هل تعرف معنى كلمة عرب وما هو مصدرها ؟

عرب
هل فكَّرت يومًا ما أصل كلمة عرب وماذا كان يُقصد بها؟
يهتمُّ الباحثون والمُهتمُّون بالتاريخ بإيجاد تأصيل لكلمة عرب ومعرفة ما معناها، وفي حقيقة الأمر اختلف علماء اللغة في تفسيرات معنى الكلمة، كما لم يتفقوا على مصدر اشتقاقها، وهناك تفسيرات لغوية وبحثية كثيرة حول هذا الموضوع، حيث يُمكننا الحصول عليه من الكتب السماوية كالتوراة والقرآن مثلًا، ويُمكننا الحصول عليه كذلك من الحضارات القديمة.

الكتب السماوية ومعنى كلمة عرب
أما بالنسبة للكتب السماوية فإن التوراة قد رأت أن معنى كلمة عرب هو البداوة والعيش البادية بما تحتويه من جفاف وفقر، وإن التوراة أيضًا تنسف فكرة القومية العربية أو العرب المتحضرين، حيث عنت فقط كما أوضحنا سابقًا أن معنى كلمة عرب هو الحياة في البادية بمخاطرها وعوزها، وهذا بحسب ما ورد في سفر أشعياء “وحي من جهة بلاد العرب في الوعر تبيتين يا قوافل الددانين. وما ورد في أي من سفر أشعياء”، “ولا يخيم هناك أعرابي”.

وبالنسبة للتوراة أيضًا فبحسبها فإن كلمة عرب كانت مُوازية لكلمة إشماعيليين، والتي تنسب الناس لسيدنا إسماعيل – عليه السلام – وظهر توازي هاتين الكلمتين من أن الإسماعيليين أيضًا كانوا عبارة عن قبائل تتنقل بحثًا عن الكلأ والماء، ولكن بقوة الأعراب وامتدادهم ونصرتهم على الإشماعيليين طغوا عليهم وانتهت لفظة وظاهرة الإشماعيليين وبقيت لفظة العرب أو الأعراب وأصبح يقال إنهم أبناء لسيدنا إسماعيل وللإسماعيليين.

وفي سفر إرميا جاءت الآية “كل ملوك العرب”، فالعرب هنا تقصد بها البادية ولم يكن مُرادًا هنا معنى الدولة العربية الموحدة أو حتى المفرقة ذات الأنظمة لأن ذلك لم يكن موجودًا وقتها، وكان المعنى قاصرًا على سادات القبائل التي من شأنها إصدار الأوامر أو التي يتم الاحتكام إليها في القبيلة. ويؤكد هذا المعنى ما ورد في تشبيه “جلست لهم كأعرابي في البرية” تدل على حياة العرب في الصحراء فكما يتضح من سفري أشعياء وإرميا أن المعنى المقصود بالكلمة هو البدوي والبادية فقط.

القرآن ومعنى كلمة عرب
أما القرآن بتعريفه لكلمة عرب فقد شمل تعريف التوراة وأضاف عليه. شمله من حيث إن عددًا كبيرًا من آيات القرآن الكريم عرفت العرب كأعراب أي سكان للبادية وانتقدت فيهم أيضًا بعض الصفات السيئة بحكم عيشهم في البادية وطبيعتها الجافة والصعبة، وأما بالنسبة لإضافة القرآن لهذا التعريف فقد أضاف بمفرده معنى جديدًا ينظر لكلمة عرب باعتبارها مخصصة لكل العرب المتحدثين بالعربية، سواء كانوا من ساكني الحضر وكذلك البادية.

لدينا هنا أيضًا الحضارة اليونانية، وبالنسبة لليونانيين فلم يتعاملوا مع العرب على أنهم البدو أو أهل البادية، بل تعاملوا معهم على أن كل شخص يسكن المنطقة العربية أو بادية العرب بتعريفهم لها فهو شخص عربي حتى ولو اختلفت اللغة والطريقة التي يتحدث بها أيضًا، وهو ما نُطلق عليه نحن اللهجة، واهتم بالحديث عن العرب كثير من اليونانيين مثل “أسكيلوس، وأسخيلوس”، حيث تم ذكر العرب في المصادر التاريخية القديمة عند مشايخ التاريخ اليوناني، والغريب أن هيرودوت من أعلام التدوين التاريخي ضم الأراضي المصرية كسيناء والمناطق التي يصب فيها النيل بمصر إلى بلاد العرب بخلاف السائد من حيث كون العرب مقتصرين على منطقة شبه الجزيرة.

