واشنطن بوست: الحياة الصعبة لفلسطيني اسمه عبد الحليم الأشقر…عيد في الطائرة وعودة لمواجهة القضاء

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا عن محاولة ترحيل ناشط فلسطيني من أمريكا والتي قالت إنها كشفت عن ملحمة متشابكة قانونيا. وفي التقرير الذي أعدته كارين دي يانغ قالت فيه إن الفلسطيني عبد الحليم الأشقر طلب من مسؤولي الهجرة تغيير موعد زيارة إلى مكتبهم وتحديد موعد جديد نظرا لأنه يتعافى من عملية جراحية في ركبته ولأن موعد الزيارة يتزامن مع احتفالات عيد الفطر، ورفض طلبه.
وقال مسؤول في إدارة الهجرة والجمارك في فيرفاكس في رسالة إلكترونية لمحامي الأشقر باتريك توريل “نفهم أن هذا هو اليوم الأخير من رمضان” ولكن الأشقر “سينتهي من المعاملة ويخرج سريعا”. وكانت الوكالة بحاجة إلى أوراق إضافية لتأجيل طلب ترحيله الذي مضى عليه 16 عاما وينتظر الاستئناف.
وعندما اتصلت زوجته القلقة بالمحامي توريل قائلة إن الأشقر، 60 عاما قيد في مكتب وكالة الهجرة والجمارك أخبر ضابط آخر إن التقييد هو أمر عادي لنقله إلى مكان أكثر أمنا في المكتب لإكمال العملية وسيعود الأشقر إلى بيته في نورث فيرجينيا بدون تأخير. وتم تقديم نفس التطمينات بعد ساعات لكن الأشقر ذهب.
فبعد اقتياده بعيدا عن زوجته وابنه نقل إلى باب آخر وأخذه مسؤولون في إدارة الهجرة إلى مطار مانساس الإقليمي. وكان مقيدا في يديه ورجليه ويعاني من الألم حسبما قال لاحقا حيث أقتيد إلى سلم طائرة صغيرة أقلعت على التو متوجهة إلى إسرائيل حيث هبطت بعد 11 ساعة في تل أبيب. ولم يكن الأشقر الشخص الذي تم خداعه أو خداعها على يد عملاء الهجرة أثناء زيارة مقررة “للفحص” أو “لموعد محاكمة”، فقد زادت حالات الاعتقال المفاجئ في ظل الرئيس دونالد ترامب ويتعرض مسؤولو الهجرة لضغوط شديدة لزيادة عدد الأشخاص المرحلين.
ولكن قصة الأشقر غير عادية من نواح عدة. ومنها الرابطة بين حالة الأشقر والسياسة المتقلبة في الشرق الأوسط. فاتهام طويل مضى عليه سنوات بالإنتماء لمنظمة إرهابية برئ منه ورغبة وكالة الهجرة ألا تدخر أي مبلغ للتخلص منه بعد 20 عاما لأنه تجاوز المدة المسموحة له بتأشيرة الدراسة في الثمانينات من القرن الماضي. وحالته نادرة أيضا لأن وكالة الهجرة جلبته مرة ثانية من إسرائيل وأودعته مركز اعتقال.

القاضي منع وكالة الهجرة من تسليم الأشقر إلى “كيان أو شخص له ارتباط بالحكومة الإسرائيلية”.

