الإغتيال، حيث أقدمت بتاريخ 10\10\2014 على إستهداف حافلة في منطقة برزة في العاصمة دمشق تقل علماء وخبراء في مجال الذرة ما أدى لمقتل خمسة منهم.
التاريخ الحديث يروي العديد من قصص الإغتيال، فمنذ بدايات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، سلسلة طويلة من العلماء الذين تمت تصفيتهم بطرق متعددة بعضهم ضباط عسكريون والبعض الآخر باحثو أدب وتاريخ، وفي حالات أخرى كان الضحايا أطباء ومهندسون، ومن الأمثلة على هؤلاء:
مهندس الطيران التونسي محمد الزواري أحد رواد مشروع طائرات الأبابيل الذي اغتيل أمام منزله بتاريخ 16\12\2016 والذي كان يعكف على تصميم غواصة مسيرة عن بعد ويحضر في نفس الوقت لنيل شهادة الدكتوراه.
المهندس المصري رفعت همام المتخصص في مجال الكهروميكانيك، وهو صاحب عدة إختراعات منها جهاز توليد الكهرباء عن طريق الجاذبية، وجهاز تحلية مياه البحر بقوة الأمواج، وجهاز تلقيح الحيوانات صناعيا، والأهم جهاز إنذار مبكر ضد الصواريخ، وقد سرب أنه كان يساعد حماس على تطوير مدى صواريخها، حيث اغتيل في لبنان في الشهر السادس من العام 2014.
الدكتور المصري “مصطفى مشرفه” أول مصري يحصل على درجة دكتوراه العلوم من إنجلترا عام 1923 وهو من القلائل الذين عرفوا سر تقتيت الذرة، وأحد العلماء الذين ناهضوا استخدامها في صنع أسلحة في الحروب، وتُقدر أبحاثه المتميزة في نظريات الكم والذرة والإشعاع والميكانيكا بنحو 15 بحثاً، وقد بلغت مسودات أبحاثه العلمية قبل وفاته نحو 200 مسودة. عثر عليه مسموما في منزله بتاريخ 15\1\1950
الدكتورة سميرة مصطفى العالمة في مجال التواصل الحراري للغازات، والإشعاع النووي، والحاصلة على الدكتوراه في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة، اغتليت في أمريكا بتاريخ 15\8\1952 بعد زيارتها لأحد المفاعلات النووية الأمريكية، ورفضها لعروض بالبقاء في الولايات المتحدة.
عالم الذرة الدكتور سمير نجيب الأستاذ المساعد في جامعة ديترويت، الذي رفض عروض البقاء في الولايات المتحدة بعد نكسة 1967 وصمم على العودة إلى مصر ليلقى حتفه بحادث سير مدبر بتاريخ 12\8\1967.
يحيى المشد عالم الذرة والأستاذ الجامعي المتخصص في هندسة المفاعلات النووية، دَرّسَ وعمل وأبدع في العراق في الجامعة التكنولوجية قسم الهندسة الكهربائية، إغتيل في باريس بتاريخ 13\6\1980.
العالم سعيد السيد بدير المتخصص في مجال الهندسة التكنولوجية الخاصة بالصواريخ والاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية خارج الغلاف الجوي، عاد من المانيا إلى مصر، فتمت تصفيته بتاريخ 14\7\1989.
الراحل عبد الله شقرون من مواليد مدينة تطوان سنة 1984، دخل عالم الاختراع وهو لم يتجاوز سن الـ20 بعد، وتمكن من اختراع 35، اختراعا جلها في المجال العسكري. و نظرا لعدم تمكن أسرته من عمل فحص دقيق على جثته فقد قيل حينها انه مات موتة طبيعية.
حسن كامل الصباح، رمال حسن، إسماعيل أحمد موسى، عبير عياش، سلوى حبيب، جمال حمدان، أحمد فليفل، نبيل القيلني، سامية ميمني وغيرهم، ليسوا سوى عينة صغيرة من العلماء العرب الذين تمت تصفيتهم، لكن حقيقة الأمر ليست إسرائيل وإيران ومافيات التجارة الدولية المتنافسة، هي وحدها من يغتال علمائنا، فالظروف المعيشية وغياب العدالة الاجتماعية، وسوء توزيع الثروات، وعدم الاهتمام بالتصنيع والبحث العلمي إضافة للبيروقراطية والفساد وسرقة المال العام ونهب الثروات وتجميعها في بنوك الغرب، وكذلك حالة عدم الاستقرار السياسي وعدم وجود حكومات ديمقراطية منتخبة، وترك هؤلاء العلماء دون حماية شخصية، كل هذا أدى إما لهروب الكفاءات العلمية العربية إلى الغرب، أو اغتيالها على يد إسرائيل وغيرها.
و قد فتح الجرح من جديد باغتيال د.م. فادي محمد البطش، دكتور مهندس في الهندسة الكهربائية، أثناء توجهه لصلاة الفجر في ماليزيا، وهو حاصل على جائزة أفضل باحث عربي.

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،