مَنْهَجيّةُ السَّـيرِ إلـى الله..

اصنَع أوتادَك ؛ وارتاد الثّبات ..

أوّل التَّمكين ؛ جَـذرٌ يشتد ..
وآخر التّمكين ؛ رائحة القَبول ..
وما بينهما ؛ ( عسَى أن لا تزلّ قدمٌ بعد ثُبوتها ) !

وكُل خيمةٍ تأمِن الرّيح وما لها حِبالٌ واثقة ؛ فمآلُ نسيجها رِقاعٌ مُمزقة !

وبعضُ الأوتاد ؛ هشّة لا تنفَـذ ..
فثَبّت أوتادك بالقرآن ؛ فهو مُفتَـتح المُـنى .. فإنّ ” القرآن ربيعك إنْ أجْـدَبْـت، ونورك إن أظلمتْ، وَيُسرك إن تعسّرت ” !

والهارِبـون إليه من تِـيه الفَوضى وفَرط الأذى؛ بلَغوا المـَأمنا ..
ومَـدى بركَـته ؛ (مِن الخَيال إلى الخَيال) !

فقِف في مِحراب عمرك ، واتل ما تيسّر ؛ ثم { اتَّـبِع قرآنه } .. ترويك بركته ؛ فإذا عُمرك فوق الزمن !

و ( متَى أزْهر القلب بالقرآن ؛ راقَ لله رواحه ، ولاح بالله فلاحه) !

تضلّـع منه ؛ حتى تمتلىء .. ثم تنبه كيف تقرؤه ويَقرأك .. !
و ( اعطِ القرآن لبّ وقتك ؛ لترى ما رآه الصالحون) !
فإنْ رآك الله على كتابه مُقبلاً .. عليك أقبَـلا ..
حتى ترى القرآن يتنزّل عليك ؛ ويُفتح المعنى إليك !

فما أصبتَ مِن الفَهم بما رميت ..
ولكنّ اللهَ في قلبكَ رمَـى !

حينها تنتهي المسافة للمعنى ؛ إنْ فتحته في فؤادك .. قبل أن تفتحه بيديك !

ولقد ألمح ابنُ جرير الطّبري لذلك فقال :
” إنّي لأعجب ممّن قَـرأ القرآن ولمْ يعلم تأويله، كيف يلتذّ به؟” .

وقال ابنُ القيّـم :
“…فإنّ قراءة القرآن بالتدبّر تُعطي العبد قُوةً في قلبه، وحياةً، وسعةً، وانشراحًا فيصير في شأن والنّاس في شأنٍ آخَر “.
فاعبر إلى دَهشة المعنى ..
واعلم ..
أن الجهل بأسرار السُّطور ؛ يقصي عن القرب ويمنع ..
فلا تكن ناءٍ ؛ بل اجعل خلوتك به مواقيت من الحُب !

وقد وُفّق ابن الحواري يوم قال :
( إني لأقرأ القرآن ؛ فأنظر فيه آيةً آية .. فيحارُ عقلي فيها، وأعجَب من حفاظ القرآن ؛ كيف يُهْنيهم النوم ، ويسيغهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتكلمون كلام الرحمن ؟!

أمَا لو فهموا مايتلون وعرَفوا حقه وتلذذوا به، واستَحْلوا المناجاةبه؛ لذهب عنهم النوم فرحا بما رزقوا ووفقوا ) !

ولو أعجزك الفَهم ، وظلّ عقلك بين مَـدٍ و جَـزر ؛ فاستعنْ ببطون كتب التفسير ..
فإن للمعاني نور ؛ وحجابها الجهل !
أولئك هم العاكِفون على فَهمه ؛ المُبرّؤون مِن قوله ( ما جاوزَ تراقيهم ) !

