هل تجاوزنا فعلا عصر كورونا؟

في بريطانيا، قال وزير النقل غرانت شابس الاثنين إن الدولة ستتخلى عن إلزام المسافرين الوافدين بملء استمارة تحديد مواقعهم ابتداء من يوم الجمعة، لتلغي بذلك آخر تدابير السفر المرتبطة بجائحة فيروس كورونا.

هل تجاوزنا فعلا عصر كورونا؟ ما تفسير إصرار الدول على رفع القيود والعودة للحياة الطبيعية رغم زيادة أعداد المصابين وتسجيل أرقام كبيرة في الفترة الماضية.

أعراض فيروس كورونا.. 33 علامة على الإصابة بالمرض
end of list
ضمن المعطيات الحالية، الجواب هو: لا. فنحن ما زلنا نعيش مع جائحة كوفيد-19. ومع أن العديد من دول العالم حققت نسبا عالية في التطعيم، فإن وطأة الفيروس على العالم تبدو مستمرة وأكثر مما نتخيل.

فقبل أيام، توصلت دراسة إلى أن جائحة كوفيد-19 أدت إلى وفاة أكثر من 18 مليون شخص في العالم بين بداية 2020 ونهاية 2021، في حصيلة أكبر بـ3 أضعاف من الأرقام الرسمية.

ونشرت الدراسة في مجلة “ذا لانسيت” (The Lancet)، ونقلتها وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال معدو الدراسة إن “الإحصاءات الرسمية حول وفيات كوفيد-19 لا تقدم سوى صورة جزئية عن العدد الحقيقي للوفيات” المرتبطة بالوباء في العالم. وكان كوفيد-19 على الأرجح أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في عامي 2020 و2021.

وتتحدث الأرقام الرسمية عن 5.94 ملايين وفاة في العالم بين الأول من يناير/كانون الثاني 2020 و31 ديسمبر/كانون الأول 2021. لكن دراسات عدة قالت إن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، وحاولت تقييم الحصيلة الإجمالية للوباء بشكل أفضل.

وتتطابق الزيادة في معدل الوفيات مع الفارق بين عدد الذين ماتوا بغض النظر عن سبب وفاتهم وعدد الوفيات المتوقعة بناء على البيانات السابقة.

بدء رفع قيود كورونا
بدأت البلدان في جميع أنحاء العالم رفع القيود التي فرضت لأول مرة عام 2020 لإبطاء انتشار كوفيد-19، بما في ذلك القواعد التي تحكم السفر والتواصل الاجتماعي وارتداء الأقنعة والعزلة الذاتية. أدت التغييرات إلى ردود فعل متباينة من العلماء.

ما تفسير إصرار الدول على رفع قيود كورونا والعودة للحياة الطبيعية؟
هناك عدة أسباب تدفع الدول إلى رفع القيود، وفق المعطيات المتوافرة، تشمل:

تحقيق هذه الدول نسبا عالية من التطعيم.
الدراسات التي أظهرت أن سلالة أوميكرون أقل حدة، وأقل تسببا في دخول المستشفى.
الضغط على السياسيين في العديد من الدول من قبل الشارع لتخفيف الإجراءات.
تسريع التعافي الاقتصادي من الجائحة.
مثلا، ألغت بولندا وسلوفاكيا وآيسلندا شرط ارتداء الأقنعة في الهواء الطلق والقواعد المخففة للتجمعات، وفقا لتقرير في موقع نيتشر (Nature).

وفي بريطانيا، قال وزير النقل غرانت شابس -يوم الاثنين- إن الدولة ستتخلى عن إلزام المسافرين الوافدين بملء استمارة تحديد مواقعهم ابتداء من يوم الجمعة، لتلغي بذلك آخر تدابير السفر المرتبطة بجائحة فيروس كورونا.

وقال شابس في تغريدة على تويتر “سيتم إيقاف جميع تدابير السفر المتبقية المرتبطة بكوفيد، بما في ذلك نموذج تحديد مكان الركاب وفحص جميع الوافدين إلى المملكة المتحدة اعتبارا من الساعة الرابعة صباحا (بتوقيت غرينتش) في 18 مارس/آذار”.

وأضاف “هذه التغييرات أصبحت ممكنة بسبب نسب تلقي اللقاحات لدينا، وتعني إتاحة مزيد من الحرية في الوقت المناسب قبل عيد القيامة”.

