هل يستحق جمال عبد الناصر لقب “زعيم” في التاريخ؟

هل يستحق جمال عبد الناصر لقب “زعيم” في التاريخ؟

شامل محمد في باحث التاريخ

هل يستحق جمال عبد الناصر، قائد حركة أو انقلاب يوليو/تموز 1952، لقب “زعيم” في التاريخ كما يحلو لمريديه أن يلقبوه؟

سأذكر لك -عزيزي القارئ- بعض أعمال الزعيم طيلة سنوات حكمه وأترك لك الحكم في النهاية إذا كان يستحق لقب “زعيم” أم لا.

عن مصر في فترة حكم جمال عبد الناصر، يقول الدكتور مصطفى محمود (رحمه الله): “كان هذا العصر هو عصر انسحاق الأحلام الكبرى، استتبع بالضرورة حالة موات شامل على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والفكرية والأخلاقية والروحية، كان عصر الانهيارات الكبرى والموت المؤجَّل، وكانت آثاره على الضمير المصري والعربي أفدح مما يتصور أعتى المتشائمين. سيشهد التاريخ أن عبد الناصر تسلَّم مصر وهي اسمها مملكة مصر والسودان ويقع قطاع غزة تحت إدارتها… وسلمها لمن بعده من غير السودان ومن غير غزة ومن غير ثلث مصر (سيناء)!

كان يحارب في الكونغو واليمن ويرفع رايات القومية والاشتراكية في كل مكان من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، وكان يهتف مخاطِباً كل مواطن مصري: ارفع رأسك يا أخي.

ولكن المواطن المسكين والمخدوع لم يكن ليستطيع أن يرفع رأسه من طفح المجاري ومن كرباج المخابرات ومن خوف المعتقلات ومن سيف الرقابة ومن عيون المباحث، وساد مناخ لا يزدهر فيه إلا كل منافق، وأصبح الشعار هو الطاعة والولاء قبل العلم والكفاءة، وتدهورت القيم، وهبط الإنتاج وارتفع صوت الغوغاء على كل شيء.

وعاش عبد الناصر 20 عاماً في ضجة إعلامية فارغة ومشاريع دعائية واشتراكية خائبة، ثم أفاق على هزيمة تقصم الظهر وعلى انهيار اقتصادي وعلى آلاف القتلى تحت رمال سيناء وعتاد عسكري تحول إلى خردة، وضاع البلد وضاع المواطن!”.

(د.مصطفى محمود.. من كتاب “الإسلام السياسي والمعركة القادمة”).

وعلى مستوى الوحدة العربية التي كان يتغنى بها إعلامه وصحفيو حقبته أمثال هيكل.. أين هي هذه الوحدة المزعومة؟! حتى التجربة الوحيدة للوحدة في عهده (وحدة سوريا ومصر واليمن) ما لبثت أن تصبح واقعاً، حتى انهارت وأصبحت هباءً تذروه الرياح.

ومقولة الثورة التي ألهبت بها جموع أهل مصر “ارفع رأسك فقد ولى عهد الاستعمار”.. أين الرؤوس التي ارتفعت؟! لقد ارتفعت الرؤوس، نعم.. ولكن ليسهل ذبحها! إذ لم تقل لناصر وزبانيته: “آمين”.

ومقولة الزعيم عبد الناصر “رمي الكيان الإسرائيلي ومَن وراءه في البحر”.. نتساءل في براءة: ما الانتصار الوحيد الذي حققه الزعيم في تاريخه العسكري؟

في عام 1956، انهزمت مصر عسكرياً شرَّ هزيمة، ولولا الإنذار الأميركي-السوفييتي بانسحاب القوات المعتدية، لتم احتلال مصر وتدميرها، وانسحبت إسرائيل بعد أن أخذت مكسباً وهو حق المرور في خليج العقبة، وضحك إعلام عبد الناصر على الشعب بادِّعاء أنه قد انتصر، والحقيقة خلاف هذا تماماً.

جمال عبد الناصر ادَّعى بطولته بتأميم قناة السويس وتسبب في حرب دمرت مدن القناة بالكامل، ثم دفع أسهم القناة كاملةً في بورصة لندن من مال الشعب.

