وليال عشر

بقلم الشيخ سفيان ابو زيد

هل المقصود من قوله تعالى {وليال عشر} عشر ذي الحجة؟

اختلف المفسرون في ذلك على قولين رئيسيين:
القول الأول: تعيينها وهنا اختلفوا على أقوال: هل هي عشر ذي الحجة أو عشر رمضان أو عشر محرم… وذهب كثير منهم إلى أنها عشر ذي الحجة قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد وَغَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف ورجحوا ذلك بما يلي:
1- هي ليال معلومة للسامعين
2- موصوفة بكونها عشر
3- جاءت منكرة لأنها معروفة واستغنى عن تعريفها بوصفها بكونها عشرا
4- يفهم من وصفها بالعشر أنها متتابعة معروفة مميزة
5- وجاءت منكرة كذلك لينونها تنوين تعظيم، ولو عرفها لما أمكن الإشارة إلى عظمتها بالتنوين.
6- هذا ينطبق على عشر ذي الحجة ويؤيد ذلك أنه مذهب اِبْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد وَغَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف
7- ومما يستدل به على ذلك ما رواه أحمد والنسائي عن أبي الزبير “المكي” عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن العشر عشر الأضحى”
وقال ابن العربي: ولم يصح، وقال ابن عساكر: رجاله لا بأس بهم، وقال الطاهر بن عاشور: أن المتن في رفعه نكارة.
وذهب بعض أهل التفسير إلى أن العشر هنا مطلقة، واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- أنها جاءت نكرة للدلالة على أنها أي ليال عشر مقتطعة من ليالى الزمن على امتداده ، فهى إذن ليست ليال على صفة خاصة
2- للخروج من أي تضارب في الدلالات والتقييدات لابد من الوقوف عند دلالاتها اللفظية المطلقة، فهو تقطيع للوحدة الزمنية مع هذه الأوقات التي أقسم اللّه سبحانه وتعالى بها.
3- المقسم به هنا هو الزمن ، فى وحدات زمنية منه ، هى : الفجر ، والليل ، وعشر ليال من هذا الليل.
أما الشفع والوتر ، وإن لم يكن من المتعيّن أن المعدود بهما قطع من الزمن ، فإن السياق الذي جاءا فيه ، يقضى بأن يكون المعدود ـ زوجا أو فردا ـ قطعا من الزمن ، وأقرب هذه القطع أن تكون من الليالى ، شفعا أو وترا ..
إذ سبقهما قوله تعالى : « وليال عشر » وهى عدد شفع ، وتلاهما قوله تعالى : « وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ » وهو عدد وتر! ويكون القسم بالليالي العشر جملة ، ثم القسم بها ليلتين ليلتين ، وليلة ليلة.
4- من إشارات هذا الإطلاق: إن القسم بالفجر إشارة إلى تفجر النور وبعث جديد للحياة ، ودعوة مجددة للأحياء أن يكتحلوا بهذا النور ، وأن يأخذوا مواقفهم فيه على طريق العمل.
5- كل شهر قمري ينقسم إلى ثلاث ليالي عشر في أوله ووسطه وآخره، فالأولى والأخيرة تتميزان بغلبة الظلام، وتتميز الوسطى بغلبة وظهور نور القمر، وعلى هذا يكون الشفع ، هو العشر الليالى الأولى ، والعشر الأخيرة من كل شهر قمرى. باعتبارهما وحدتين زمنيتين متماثلتين. وأما الوتر ، فهو العشر الليالى المتوسطة من الشهر ، باعتبارها وحدة زمنية واحدة! ومن هذا يكون القسم بالليالي العشر ، واقعا على الليالى كلها ، فى امتداد الزمن ، ولكن مع دعوة إلى مراقبة الزمن ، وملاحظة التغيرات التي تجرى على الليل .. ليلة ليلة .. فالليل يلبس فى كل ليلة ثوبا جديدا مع القمر على مدى ثلاثين ليلة .. ثم يعود فيبدأ دورته من جديد معه ، من هلال إلى بدر ، إلى محاق ..
6- فهى أقسام وحدات الزمن ، وفى هذه الوحدات ، يبدو الزمن كائنا حيّا ، يعايش الناس ، ويشاركهم تقلبهم فى الحياة ، وفى هذا ما يبعث على النظر ، والتدبر ، والتفكر ، مما يكشف عن قدرة الخالق وعظمته ، وحكمته.
7- بهذه المراقبة للزمن ، والالتفات الواعي إلى حركته ، يعرف الإنسان قيمة الزمن ـ ويحرص على الانتفاع بكل لحظة تمر منه. (التفسير القرآني للقرآن -باختصار وتصرف – )

