ويسألونك عن بلاد التوحيد

بقلم :محمد بن محمد الأسطل

ليست الغارة الغادرة على غزة عندي بكبير شيء؛ فهي جولةٌ معتادةٌ محفوظة لها غضباتٌ محمودة، ونحن بين منصورٍ أو شهيـ.ـد أو مبتلىً في سبيل الله، فلسنا نخسر مع الله في شيء؛ ولكن الغارة الحقيقية الكبرى والمصيبة العظمى هي تلك التي شنَّها الغرب منذ أمدٍ بعيدٍ على المملكة العربية السعودية، حتى صيَّروها تبعًا لهم وأداةً وظيفيةً بأيديهم.

ومن نتيجة ذلك اليوم تلك الجهود التي لا تخطئها عينٌ والمملكة تسارع في موالاة الصهـ.ـاينــ.ــة الذين كفروا حدَّ التطبيع المرتقب وتتباطأ عن موالاة إخوانهم في فلسطين، ولا تنصر جهـ.ـادهم بل تتربص به، وهي اليوم ساكتةٌ عما يجري إلا من تصريحٍ يبكي محشوٍّ بالمغالطات.

وجوهر المشكلة أنَّ المملكة تضم في جنباتها المسجد الحرام والمسجد النبوي، وأنَّ مبعث رسالة الإسلام كانت في أرضها، فهي بذلك موضع نظر أمة الإسلام، كيف لا ولا تصح لهم صلاةٌ إلا بالتوجه للبيت الحرام، فهي بذلك العاصمة الأولى للأمة الإسلامية، فإذا ما ضلَّت ضلَّ معها أقوامٌ كثيرون.

ثم هي اليوم تقوم بأخطر دور؛ وهو إنتاج فكر شرعي مشوه منسجم مع رغبة المحتل الغربي، وقد سخَّرت الثروات الهائلة التي بيدها لا سيما النفط في تمرير هذا الفكر في الأمة الإسلامية، وتقوم بوأد أي محاولة إصلاح في الأمة، وتنفق على ذلك من مالها، حتى وصل بها الحال إلى تسليم المسلمين إلى أنظمتهم الكافرة أو الفاجرة من أجل تعذيبهم، واستغلوا مجيء الناس إليها للحج أو العمرة في القبض عليهم، فلم يعد الحجُّ بذلك آمنًا.

ولئلا يُشغَّب عليها قامت باعتقال المئات من علمائها ودعاتها أصحاب الرأي والوعي، واليوم لا يستطيع أحدٌ من أهل العلم أن يعارضها وإلا فمصيره السجن والعذاب، ولا يُسمح لمن بقي منهم بالسفر ليتكلم كما يريد في أرض الله.

فإن قال قائل: إنَّ هذا حال النظام نفسه والعلماء منه براء.. قلت: هذا حقٌّ في الغالب الأعم، فالعلماء الصادحون بالحق معتقلون، والسواد الأعظم ممن لم يعتقل لا يقدر أن يجهر بقناعته وهم مما يجري براءٌ براء، وهم من الأمة والأمة منهم، وهم قناديل لا مناديل، إلا أنَّ النظام يعمد إلى بعض المناديل ليتمسح بها في تمرير المخطط الذي يريد كمحمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي.

والمتابع للحالة العلمية السعودية يدرك أن بعض الصدور تغلي وتتميز غيظًا مما يجري الآن من خطة التحديث داخل المملكة بقيادة محمد بن سلمان.

لكن الأزمة تلحق بفريقٍ من المشايخ لم يعدوا العدة لهذا اليوم، فضخموا من طاعة ولي الأمر حتى شملت المساحة التي ليست له شرعًا، وحصروا أنفسهم في مباحث من العقيدة، وصاروا يهونون من كل شيء إلا من العقيدة.

فإذا نزلنا إلى ساحة الأحداث في الأمة تفاجأنا أنَّ مفهوم العقيدة عندهم يختلف عن مفهوم العقيدة في الإسلام؛ فالأحداث التي تجري في فلسطين والمسجـ.ـد الأقصـ.ـى أليس مقام النصرة إزاءها من العقيدة!.
أليست القدس عقيدة!.
أليس تحرير المسجـ.ـد الأقصـ.ـى من براثن المحتل الصهيـ.ـونـ.ـي عقيدة!.
أليس الولاء للمسلمين والمجاهـ.ـدين والبراء من الكفرة والمنافقين عقيدة!.
إنَّ الإشكال أنهم حصروا حياتهم في النزاع مع الأشاعرة والمتصوفة وبدعيات القبور، أما ما وراء ذلك فليس من اهتمامهم في شيء.

وختامًا:
ليس هذا الكلام كلام لومٍ وعتبٍ لأجل اللوم والعتب؛ وإنما لأنَّ الأمة بكافة جماعاتها ومكوناتها بحاجةٍ ماسةٍ اليوم إلى عمل مراجعات شرعيةٍ وفكرية، فنريد للأمة الواحدة أن تجتمع في كليتها، وكل جهد في كل بلد يلزمنا في مهمة الوصول إلى الأمة الواحدة واجبٌ تحصيله شرعًا وعقلًا.
وإلا فإنَّ حفظ المملكة بالنسبة إلينا عقيدةٌ ودين كما أنَّ حفظ المسجد الأقصى من كيد الصهاينة عقيدةٌ ودين.

فاللهم احفظ المملكة واحفظ علماءها.
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ضياع بلد قبلتنا.
اللهم إنا نعوذ بك من كل مخططٍ ماكرٍ بالمملكة وغيرها من بلاد الإسلام.
اللهم هيء الأسباب للإفراج عن علمائنا ودعاتنا في سجون المملكة يا رب العالمين.
اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.

والحمد لله رب العالمين.

شاهد أيضاً

استقالة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية بعد الفشل في 7 أكتوبر

صرح الجيش الإسرائيلي في بيان اليوم الإثنين، إن رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية ميجر جنرال أهارون هاليفا، استقال، وإنه سيترك المنصب بمجرد تعيين خلف له.