وكأنه كان ينقصها هذا الرعب!.. الحياة في غزة بعد وصول “كورونا”

غزة: تلقي الشمس بأشعتها على مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمالي قطاع غزة، معلنةً بدء يوم جديد.

بين الأزقة لا يبدو المشهد على طبيعته، ما قبل إعلان وزارة الصحة الفلسطينية عن اكتشاف أول إصابتين بـفيروس “كورونا المستجد”، في 22 مارس/ آذار الماضي، داخل أحد مراكز الحجر الصحي بالقطاع، قبل أن يرتفع عدد المصابين إلى 13 الإثنين.

الشوارع فارغة، إلا من أطفال تسللوا خلسة للعب مع أصدقائهم، متجاهلين تحذيرات أمهاتهم من الفيروس، الذي أصاب، حتى مساء الإثنين، أكثر من مليون و340 ألف شخص في 199 دولة وإقليما، توفي منهم ما يزيد عن 74 ألفًا، فيما تعافى أكثر من 278 ألفًا.

بينما قفز آخرون من سور مدرسة “ذكور جباليا الإعدادية”، للعب كرة القدم داخل ملعبها الفسيح، بعيدًا عن امتعاض سائقي سيارات الأجرة، الذين باتوا قلّةً بسبب تراجع الحركة، وتعليق الدراسة بشكل كامل، وتقليص عدد الموظفين في الدوائر والمؤسسات الحكومية، لمنع تفشي “الجائحة”.

في شارع ضيق، يمر بائع “الكلور” و”ماء النار”، ينادي على بضاعته مُمرّرا اسم الزائر المرعب في عباراته، قائلًا: “أجاك (جاء) عزّك يا كلور.. وصل بياع الكلور يلي خايفين من الكورونا”.

تطلُّ سيدة من إحدى النوافذ، وتطلب خمسة “لترات”. تعلّق جارتها، التي كانت تقف بملابس الصلاة قرب عربة الرجل تشتري نصيبها هي الأخرى، ضاحكةً: “أوف.. على إيش (لماذا) خمسة يا أم أحمد؟!”. ترد الأخيرة: “يا دوب (بالكاد) يكفي يختي، الله يحميكم ويحمينا”.

في محل بقالة صغير، يصدح صوت التلفاز بنشرة أخبار العاشرة صباحًا، بصوت رتيب يقرأ المذيع عدد الإصابات بالفيروس في مختلف دول العالم، ويُلحقه بعدد الوفيات.

يضرب صاحب المحل كفًا بكف، ويدعو: “الله يجيرنا”. بينما يبدأ بحساب سعر طلبية لجاره الأربعينيّ، ضمت معلّبات غذائية من “اللحم والجبن والسردين والفول”، قال إنه اشتراها “تحسبًا لحظر تجول مفاجئ قد يُقر خلال الفترة المقبلة”، ويعلق ضاحكًا: “عندي سبعة أبناء، إذا جاعوا بياكلوني”.

** تخزين أغذية

تتسع الصورة خارج المخيم، فأكثر من مليوني إنسان في غزة يخشون الإعلان عن حالاتٍ جديدة مصابة بالفيروس داخل أسوار القطاع، الذي تحاصره إسرائيل منذ صيف 2006.

هوسُ تخزين الأغذية شمل عددًا كبيرًا من العائلات، التي اتجهت إلى المجمّعات التجارية الكبرى (المولات)، لشراء الأغذية صاحبة العمر الطويل.

بينما اكتفت هدى عبد الله، بمشاهدة عمليات البيع والشراء عن بعد، تمامًا كحال 54 بالمئة من سكان القطاع، الذين صنّفهم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف) كـ”فقراء”.

تبدي ريم سالم، وهي تعمل في مؤسسة خاصة (لم تعلق دوامها حتى اللحظة)، ارتياحًا كون أسعار المعقّمات الشخصية عادت إلى طبيعتها، بعد فرض الجهات الحكومية في القطاع رقابةً مشددة على أسعارها؛ إثر شكاوى وصلت إلى الشرطة تفيد بمضاعفة بعض الصيدليات أسعارها.

تستخدم ريم المعقّمات بشكلٍ مكثّف، عندما تصعد سيارة الأجرة التي تقلها إلى العمل، وتعيد الكرّة عندما تنزل منها، وبعد أن تحمل أكياس التسوّق أو تصافح إحدى صديقاتها.