وكان لهيردوت تعليق على ذلك بتطور الحياة في مصر بعد أن زارها وقال باختلاف مصر عن مناطق شبه الجزيرة العربية اختلافًا جذريًا، وذلك بسبب ما في مصر من تقدم وحضارة تفوق وتتجاوز بلدان العرب بكثير، ولكن تبقى إشارة هيردوت تجديدًا لما هو سائد بأن بلاد العرب مقتصرة على البادية فقط وحقيقة الأمر خلاف ذلك فهي تضم الأراضي الصحراوية النائية، وكذلك الأراضي الحضرية مثل طور سينين، ولكن بقي انطباعهم عن العرب واحدًا بحيث لا فارق بين البدوي وبين من يعيش في بلاد الحضر والتحضر.

الحضارات الشرقية
نأتي الآن لمعنى كلمة عرب بالنسبة للحضارات الشرقية القديمة باختلافها كالبابلية والآشورية على سبيل المثال، فبالرجوع للحضارة الآشورية سنجد أنها هي المُحتوية على أقدم لفظ لكلمة عرب ورد في أحد نصوصها القديمة في عصر الملك شلمنصر، وهناك خلاف ما إذا كان شلمنصر الثاني أم الثالث، ولكن الأكيد أنه أحد ملوك آشور. ولم يكن يقصد بكلمة “عرب” العرب أنفسهم أي الأشخاص، ولكن كان يقصد بها الحكم، الإمارة أو المشيخة التي لها السيادة.

تبعًا لوصف الآشوريين ومعنى كلمة عرب لديهم فإن الحكم لقبيلة مجاورة لهم والإمارة عليها هو ما يعني كلمة عرب، وكان هذا الحكم متأثرًا بالظروف المحيطة وقوة شخصية الحاكم، ولم يمنع هذا الحاكم أو الأمير من إطلاق لقب ملك على نفسه محتفظًا أيضًا بلقب جنديبو، أي جندب الذي ليس علمًا، بل يقصد به الحاكم. ولكن هل يوجد لدينا ما يؤكد حقيقة وجود لفظ عرب في الحضارة الآشورية القديمة؟

نعم، يوجد بنظرنا إلى أن كلمة “عرب” حتى لو اختلفنا على طريقة نطقها كانت موجودة ومنحوتة على الجدران والألواح في الحضارة الآشورية. هذا، وقد تولد الاختلاف على النطق كنتيجة طبيعية لأن الكتابة الآشورية لم تكن محركة، فالبعض قرأ الكلمة ك Arabi, Arbi أو Arab يجدر الإشارة هنا إلى العلاقة السيئة ما بين الآشوريين وهؤلاء الأشخاص الذين يطلقون عليهم لفظة عرب.

أما بالنسبة للحضارة البابلية فإن معنى كلمة عرب تعني أهل البادية هذا بحسب بعض الكتابات البابلية التي وُجدت فيها كلمة Matu Araabaai والتي تعني أرض العرب أو الأرض العربية، لأن ماتو تعني المساحة الشاسعة التي يعيش عليها مجموعة من السكان وهو التعريف الخاص بكلمة الأرض عندهم وأرابيا أو عرباية تعني العرب.

ولدينا أيضًا الحضارة الآرامية التي تشابهت وتشابكت في تعريفها لمعنى كلمة عرب مع الحضارتين البابلية والآشورية، حيث إنها عرفتهم كسكان للبادية، أي ما يسمى البدو، ونفت عنهم صفة الحضر بحيث يعيشون في المناطق الغربية التي تشملهم من الفرات بالعراق وحتى الجبهات والحدود السورية أو الشام قديمًا، فكل الحضارات عبرت عن عيشهم في خطر وعوز وفقر كما ذكرنا في اعتقاد اليهود في بداية البحث نظرًا لوجود ما يدل على ذلك في التلمود.

وفي كثير من المصادر الحضرية كان هناك وجود للفظة عرب، ولكن بأشكال كتابية مختلفة ومتعددة بحيث كتبت مرة “وبجندا دعرب”، وتم تأويلها على أن المقصود بها الجند العرب، أي المقاتل العربي، وفي أحد الأسطر كُتب أيضًا “وبحطر عرب”، وكما نرى أن كلمة عرب هنا وردت صريحة دون تأويل، ولكن الخلاف كان حول “وبحطر” فما هو المقصود بها تحديدًا، وخلاصة الخلاف في هذا الأمر أن المُراد الغالب كان كلمة “حضر” وهو ما يتوافق مع التفسير اليوناني السابق ذكره بأن كلمة “العرب” ما كان يقصد بها المفهوم البدوي فحسب، وكانت تشمل مناطق الحضر التي تصل إلى الجبهات الشامية.

