وفاة مرسي العزة و الذلة

بقلم الشيخ الاستاذ سفيان ابو زيد

وأنا أتأمل تفاعل العالم الحر مع وفاة الدكتور محمد مرسي رحمه الله رغم ما قاساه في غياهب السجون السيساوية وما كاله له إعلام الخبث من الشتائم والافتراء والكذب والبهتان، وما دفعه المنافقون شرقا وغربا لإسقاطه والتخلص منه، وما ساهم به آخرون من الصمت وغض الطرف، وما مهدته قوى الاستكبار العالمي لأجل ذلك..

هذا كله لأجل القضاء على الفكرة والمبدأ، وإطفاء الجذوة والتخلص من النموذج الذي يزلزل عروش الظلم والطغيان…
هنا تظهر الوجوه الحقيقية وتطفو إلى السطح عفونات الغطرسة والتآمر وتتضاءل كل دعوى الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان…

وهذه الحقيقة ليست هذه أول مشاهدها فقد سبقت بمشاهد تؤكدها وتوثقها يذكرها التاريخ القديم والحديث والمعاصر…

ولكن الذي لفت نظري هو أنه رغم كل تلك الجهود المبذولة هنا وهناك للإهانة والإذلال والتشويه، تبددت فورما خرجت الروح من سجنها وانطلقت في علياءها في سماء العزة والكرامة الحقيقية التي تقصم ظهر كل إهانة وتحطم قيد كل إذلال، صارخة (ولله العزة ولرسوله وللمومنين) ماطرة بغيوث تلك العزة على سماء هذا العالم الفسيح، مؤكدة لها في تعاطف أحرار العالم من خلال صلوات الغائب والدعوات والمدائح والثناءات، من أناس لم يصلهم من ذلك المدعو له مصلحة أو خير خاص، إنه مهرجان العزة الرباني الذي تعجز قوى الأرض أن تمنعه أو تطلب منه الترخيص أو أن يطلب منها الاستئذان..

وفي المقابل نرى وجوها قد عهدناها مكرمة معززة في دنيا الناس بمواكبها وسيول الثناء التي صيغت ونظمت حامدة مسبحة بأمرها بشتى ألوان ذلك، وبجميع الأساليب المؤكدة لذلك، تمدح في قيامها وقعودها واضطجاعها وفي كل حركاتها وسكناتها، لا ترى إلا تصفيقا وانحناء وتلويحا، ولا تسمع إلا غزلا ومديحا، جحافل عن اليمين وعن الشمال، والصور والتماثيل في كل مكان، حتى إنك لتتعجب لهذا الحب ولأسبابه ودواعيه ودوافعه…

أما ترسانة الإعلام المعدة لذلك فلا تسأل عن تدابير عملها، وأما المجتمع الدولي فلا تسأل عن رسائل التزكية والتنويه التي يرسلها ويدلي بها…

وفجأة عندما يطفح كيل الشعوب المقهورة المسحوقة التي أصبحت لا ترى فرقا بين سحق الحقوق وسحق الأبدان، فتخرج ثائرة معلنة غضبها واحتجاجها فتمتلئ الميادين والشوارع، تلك الميادين التي كانت تزين له وتزدهر بمقدمه، تلك الشوارع التي كانت تمتلئ بالهاتفين والملوحين والمادحين، بين عشية وضحاها قد غدت ملئى بنفس تلك الوجوه ولكنها هذه المرة محتجة لاعنة شاتمة غاضبة، قد زال سوط المدح وتبددت بهرجات ذلك العز المختلق المصنوع، فتنطفئ أضواؤه وتزال شعاراته وتمحى كلماته، وتذبل وروده وتمزق صوره، حينما يفر شيطانه متبرئا منه ومن عمله واستبداده وفساده الذي كان يسوغه له ويشير عليه به، باحثا عن خطوة أخرى من خطواته…
فيظهر ذلك الذي كان عزيزا مسلسلا في قيود وإن كانت في غالبها مجرد خداع ومكر من مقيده، ولكنها صورة تبين أن ذلك العز وذلك الثناء وتلك المدائح مجرد فقاعات صنعت وسياط أسلطت، وأوهام دوخت عقول شعوب سرعان ما تستفيق على واقعها المر..
فتظهر الصورة الحقيقية معلنة أنه من يهن الله فما له من مكرم..

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".