** حالة رعب

الشابة إسلام أيمن، تصف تعامل عائلتها مع الفيروس بـ”الرعب”، وتقول إن والدتها ترفض دخول أحد البيت، إلا بعد أن يخلع حذاءه ومعطفه، فترشه ببخاخة صغيرة تحوي سائل “الديتول” المخفف بالماء، ثم تضع أغراضه تحت الشمس “حتى تقتل أية فيروسات”.

وفي موقف يكشف مدى القلق من احتمال الإصابة، توضح أن شقيقها يأخذ كافة احتياطاته حينما يذهب إلى محل الحلاقة، فيصطحب معه أدوات كـ”موس الحلاقة الخاص به، والمشط، والمنشفة”، مستكملةً: “وكمامتين واحدة له، وأخرى للحلاق”.

المقاهي، التي كانت تعجّ بالشبان وتصدح منها أصوات الضحكات، باتت اليوم مهجورة، بعد قرار الجهات الحكومية إغلاقها، احترازًا لمنع تفشّي الفيروس.

المساجد هي الأخرى أغلقت أبوابها أمام المصلين وحلقات تحفيظ القرآن، واكتفت برفع الأذان، وذلك لمدة أسبوعين.

والأعراس في غزة فقدت بريقها هي الأخرى، وغيّرت مراسمها، وقلّ مهنّئيها، إلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الهواتف، فتحوّلت هذه المهرجانات العائلية، التي كانت تجمع ما لا يقل عن 500 شخص تحت سقف واحد، إلى حفلات منزلية يحييها القليلون.

وفي أوقات مختلفة، ترى رجال يتبعون لجهاز الدفاع المدني، وطواقم البلديات، وأشخاص متطوعين، وغيرهم ممن يتبعون لشركات خاصة أو فصائل سياسية، ينفّذون حملات تعقيم للشوارع والمرافق العامة والأسواق ومراكز تجمّع المواطنين.

ولتشجيع الناس على الوقاية من الإصابة بالفيروس، استغل الشابان سماح سعد وضرغام قريقع موهبتهما الفنية، في رسم مجموعة من الصور والرموز التعبيرية على الكمّامات الطبية، لتوعية الناس بضرورة ارتدائها للوقاية.

** استهتار بالفيروس

لكن يوجد وجه آخر للتعامل مع هذا “الزائر المرعب”، فقد تجد أشخاصًا وعائلات في غزة لا تولي اهتمامًا أو تخوفات من الإصابة بالفيروس.

“الاستهتار” هو الوصف الدقيق الذي استخدمه عدد من الناشطين الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي، لوصف تلك الفئة، التي لم تغيّر حتّى اللحظة أسلوب حياتها، رغم أن العالم كلّه اضّطر مجبرًا لهذا التغيّر، لحصر انتشار الفيروس.

ويدافع الستيني أبو محمد (رفض الكشف عن اسم عائلته)، الذي استقبل جاره بالأحضان، عن عدم اتخاذه للتدابير الوقائية، كالامتناع عن المصافحة أو ترك مسافة آمنة بينه وبين الآخرين، بالقول: “من لم يمت بالحروب العسكرية (الإسرائيلية)، هل سيقتله فيروس الآن؟!”.

ورغم وجود هذا الاستهتار، إلا أن رائحة الخوف من انتشار الفيروس تفوح في شوارع غزة، فبمبادرة ذاتية باتت الكثير من المحال التجارية، التي كانت تفتح أبوابها حتّى منتصف الليل، تُغلق منذ التاسعة مساءً، ويسود شعور مخيف بأن حظرا للتجول قد فُرض.

** تداعيات الحصار

التخوفات من انتشار “كورونا” داخل قطاع غزة المحاصر، للعام الرابع عشر على التوالي، لم تطرق أبواب السكان فقط، إنما أعربت أيضًا مؤسسات دولية وأخرى حقوقية إسرائيلية عن قلقها إزاء الوضع.

هذا الحصار تسبب بوجود ضعف شديد لدى القطاع الصحي في غزة، فيعاني، بحسب وزارة الصحة، من نقص حاد بالأدوية الأساسية يصل إلى 39 بالمئة، و32 بالمئة نسبة نقص المستهلكات الطبية، و60 بالمئة نسبة العجز في لوازم المختبرات وبنوك الدم، وما زال الحصار يلقي بظلاله السلبية مُتسببا بشحّ في مواد الفحص المخبري الخاصة بالفيروس.

وبجانب ذلك، فإن نتائج الحصار، من انتشار للفقر وانهيار للبنى التحتية إلى جانب الاكتظاظ السكاني، هي عوامل تساهم في سرعة تفشّي هذا الفيروس، بحسب مؤسسات حقوقية.

(الأناضول)

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.