كما نرى أن الكلام في جميع الفقرات السابقة يتحدث عن الأراضي وطبيعتها واختلافها من كونها بدوية أو حضرية، ولم يأتِ ذكرًا حتى الآن إلى الأشخاص العربيين أنفسهم وربما يعود ذلك إلى أن كلمة الأعراب نفسها لم يكن يقصد بها النوع العربي في ذلك الوقت، هذا عن كتابات الحضر.

مناطق الشمال العربي
أما بالنسبة لكتابات مناطق الشمال العربي كما يفضل الدارسون للحضارات والمعارف الشرقية تسميتها فلم يكن هناك توجد للفظة العرب إلى في فقرة بسيطة من مخطوط قديم جاء ذكرها في مصدرها هكذا “مر القيس بر عمرو، ملك العربكلة، ذو استرالتج وملك الأسدين ونزروا وملوكهم وهرب مذحجو…”. وربما يقصد به امرؤ القيس بن عمرو بن عدي الملقب بالبدء والذي كان يحكم الحيرة، وهنا بدأت المسائل أوضح قليلًا، حيث تم اعتماد الأعراب كتسمية لمن يسكنون الصحراء، ولكن إلى الآن لم نتوصل إلى تعريف لكلمة العرب التي يتواتر ذكرها في المصادر القديمة بنفس المفهوم والمعنى الذي يتم تداوله اليوم للشخص العربي.

جنوب بلاد العرب
هذا عن مناطق الشمال، أما جنوب بلاد العرب فقد جاء ذكر للكلمة في مصادر عدة بنفس طريقة الكتابة المنتمية لتلك العصور الجاهلية، فمثلًا ما جاء ذكره كالآتي: “وأعرب ملك حضرموت” فعند قرأت ذلك يتكشف لنا أن الحديث عن الأعراب الذين ينتمون إلى الملك القابع لحاكم وسيد حضر موت، وكذلك ذُكر: “واعر ملك سبا”، وهنا كما نرى هنا اقتصاص للكلمة إما يرجع لطريقة الكتابة نفسها بحذف أواخر الكلمات أم أن الباء من أعراب قد مُحيت والغالب أنها مُحيت لأن كلمة “ملك” و”سبا” التي يُراد بها سبأ مذكورتان بتمام أحرفهما.

ولكن ما يجب التنويه إليه أننا لم نتوقف في كل ما يُذكر من نصوص إلى الآن ولم تُشر المصادر إلى أن المقصود بالعرب أو الأعراب الهوية العربية من نوع أو جنس أو قبائل، بل كلها مسميات للبادية، ما يأتي خلاف ذلك البلدان الحضارية في بلاد اليمن ففي كل المكاتبات والمصادر نجد وجود لممالك حمير أو سبأ وغيرهما من الممالك التي يتم الإشارة إليه صراحة دون خلاف وهذه الإشارات ربما تدل على أنهم بفصلهم للأعراب عن الممالك كسبأ وهمدان أو غير ذلك يدل على التباين بين طبيعة وهوية كل منهما وهذه الكتابات العربية الجنوبية ليست غابرة الأثر، بل إنها أقدم من ظهور الإسلام بسنين لا تكاد تتجاوز مئة عام، ومن المعروف أن التاريخ الإسلامي موثق وتتضح معلوماته فلا شك أن اللفظة المختلف عليها لم تكن متداولة عند الجنوبيين لقلة ورودها بالمصادر ولعل معرفتهم بكلمة الأعراب جاءت بعد اعتناق الإسلامية وفي الإسلام تم تسليط الضوء على الأعراب بصورة كبيرة كما هو وارد ومذكور في عديد من مواضع القرآن الكريم والتحدث باستفاضة عن الأعراب فبدأ الجنوبيون يعرفون اللفظة بشكل أوضح.

الخلاف في المصدر
لم يأت ذكر للفظة أعراب أو مشتقاتها في مصدر من المصادر يوضح الطائفة المقصودة بالكلمة دون خلاف سوى المعارف الإسلامية المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقال بعض المُستشرقين إن الهوية العربية لم يكن لها نفس الوجود إلا بمجيء القرآن الكريم، حيث تم إقرار الكلمة كتوثيق ونعت لكل العرب، وأما ما أتى من ورود لها في الأدبيات القديمة في وقت الجاهلية العربية فهي مُنتحلة ومنحولة ولا أصل لها وتمت إضافتها بعد التأثر والاختلاط بالثقافة الإسلامية الجديدة، سواء كان ذلك أشعارًا لشعراء مشهورين لهم معلقات كامرئ القيس أو أساليب نثرية من خطب وغيرها.