وألغت فرنسا الاثنين أغلب القيود التي فرضت لمكافحة كوفيد-19، بما يشمل إنهاء الإلزام باستخدام الكمامات في أغلب الأماكن العامة، والسماح لمن لم يتلقوا التطعيم بدخول الحانات والمطاعم ودور العرض السينمائي.

وتأتي الخطوة قبل أقل من شهر على الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وفي وقت عادت فيه أعداد الإصابة بالمرض للارتفاع مجددا، مما أثار تساؤلات بين بعض العلماء بشأن ما إذا كان رفع القيود قد جاء قبل الأوان.

ولم يعد إلزاميا وضع الكمامات في المدارس ومكاتب العمل والمتاجر، لكنها لا تزال إلزامية في المستشفيات ووسائل النقل العام.

واعتبارا من الاثنين، لم يعد الناس ملزمين بإظهار ما يثبت تلقيهم لقاحات الوقاية من كوفيد-19 لدخول الحانات والملاهي الليلية والمتاحف والملاعب الرياضية وقطارات المسافات الطويلة.

وكانت قاعدة وجوب إظهار ما يثبت تلقي اللقاح في تلك الأماكن في فرنسا قد تسببت في احتجاجات في الشوارع استمرت لأسابيع عند بداية فرضها.

ماذا يقول مؤيدو رفع قيود كورونا؟
يعتقد بعض الخبراء أن ارتفاع معدلات المناعة من التعافي والتطعيم في بعض الأماكن يعني أن العديد من التدخلات المصممة لإحباط انتشار كوفيد-19 أصبحت الآن موضع نقاش.

تقول موغ سافيك الباحثة في الأمراض المعدية وعلم الفيروسات الطبية في جامعة سانت أندروز بالمملكة المتحدة: “نحن في مكان مختلف الآن.. من الواضح الآن أننا لا نستطيع منع العدوى، لذلك يجب أن يكون التركيز على منع النتائج الخطيرة”.

هذه العالمة متفائلة بأن الناس لن “يجنّوا” بمجرد تخفيف القواعد المتعلقة بالأقنعة والتواصل الاجتماعي، بدلا من ذلك، سيكون هناك تحول تدريجي إلى الحياة الطبيعية.

يدعم جويل موسونغ عالم أوبئة الأمراض المعدية في مديرية الصحة في لوكسمبورغ، رفع القيود في بلده. يقول: “لقد رأينا بعض الوفيات، لكن لا شيء من هذا النوع الذي شهدناه في الشتاء الماضي، وحتى الربيع الماضي.. لقد ذهبت حجة الإبقاء على القيود حقا، وأعتقد أننا كنا الآن في مرحلة تكون فيها إستراتيجية إزالة القيود هي الطريق الصحيح”.

هل رفع قيود كورونا والعودة للحياة الطبيعية كان أبكر من اللازم؟
في المقابل، يعتقد بعض الباحثين أن الأمور كانت سريعة جدا. تقول إيزابيلا إيكرل الرئيسة المشاركة لمركز جنيف للأمراض الفيروسية الناشئة في سويسرا: “كان رفع الأقنعة سابقا لأوانه، ولا أفهم حقا سبب ذلك”، وتضيف أن اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) يسجل نتائج إيجابية تزيد على 35% في الدولة، و7 فقط من كل 10 أشخاص حصلوا على جرعة واحدة على الأقل من اللقاح.

وتقول ديبتي غورداساني عالمة الأوبئة بجامعة كوين ماري بلندن، إن العديد من البلدان التي أسقطت القيود شهدت زيادات لاحقة ليس فقط في الحالات، ولكن أيضا في دخول المستشفيات والوفيات، على الرغم من أن الصلة بين الحالات والنتائج الوخيمة قد انفصلت.

وتضيف أنه على الرغم من أن بعض الوفيات بعد اختبار إيجابي عرضية، هناك نسبة كبيرة جدا من الوفيات بسبب كوفيد-19، وتقول “إنه موقف مقلق للغاية”.

وتود غورداساني أن ترى تنفيذ التدابير التي يمكن أن تساعد في تقليل تأثير تخفيف القيود على أعداد الحالات والوفيات. على سبيل المثال -كما تقول- إذا كان ارتداء القناع أمرا اختياريا، فيجب التركيز بشكل أكبر على تهوية المباني بشكل مناسب.