والذي يظهر لي والله أعلم هو أن اللفظ إذا جاء مطلقا ولم يرد في النص نفسه أو في نص آخر تقييد له، دل ذلك على أن الإطلاق مقصود، أدركنا حكمة ذلك الإطلاق أم لم ندركه، وهنا يظهر أن الإطلاق مقصود، وإن ورد ما يقيده من آثار أو أقوال فإنها لا ترقى إلى قوة أن تكون مقيدة لهذا النص، إضافة إلى أن فضل عشر ذي الحجة أو الأواخر من رمضان أو أوائل المحرم قد ورد فيها ما يكفيها من الدلالة على فضلها، هذا دون غض الطرف على ما في اللفظ هنا من إشارات واضحة دالة دلالة شبه قطعية على هذا الإطلاق من تنكيره وإطلاقه دون تقييد أو تحديد أو تعيين، وإن كان هناك تفسير أو تأويل لهذه العشر فهو على ما ذكره صاحب التفسير القرآني، من أن هذه الأقسام التي أقسم الله تعالى بهذا هي وحدات زمنية مختلفة في وصفها وروحها ومواعدها وإشاراتها ودلالاتهان جامعها الدعوة إلى تأمل الزمن في كل تقلباته من فجره الدال على الأمل بعد حلاكة الظلمة، والدال على الوضوح والفرج، والليالي العشر الدالة على قطعة زمنية أكبر تتصارع فيها قوى النور والظلمة، فتغلب الظلمة في جولتين الأولى والثالثة، ويتصارع النور والظلمة في الوسطى ويختم ذلك كله بفجر وأمل وفرج جديدان لا يخبوان ولا ينقطعان، وكل تلك الحركة وذلك التعاقب وذلك الأمل بيد خالق الأكوان سبحانه، كما فعل ربك بعاد إرم ذات العماد وفرعون ، التي كادت ظلمتها تغلب نور الحق والنبوة، فظهرت في جولتين وتصارعت مع الحق في جولة وسطى كما حدث مع موسى عليه السلام فلما صدق أهل الحق وصبروا وصابروا وحاولوا تدخلت يد الرب سبحانه فانقشع الفجر وتبدد الظلم والظلام، إن ربك لبالمرصاد، ثم يصحح سبحانه مفهوم الفجر والخلاص والكرامة والإكرام الذي قد يظنه الإنسان في المنح والنعم والمد، ولكن الصحيح أن الفجر بكل منافعه ومصالحه يكون في العطاء ومجاهدة النفس ومدافعة ظلمتها، ومد اليد للضعيف، والليل كل الليل بظلامه في الضن والشح وتقديم المصلحة اللحظية الموهومة على الباقية، وهذا التعاكس يحتاج إلى تدافع وتهذيب في إطار بشري يحب اللذة ويكره الألم، وفي مسيرة هذا التدافع بين ظلمة الليل ونور القمر واليقين فيما عند رب الفجر والليل والنور والظلمة ورب الأمل، فمن غلبت ظلمته على نوره وفساده على صلاحه، انتهى به المطاف إلى ليلة مظلمة لا فجر بعدها والعياذ بالله، ومن غلب نوره ظلمته وعطاءه ضنه وأمله قنوطه كانت الكرامة والتكريم في النهاية له ولتلك النفس التي بقيت على أمل الفجر ودافعت ظلمة نفسها وشهوتها وسلوكها بنور هداها وهديها وعطائها فألبسها ذلك لباس الطمأنينة وناداها من عل يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي..

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،