في عام 1967، كانت كارثة الكوارث؛ حيث تسبب جمال عبد الناصر في مقتل ما لا يقل عن 100 ألف شاب مصري في رمال سيناء ثم حمَّلها لشريكه في المسؤولية عبد الحكيم عامر، هذا في الوقت الذي كان فيه إعلامه يدّعي أن الجيش المصري على بُعد خطوات من تل أبيب!

وعلى المستوى الاقتصادى، أين بصماته؟ بل أين إنجازاته؟ لقد تسلَّم أرض الكنانة والجنيه المصري يعادل 8 جنيهات إسترلينية، والقطن المصري طويل التيلة الذي كان يُعرف في السوق العالمية بالذهب الأبيض، والطمي الذي أضاعه خلف السد العالي والذي كان يسهم في جودة وزيادة الإنتاج الزراعي، الذي كان يعد من المصادر الحيوية لبناء الاقتصاد المصري، السد العالي الذي كان من المفترض بناؤه خلف منخفض القطارة كما أثبتت الأبحاث العلمية في هذا الشأن.

ومن أراد زيادة، فليرجع إلى كتاب “مصر قبل عبد الناصر” للمؤرخ عبد العظيم رمضان، وبعض الكتب والدراسات عن مصر عبر العصور؛ ليتلمس المرء بشكل مفصل كيف أنهى جمالُ مصرَ

وعلى المستوى السياسي، حدِّث ولا حرج وابكِ، وإن لم تستطع فتباكَ! فهو الزعيم الأول في التاريخ الذي أقصى كل المعارضين السياسيين له، وأول من استعان بآلات القتل والتعذيب في السجون، وأول من دمَّر الحياة السياسية برُمتها، بأن أصّل للحاكم الواحد الملهَم الذي يفتي في كل شيء والذي يملك الحكمة ومجامع الكلم.

لقد استبدل الحركات السياسية المصرية بالاتحاد الاشتراكي، وقام بتصفية المعارضين له بالقول أو الفعل أو حتى بالإيماءة، في غياهب السجون الحربية، التي قاد إدارة التعذيب فيها صلاح نصر وشمس بدران، ومذكرات وخطب إمام الخطباء ومفوَّه عصره الشيخ عبد الحميد كشك -رحمة الله عليه- تحكي هذا.

وإذا كنا نقيس العمل السياسي بشكل براغماتي، أي بالمكسب والخسارة، فستكون النتيجة جد مفزعة وتُدمي القلب وتفوق التصور العقلي؛ عندما تعلم أنه جاء على لسان بعض الضباط الأحرار أن (الزعيم) جمال عبد الناصر عندما خُيِّر بين حكم اللواء محمد نجيب على أن تظل السودان تحت حكم مصر وأن تَؤول السلطة إلى الأول وينفصل السودان عن مصر.. وباقي الرواية منسوج ومنقوش، في مذكرات عبد اللطيف بغدادي، ومراد غالب لمن أراد الاطلاع.

والمشهد كما نعلم، أن اختار (الزعيم) عبد الناصر الحكم والقبول بانفصال السودان عن مصر، والذي أدى بدوره إلى انفصال جنوب السودان، ونعلم كيف نكَّل باللواء محمد نجيب وفرض عليه الحراسة والإقامة الجبرية، وجرَّده من أي مَعلم يوحي له بالوجود.

الزعيم حلَّ مجلس نقابة المحامين عام 1954، بعد أن اجتمعت جمعيتها العمومية في 26 مارس/آذار 1954، وطالبت الجيش بأن يعود لثكناته، فأقدم الزعيم على سابقة (تنضم إلى كومة سوابقه)، بحلِّ مجلس النقابة، وعزل النقيب عبد الفتاح الشلقاني.

الزعيم ناصر هو الذي ابتدع نسبة 99.999% موافقون على أي استفتاء أو انتخابات تتم بشكل صوري، تسلَّم مصر وحدودها في الجنوب تضرب عند إثيوبيا، وحدودها الشرقية نهاية حدود قطاع غزة، فتركها دون السودان، ودون غزة، ودون سيناء، والعدو الإسرائيلي على بُعد 50 دقيقة من القاهرة!

ترك مصر بعدما أسس لحكم عسكري مستبد غاشم، مزَّق الوطن فتركه أشلاء، وترك جيشاً مدمَّراً، وشعباً خانعاً خائفاً.

والآن -عزيزي القارئ- هل ترى أن جمال عبد الناصر يستحق لقب “زعيم”؟!

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.