تظل فحوصات كورونا حيوية
إلى جانب رفع القيود، تعمل بعض الحكومات على تقليص قدرات اختبار كوفيد-19 بشكل كبير. يعتقد بعض الباحثين أن هذه خطوة بعيدة جدا في هذه المرحلة من الجائحة.

تقول إيكرل إن تقليل الاختبارات الروتينية سيجعل من الصعب تحديد حالات تفجر العدوى واكتشاف المتغيرات، “سيكون الأمر أشبه بالعثور على الإبرة في كومة القش”، كما تحذر من أن قلة القيود وزيادة الاختلاط بين أفراد السكان يمكن أن يتسبب في الإصابة بفيروس كورونا، كما أن الاختبار يمكن أن يكون بمثابة نظام إنذار مبكر في حالة ظهور سلالة جديدة.

دول سجلت ارتفاعات في إصابات كورونا
الصين
فرضت السلطات الصينية إغلاقا شمل عشرات ملايين الأشخاص في أنحاء البلاد الثلاثاء، وعادت عمليات الفحص الواسعة ومشاهد المسؤولين الصحيين بالبزات الواقية إلى شوارع المدن على نطاق لم تشهده القوة الاقتصادية منذ بدايات كوفيد-19، في ظل ارتفاع كبير في عدد الإصابات، وفقا لتقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

وأعلنت الصين تسجيل 5280 إصابة جديدة بفيروس كورونا الثلاثاء، أي أكثر من ضعف العدد المسجل في اليوم السابق، في وقت تتفشى فيه المتحورة أوميكرون في أنحاء البلد الذي اتبع نهجا متشددا قائما على “صفر إصابات كوفيد”.

ويبدو أن هذا النهج القائم على تدابير إغلاق محددة انقطعت الصين على إثرها عن العالم الخارجي لمدة عامين، بات على المحك، إذ تجد المتحورة أوميكرون طريقها للتغلغل في أوساط السكان.

وباتت 13 مدينة على الأقل خاضعة لإغلاق شامل الثلاثاء، بينما فرضت تدابير إغلاق جزئية على عدد من المدن الأخرى. وسجلت حوالي 15 ألف إصابة على مستوى البلاد في مارس/آذار.

وحث مسؤولو الصحة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 عاما على تلقي اللقاح، بما في ذلك الجرعة الثالثة المعززة، في أسرع وقت ممكن.

كوريا الجنوبية
قالت الوكالة الكورية لمكافحة الأمراض والوقاية منها -اليوم الأربعاء- إن كوريا الجنوبية سجلت عددا غير مسبوق لحالات الإصابة اليومية بكوفيد-19 بلغ 400 ألف و741 إصابة، وذلك في الوقت الذي تسعى فيه البلاد إلى المزيد من التخفيف في قواعد التباعد الاجتماعي على الرغم من موجة الإصابات بالمتحور أوميكرون.

ألمانيا
سجلت ألمانيا الثلاثاء ارتفاعا قياسيا في معدل الإصابات الأسبوعي بفيروس كورونا، وذلك قبل أيام من تخفيف مزمع لقيود مجابهة الجائحة.

وسجل معهد روبرت كوخ للأمراض المعدية 198 ألفا و888 إصابة جديدة، أي بزيادة قدرها 42 ألفا عن الأسبوع الماضي، ليتجاوز العدد الإجمالي للإصابات 17.4 مليونا.

وبلغ معدل الإصابات الأسبوعي مستوى مرتفعا جديدا عند 1585.4 إصابة لكل ألف فرد، بعد أن كان 1543 في اليوم السابق.

وتريد الحكومة هذا الأسبوع إقرار قانون تيسيري من شأنه أن يقلل بشكل كبير من القيود في جميع أنحاء ألمانيا، علما بأن العمل بالقانون الحالي ينتهي يوم السبت.

وتقول الحكومة إنه على الرغم من ارتفاع عدد الإصابات، لم يعد هناك خطر كبير من حيث زيادة العبء على النظام الصحي.

المصدر : الجزيرة + وكالات + الفرنسية + رويترز + مواقع إلكترونية3

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.