اشدد وتدك به .. ومايكون ذلك إلا أن تعكِف على أسرارهِ حتى تنبضَ به .. تتلوه آناء الليل فتجذبك آهٌ تجري بها عيناك ..
إذ بعض ألفاظه والله ؛ كادتْ أن تكون دُموعا !
ترى القرآن في كل ترتيل يَرُدّك عليك ..
وَتجمعك الآيات ؛ غيمةً غيمة ..
ثمّ ترى قلبكَ يجهشُ بالبُكـاء !
حينها إذا استباحتك دمعةٌ مرويّة بما { تقشعّر منه جلودُ الذين آمنوا } ؛ فتوضّأ بها .. فتلك أعلى الطّهارة !

أما علمت أنّ الماضين في تلاوتهم وَحلوقهم مُترَعة بغَصّة الدّمع ؛ ستنطقُ لهم صَحائفهم !

ترى كم آية ؛ اغترفتَ منها ماء اليَـقين ..
وأُخرى ؛ نجوتَ بها ..
وثالثة ؛ جـنّ صوت الشّهوة فيكَ فأوقفتَ ما هَمّ فيك ..
ورابعة ؛ جعلتْ من عمرك نصّا بلا زلات ..
وتلك التي أبصرتَ بها ؛ وقد كنتَ تجترّ الخُطى مِن فَرط العَمى !

كمْ مرةٍ قلتَ { اهدِني سـَواء السَّـبيل } ؛ وخارطة السّـراب بين يديك !

وكم ذا فقدتَ نفسك في غَيابة الجُبّ فتدعو الله غوثا ؛ كأنّـك يوسُف المرحلة ..
وتتلو في صلاتك { لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هَديتنا } ؛ فتناديه :
أعوذُ بك أن يطحنَ رحَـى الخذلان سَعيـي !

يَـا هَـذا ..
إنّ للقرآن فُتوحه ؛ إذا نويت به الهداية ..
فاشدد به ثباتك .. أما تدري أنه إذا صار َاّلليل بلون صوتك بالتّرتيل مَسكونا ؛ هُـيّئت لك المعارج ..
فالله مَن قال لك ؛ { ومِن اللَّيلِ فتهجّد به نافِلةً لّكَ عَسَى أن يبعثك ربّك مقامًا محمودًا } !

فالقِ سمعك ؛ واخلع روحك المُتعَبة ..
واشدد بالقرآن وتَدك ؛ ولو ارتعدَ قلبك من معانيه خوفا .. فقد عَـرّته أحزان الفَهم ؛ فلا تجـزع !
تلك إشارة الذكرى .. (لمن كان له قلب) !

ها أنتَ تفيض به .. تتهجد في أسرار الآيات ؛ فتسمع خُطى اعتقت نيّـاتها فاتّقدت خُلودا !
ترى غِياب الآفلين ؛ فتخشَى أن تكون زبَـدا ..
وتخشَى جَمر الفتنة ؛ وهي { تَرمي بِشَـرر } !

تسمع صوت الخطَـايا ؛ إذ تسير في نعوشنا ..
وترى فوق الثَّرى ؛ كيف اغتال التولّي عن الزحف يوم أحد فينا ..
فتهرع إلى الله تَصيح :
اللهُمَّ إنِّما نحنُ بك فلا تقطعنا عنك !

لذا قال السلف إذا قرأت القرآن :
( فاعْـرِض نفسك على كتاب الله، فإنك تعلم ما لك عند الله ) !

تلك صُحبة أولها نجاة ؛ يليها التوفيق والسَّداد .. ثم تنهمر البركَـة ؛ ثم ترى معنى ” أن تكون من أهل الله ” .

هذا كتابٌ قليله بالتّدبر؛ جمّ ..
وكثيره بدون فهم ؛ هَـذٌ ..
فإياك أن تقرأ روحك الآية ،؛ وهي تَلحـن ..
ويقرأها عقلك ؛ ويَلحـن ..
ويقرأها سعيك ؛ ويَلحن !
استوِ على جوديّ مراميه ؛ يُنزلك الله به مَنزلاً مُباركا ..

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،