وبعد عشرة أيام من التقارير في الولايات المتحدة وإسرائيل ووسط المرافعات القانونية وافقت السلطات الإفراج عنه أثناء الإستماع لإجراءات ترحيله. وجاءت الخطوة الأولى لهذه النتيجة في الرابع من حزيران (يونيو) 2019 وهو يوم ترحيل الأشقر وبعد دعوة متأخرة للاستئناف طالب بها محامو الأشقر . قال القاضي تي أس إليس من محكمة المنطقة في شرقي فيرجينيا أن لا صلاحية له على تصرفات وكالة الهجرة والجمارك ولا يستطيع منعها من القيام بعمليات ترحيل لكن القاضي منع وكالة الهجرة من تسليم الأشقر إلى “كيان أو شخص له ارتباط بالحكومة الإسرائيلية”. وعلم مسؤولو الهجرة الذين يرافقون الأشقر بقرار القاضي عندما هبطت الطائرة بمطار تل أبيب في صباح 5 حزيران (يونيو). وجلسوا مع راكبهم الوحيد في مدرج المطار لمدة 28 ساعة يتابعون الأفلام ويناقشون خياراتهم. وقال موظفو الهجرة أن المتحدث باسم وكالتهم أكد الإلتزام بقرار القاضي إليس ولهذا تحركت الطائرة عائدة إلى الولايات المتحدة وبدون الدخول إلى إسرائيل. وعند وصوله نقل الأشقر الذي ظل مقيدا طوال الوقت إلى مركز احتجاز كارولين في باولينغ غرين، فيرجينيا، حيث طالب محاموه بعدم ترحيله لإسرائيل حيث يخشى من التعذيب والسجن. ورغم أن ترحيل الأشقر مبني على تجاوزه شروط الإقامة إلا أن مسؤولا في إدارة ترامب قال بدون الكشف عن هويته إن هناك قلق من علاقته مع حماس في غزة والتي تعتبرها إسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما ينفيه الأشقر. وفي الوقت نفسه لم يكشف المسؤول مظاهر القلق هذه. وأضاف المسؤول أن الإدارة تريد إرسال رسالة مفادها أن لا أحد يستطيع “استخدام النظام” لعرقلة عمليات الترحيل. ورغم مخاوف الاشقر من تعرضه للسجن والتعذيب حالة ترحيله إلى إسرائيل خاصة أنه عانى منه عندما اعتقل في شبابه بعد مشاركته في التظاهرات، إلا أن مسؤولا طلب الكشف عن هويته قال إن الأشقر ليس متهما ولا يوجد اهتمام حتى بالتحقيق معه، في محاولة على ما يبدو لإظهار أن قضية الأشقر هي شأن داخلي أمريكي. بل تقدم إسرائيل خدمة للسلطات الأمريكية لموافقتها في آب (أغسطس) على السماح له بالمرور عبر أراضيها إلى الضفة الغربية. ويعتقد الأشقر أنه سيكون عرضة للخطر في الضفة الغربية لانتقاده المسؤولين فيها. وواحدة من المشاكل التي تواجه عملية ترحيل أشخاص مثل الأشقر هي انه مثل بقية الفلسطينيين بلا دولة. وعندما ولد في الضفة الغربية كانت جزءا من الأردن. واحتلتها إسرائيل عام 1967 فيما تخلى الأردن عن علاقته القانونية معها عام 1988 بما في ذلك منح الجوازات. وجاء الأشقر إلى الولايات المتحدة عام 1989 للدراسة بمنحة من مؤسسة فولبرايت وظل في الولايات المتحدة بعد انتهائها. وفي عام 1998 سجن لفترة قصيرة لعدم احترامه القانون المدني، ولرفضه الشهادة أمام هيئة محلفين فدرالية في نيويورك كانت تريد أدلة ضد فلسطينيين. وعندما رفضت طلب اللجوء الذي تقدم به عام 2003 أمر قاض بترحيله. ووافق الأردن على ترحيله إلى أراضيه رغم رفضه تجديد جوازه. وكان يتوقع الرحيل سريعا والعمل كمحاضر في جامعة بالإمارات العربية المتحدة وتخلى عن حقه بجلسة استماع والرحيل من البلد طوعا. وأعطاه القاضي 60 يوما لتخليص أموره. وبعد أيام من قرار القاضي وصله أمر بالحضور إلى محكمة الجنوبية في إلينويز حيث كانت تحقق مع عدد من الفلسطينيين بتهم تقديم دعم لمنظمات مرتبطة بالإرهاب ومنها حماس، ورفض الأشقر الشهادة. وفي شهادة مشفوعة بالقسم قال فيها “لم يسألوني عن حماس” بل “سألوني عن عدة أشخاص لهم علاقة بالقضية الفلسطينية بمن فيهم عدد من الأئمة” و”عدد من المنظمات المؤيدة للفلسطينيين. واعتقدت أن الجواب على هذه الأسئلة سيكون خرقا لديني ومعتقداتي السياسية والشخصية”. واعتقد أن إسرائيل ستستخدم شهادته “لمحاكمتي وتعذيبي” و “ستستخدم ضد أصدقائي وأقاربي”. ووجهت له تهمة احتقار المحكمة وأضيف إليها تهمة “التآمر” مع الأشخاص الذين يتم التحقيق معهم. وفي مكالمة معه من السجن قال إن الادلة ضده تعود إلى سنوات التسعينات من القرن الماضي ولها علاقة بتحويل أموال لجامعة غزة. وظل تحت الإقامة الجبرية حتى محاكمته عام 2006 والتي شملت شهادة من عملاء إسرائيليين في جلسة مغلقة. وفي عام 2007 برئت ساحته والمتهمين الآخرين لكن تهمة احتقار المحكمة قبل أربعة أعوام من المحاكمة ظلت. وحكم عليه لأكثر من 11 عاما وعندما خرج في حزيران (يونيو) 2017 نقلت عهدته إلى وكالة الهجرة. ولم يعد هناك عمل ينتظره في الإمارات ويرفض الأردن استقبال فلسطينيين يرحلون من بلد آخر. وأنهى الأردن في عام 2018 اتفاقه لاستقبال فلسطينيين يرحلون من الولايات المتحدة. وبعد 18 شهرا أفرج عنه في كانون الأول (ديسمبر) في الوقت الذي تبحث فيه الحكومة الأمريكية ومحاموه عن بلد يقبله وعائلته.
وفي يوم 4 حزيران (يونيو) ذهب الأشقر وزوجته وابنه إلى فيرفاكس للموعد وارتدوا ملابس العيد والذهاب إلى المسجد للإحتفال ولأول مرة معا منذ أكثر من عقد. وأخذوا صورة سيلفي بدوا فيها فرحين.

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.