أضعف كثيرون هذا الرأي لكونه يفتقر إلى البينة، ولم يأت المستشرق ملر الذي ادَّعى ذلك ما ينقض به اشتهار اللفظة عند العرب قبل الإسلام واستخدامهم لها في معاني التفريق بين الهويات مثل العربية والأعجمية التي كانت تأتي كثيرًا على اللسان العربي وهو ما يتفق مع المعتقد الإسلامي فقد جاء في القرآن عدد كثير من الآيات التي ذكرت لفظي “عربي” و”أعجمي”.

العرب والبادية
ويُمكن إجمال ما ذكر في هذا البحث بأن معنى كلمة عرب هو البادية أو بشكل أدق العيش في البادية والحكم والإمارة فيها كما أسلفنا سابقًا بحسب أقدم المعاني لهذه الكلمة بالرجوع للحضارة الآشورية، وقد تشاركت معها كل الحضارات في هذا المعنى منها البابلية والأرمينية حتى إن الكتاب السماوي التوراة وافقها في هذا، ولعل هذا المعنى موجود إلى اليوم، فإلى اليوم نستخدم الكلمة في تقسيم القبائل المختلفة بين من يعيش في مناطق منعزلة صحراوية فنطلق عليهم عربًا مع أن حسب المعتقد القومي أننا جميعًا عرب سواء الحضر أو البدو، كما يظهر لنا أيضًا خلال هذا البحث عن معنى كلمة عرب أن زيادة الاحتكاك والتواصل مع الأقوام والعصور الأخرى تم نتيجة طبيعية في النظرة لكلمة عرب وتعريف هذه الكلمة، حيث أصبحت تُطلق على الحضر أيضًا من متحدثي اللغة العربية أو الحاملين لجنسيتها بجوار أهل البادية.

علاقة كلمة عرب بكلمة عبري
ويدل على هذه الفكرة ما يعتقده بعض علماء اللغة العربية أن كلمتي عربي وعبري تدلان على معنى واحد، وأنهما مشتقتان من الفعل الثلاثي عبر بمعنى قطع مرحلة من الطريق أو الوادي أو النهر, أو من عبر السبيل بمعنى شقها: وذلك لأن العرب والعبرانيين كانوا من الأمم البدوية التي لا تستقر في مكان، بل ترحل من منطقة إلى أخرى، وقد كان الرومان يطلقون اسم (Sarracenus) على البدو المُجاورين لبلادهم في الصحراء الممتدة غرب نهر الفرات، ولعله اشتق من لفظ (صحراء)، وقد شاع وانتشر هذا الاسم بعد ذلك في القرون الوسطى وأخذ الأوروبيون يُطلقون اسم سارَّازان Sarrasin على العرب ثم على مسلمي إسبانيا وإفريقيا.

عرب واهل البادية
وفي الجانب الآخر هناك من رأى أن كلمة (عرب) كانت تعني أهل البادية وهم الأعراب، أما الحضر فكانوا يُعرفون بأسماء أماكنهم أو قبائلهم والدليل على ذلك أن التوراة والكتابات البابلية والآشورية، بل والجاهلية أيضًا كانت إذا ذكرت الحضر ذكرتهم بأسماء مدنهم ولم تطلق عليهم اسم عرب, أما إذا ذكرت أهل البادية فتذكرهم باسم (عرب) أو (عربي)، فقد وصفت الكتابات الآشورية (جندب)، وهو رئيس قبيلة حارب الآشوريين بـ(جندب العرب). كما وصفت التوراة(جيشم) بـ(جيشم العربي) إشارة إلى أنه من الأعراب سكان البادية لا من الحضر سكان المدن.

وفي نهاية مقالنا نتمنَّى أن تكون المادة البحثية المذكورة قد نالت إعجابكم وقدَّمت إليكم معرفة جديدة، كما نودُّ أن نسأل بعض الأسئلة بناءً على ما تم ذكره في البحث، هل وجهة نظر المُستشرقين عن الكلمة وإدخالها لصالح القومية العربية يُعَدُّ أمرًا منطقيًّا أم لا؟ وهل يُمكنك أن تقبل برأي مصدر من مصادر الحضارات القديمة المذكورة أم أنك تكتفي بما تم وروده في القرآن الكريم؟ وهل لديكم قراءات مُسبقة حول موضوع التأصيل التاريخي لكلمة العرب أم لا؟

الموضوع يعبر عن رأي الكاتب وبالضرورة لا يعبر عن راي بحزاني نت

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.