نابليون بونابرت يطلب الخلافة في المشرق العربي

الجزء الثاني

ولد إمبراطور فرنسا الأول عام 1769 في أسرة من النبلاء بمدينة أجاكسيو الواقعة بجزيرة كورسيكا، وكانت تابعة لإيطاليا قبل أن تضمها فرنسا، وأطلق عليه اسم “نابليوني بونابرتي” باللغة الإيطالية، ثم أصبح فيما بعد “نابليون بونابرت” باللكنة الفرنسية، وتنحدر الأسرة من سلالة أرستقراطية جاءت من جنوة قبل نحو ثلاثة قرون من ولادة نابليون، وظلت العائلة تتمتع بالنفوذ وتحوز المناصب المحلية بشكل دائم.[3]

بعد احتلال فرنسا للجزيرة، نقلت أسرته ولاءها نحو الدولة المحتلة ضمانا لمصالحها، فذلك ما مكن “نابليون” من دخول مدرسة عسكرية تقع في أقصى شمال فرنسا، وهو ما شكل صدمة اجتماعية وثقافية بالنسبة إليه، دون أن يمنعه ذلك من الانطلاق في رحلة صعود غير متناهية.[4]

اكتشف “نابليون بونابرت” مدينة باريس أول مرة عام 1784 وهو ابن 15 عاما، حين أصبح تلميذا في مدرسة عسكرية تخرج منها ضابطا في جيش الملك لويس السادس عشر، وتزامن ذلك مع وفاة والده بمدينة أجاكسيو، ليصبح بالتالي هو قائد الأسرة، وبعدما كانت أصوله الإيطالية تحد من طموحاته في مواجهة النبلاء الفرنسيين الأصليين، جاءت الثورة الفرنسية لعام 1789 لتطيح بالامتيازات السابقة لخصومه، وباتت الطريق مشرعة أمامه لتحقيق صعود استثنائي في هرم السلطة.[5]

بعد محاولة فاشلة لسحب ولائه من فرنسا ومحاربتها في جزيرة كورسيكا التي حلم مجددا بتحريرها، عاد “نابليون بونابرت” لينغمس بكل قوة في شهوة السلطة وتحقيق الذات تحت العلم الفرنسي، وكانت الفرصة الأولى حين جرى الدفع به على غرار زملائه الضباط الشباب نحو الحروب المندلعة على أطراف فرنسا ضد جيرانها المتهيبين من انتشار نموذجها الثوري، وقد أبدى “نابليون” حنكة عسكرية كبيرة ضد الإنجليز في جبهة تولون.

وبعد فترة من البذخ الباريسي انتقل مجددا نحو جبهة الحرب في إيطاليا، وهناك أبان عن دهاء عسكري كبير حين تمكن من الدخول بين الجيشين السرديني والنمساوي، وحارب كلا منهما على حدة حتى تغلب عليه، وتفتقت عبقريته عن أفكار عسكرية غير مسبوقة، حيث كان يقسم جيشه إلى فرق صغيرة متفرقة، مما أربك جيوش الخصوم وشتت أذهانهم وحملهم على التراجع.[6]

*حملة غزو الشرق.. رتبة قائد الجيش الفرنسي*

تختلف التفسيرات لقرار “بونابرت” شن حملة على مصر، ما بين ربطها بطموحه السياسي الجارف، والقول إنها كانت مجرد حيلة من خصومه داخل فرنسا لإبعاده عن مركز الحكم، لكن المؤكد أنه وإلى غاية أواخر القرن الـ18 لم يكن اسم “نابليون بونابرت” يعني الكثير.

بدأ التحول في مارس/آذار 1796، حين اتجه هذا الجنرال المغمور إلى إيطاليا على رأس جيش لتحويل أنظار الأعداء، حيث كانت فرنسا الثورة بصدد إنهاء صراعها مع عدويها العنيدين إنجلترا والنمسا، ثم ما لبث هذا القائد العسكري أن فاجأ العالم بانتصار كبير في مايو/أيار 1797، وانتهى بتوقيع اتفاقية “كامبو فورميو” التي تقر بانتصاره على الجيش النمساوي.[7]

منتشيا بانتصاراته العسكرية المفاجئة، كتب “نابليون” للحكومة الثورية الفرنسية “الإدارة” (Le Directoire)، ليخبرها بمشروعه الكبير لعبور البحر المتوسط وغزو مصر، مقدما ذلك كتموقع استراتيجي يستبق انهيار الإمبراطورية العثمانية، ويضمن كسر نظيرتها الإنجليزية.

انغمس “نابليون” في مطالعة كل ما أمكنه الوصول إليه في مدينة ميلانو الإيطالية حول مصر، وطلب من وزارة البحرية أن تمده بكل ما تملكه من أرشيف حول هذا البلد الإسلامي، ثم ساعده تطور الأحداث السياسية الداخلية لفرنسا في تحقيق حلمه هذا، حيث ترقى بعد عودته إلى باريس إلى رتبة قائد عام للجيش الفرنسي، ليمهّد له ذلك سبيل الحصول على موافقة ودعم شاملين من حكومة “المديرين” لفكرة غزو مصر، مع وضع جميع الإمكانات العسكرية والعلمية تحت تصرفه.[8]

انطلق أسطول “نابليون بونابرت” العسكري في حملته في يونيو/حزيران 1798، ونظرا لضخامته فقد تمكن بسهولة من السيطرة على جزيرة مالطا في طريقه نحو الإسكندرية، ولم ينته شهر يوليو/تموز الموالي إلا وقد دخل عاصمة المماليك القاهرة، وفرض سيطرته عليها، لكن ردة فعل الانجليز كانت سريعة، فقد قاموا بتحطيم الأسطول الفرنسي في أبو قير، وأصبح بذلك “بونابرت” وجيشه مضطرين إلى المكوث في مصر والتعايش مع أهلها.[9]

المصادر:
[3] نابليون.. إمبراطور من عدم – YouTube
[4] نابليون.. إمبراطور من عدم – YouTube
[5] نابليون.. إمبراطور من عدم – YouTube
[6] نابليون.. إمبراطور من عدم – YouTube

[7] أحمد يوسف، بونابرت في الشرق الإسلامي القاهر المقهور، ترجمة أمل الصبان، المجلس الأعلى للثقافة، 2005
[8] أحمد يوسف، بونابرت في الشرق الإسلامي القاهر المقهور، ترجمة أمل الصبان، المجلس الأعلى للثقافة، 2005
[9] أحمد يوسف، بونابرت في الشرق الإسلامي القاهر المقهور، ترجمة أمل الصبان، المجلس الأعلى للثقافة، 2005

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،