وبمعافاتك من عقوبتك..

سفيان أبوزيد

لماذا جاء هذا العوذ بعد العوذ بالرضى من السخط؟
لماذا هذه المقابلة بين المعافاة والعقوبة؟
ما تجليات هذه المعافاة؟

بعد أن احتميت برضاك غاية وسببا، احتملت ظهور الغاية لا وجودها، فهناك فرق بين الوجود الحقيقي والظهور الذي قد يكون وهميا، فكل وجود يقتضي الظهور ويحتمله وليس كل ظهور يقتضي الوجود، وكذلك احتملت عجز السبب وضعفه وقصوره عن بلوغ الرضى، أو عن استئهاله أن يكون معاذا وحماية أحتمي بها من سخطك..

كذلك بعد أن عذت من سخطك غاية وسببا، احتملت ظهور قصد الابتعاد عن سخطك لا وجود ذلك القصد، وكما سبق هناك فرق بين الوجود والظهور، فقد يظهر لك الماء وما هو إلا سراب، واحتملت أن يكون احتياطي من مسخوطاتك ليس ذاك الاحتياط وامتناعي ليس ذاك الامتناع، وفقهي لمفاسد ذلك ليس ذلك الفقه، وما احتميت به من المرضيات ليس بتلك الحماية القوية التي تحميني من المسخوطات..
التجأت إلى استعاذة أخرى هي ادنى من الاستعاذة الأولى، أو هي من جانب آخر من جوانب العوذ، لأن المستعاذ همه أن يعاذ ويحمى ويحفظ ويصان مما يستعاذ منه، فبعد أن قصدت باب الرضى والسخط، التجأت إلى باب المعافاة والعقوبة..

فالاستعاذة الأولى فيها ظهور واضح جلي لحق الله تعالى، وهو أعلى رتبة، ومصلحته أرفع قيمة، لكن ما دام أنني قد لا أدرك ذلك لقلة عدتي وضعف إعدادي، ألتجئ إلى باب آخر فيه ما فيه من الاعتراف بالاقتراف والافتقار إلى الاغتراف:

فأعوذ بمعافاتك: والمعافاة من العفو والعفو ترك وطلب، في آن واحد… كيف ذلك؟

فالترك يتجلى هنا في معنى الدفع، فأعترف وأقول: يا رب إن كانت عدتي لا تقوى على جلب رضاك، وإن كان حزمي لا يقدرك على دفع سخطك، فادفع عني ذلك وعافني بعفو من عندك دون مؤاخذة أو لوم، او محاسبة، فإنني احتمي بدفاعك وابرؤ من حولي وقوتي وعدتي وعملي وأوهام استحقاقي، فأفر إليك مستسلما رافعا راية الإذعان وشهادة الإيمان…

والطلب يتجلى في معنى الرجاء والأمل في فضلك ومعروفك وجودك وحلمك ولطفك وكرمك ورحمتك التي وسعت كل شيء، فأنا مخلوقك وعبدك، فلا تردني خائبا ولا مخزيا، فإن ظهر اعتبار لأسباب الرضى في الاستعاذة الأولى، فقد أتيت ما أستطيعه مشوبا بغفلاتي وجهلي وتقصيري ووهمي وتعمدي، فلما تذكرت هذه العلل، ضربت على ذلك صفحا، والتجأت إلى معافاتك، التي لا حماية فوقها ولا أمن دونها..

من عقوبتك: وهي المعاملة بالعدل والمحاسبة، ففيها معنى التعقب والتتبع والمقارنة والمساومة والمقايضة، فعدتي لا تقوى على عدلك، والاعتداد بعملي لا يقف أمام محاسبتك، وحمدي وشكري لا يرتقي مقام فضلك وجلالك وجمالك، لذلك تبرأت من كل ذلك سابقا ولاحقا، وعذت بمعافاتك من عقوبتك..

وفي هذه الاستعاذة الثانية اعتبار لحق العبد، الذي يرجو ثواب الله وفضله ويخشى عقابه ونقمته، وفيه اعتبار لبشريته التي يعتريها العجز والتقصير والجهل والوهم..

وفي مقابلة السخط بالرضى تركيز على معنى الربوبية وتفعيل لها، فالرب والمربي يرجى رضاه ببره والسعي في مرضاته، ويعاذ من سخطه بدرئه والابتعاد عن حماه..

وفي مقابلة العقوبة بالمعافاة تركيز على معنى العبودية والألوهية والحاكمية، فكأن العبد في محكمة الله تعالى يرجو ويلتمس من تلك المحكمة الإلهية بعد أن أدين، العفو والمعافاة درأ للعقوبة والمؤاخذة..

وفي مجيء المعافاة والعقوبة بعد الرضى والسخط اعتباران:

باعتبار قصد الرضى والسخط وحقيقتهما فتكون الاستعاذة الأولى ارجى وأقرب، فمن رضي الله عنه وعن عمله وحاله فقد فاز، فيحتمي بذلك الرضى اليقيني المفعول من سخطه وغضبه..

وباعتبار سبب الرضى والسخط فتكون الاستعاذة الثانية أرجى وأقرب، لأنني لما فقد الأمل في عملي وعدتي وما اتوسل به إلى جلب رضى الله عزوجل فأتقي به سخطه ومقته، التجأت إلى عفوه ومعافاته وفضله وإحسانه، لأحتمي بها من عقوبته التي لا أطيقها.

وبين الاستعاذتين مشاكلة فالمعافاة مقتضى الرضى، والعقوبة مقتضى السخط ..

وهنا نستحضر سيد الاستغفارات ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)

والحمد لله رب العالمين
والله أعلم
( وبك منك ) في حلقة قادمة إن شاء الله

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،