من نفحات ذكرى الاستقلال بالمغرب

بقلم الأستاذ سفيان ابو زيد

المتابع لواقع المغرب منذ يوم توقيع وثيقة الاستقلال إلى يومنا هذا سيلاحظ أن تعريف الاستقلال الذي وقع في المغرب وفي غيره من الدول المحتلة التي على شاكلته،
هو

[عدم رؤية العسكري الفرنسي في الشارع وعدم رؤية الإداري الفرنسي في الإدارة…]

وهذا جزء بسيط من منظومة الاستقلال الذي ننشده ونشده أولئك الأبطال من المجاهدين والعلماء والمفكرين والسياسيين الشرفاء الذين حملوا سلاح البارود والقلم والكلمة والموقف لإتمام منظومة الاستقلال وتزيين لوحتها بدمائهم الطاهرة، ومواقفهم الظاهرة، وكلماتهم القوية القاهرة، وأقلامهم الأبية الحرة ليروا ويرى أولادهم والأجيال القادمة ويتذوقوا طعم الحرية والاستقلال المكتمل الأركان…

وفي الضفة المقابلة للمتوسط نجد أن ذلك المحتل الغاشم الذي كان الأصل أن نقطع معه كل حبال وجسور التواصل أو التأثير بكل أشكاله وأنواعه حقبا من الزمن حتى تتناسى الجراح وتتعافى النفوس من طعنات عهره وفجوره التي سطرها التاريخ والتي لازالت دماؤها تسيل ولا زال الحقد دفينا إلى يومنا هذا، وحتى يرتدع ويدرك هو وغيره جسامة خطئه وجرمه وحتى يفهم بأنه أمام دولة تحترم شعبها وتاريخها وهويتها وأن أولئك الرجال الذين ساموه سوء العذاب خلفوا أبطالا أعزاء لا يقلون رجولة عنهم بل يزيدون…

وكان أضعف الإيمان وعلى أقل تقدير أن نستبدل الفرنسية بأي لغة أخرى إذا كان ولابد ولو كانت لغة الكواتيمالا…

وأن نغير قوانين العدل والإدارة الفرنسية التي رسخها المحتل قبل أن يمضي وأن نستبدلها بقوانين دولة أخرى…

أن نقطع كل جسور الثقافة الفرنسية التكنولوجية صغرت أم كبرت وأن نفتح مكانها علاقات وجسورا مع دول أخرى…

أن نبني وطننا ونكوِّن خبراتنا في كل المجالات في مبعدة عنه…

قلت هذا أضعف الإيمان وأقل التقدير في تعاملنا مع ذلك المحتل الغاصب الغاشم…

هذا الذي دونته في هذه الكلمات ليس نظريا أو ضربا من الخيال، ولكنه كان تطبيقا ملموسا عند كثير من الدول التي خرجت من بوتقة وزنزانة العبودية لمحتليها واستبدلتهم بغيرهم فمضت في مسيرة التحرير والتحرر، وبعد سنوات قلائل وليس عشرات السنين غدت دولا قوية حرة أبية تناطح الأسياد، ويضعون لها ألف اعتبار ويضربون لها مليون حساب…

لذلك فلا زلنا مع الأسف نعيش اللحظة الأولى من الاستقلال والمحطة الأولى منه وهي كما ذكرت سابقا

– عدم رؤية العسكري الفرنسي في الشارع المغربي والإداري الفرنسي في الإدارة المغربية –

بعد مضي أكثر من ستين سنة من يوم الاستقلال… وذلك لأن المحتل ترك وكلاء له هنا وهناك يوقفون عجلة ومسيرة التحرر التي قادها وضحى من أجلها الشرفاء، ويضعون العراقيل والمعوقات أمامها، ويجهضون كل جهود ومشاريع وأفكار ذلك التحرر الحقيقي، ويمنون الناس بأنه لا تطور ولا حداثة ولاعيش ولا كرامة ولا عزة إلا تحت وصاية وبمعونة وبتوجيه المحتل الفرنسي الغاشم…وأن كل التخلف والظلامية والموت والإهانة والإذلال في الخروج من تحت ذلك السقف والتحرر من ذلك القيد…

ومن هنا ينبغي أن نفهم مليا وصراحة أن مسيرة التحرر إن لم تكن واقفة فهي بطيئة أو متوهمة، والمعطيات العلمية والدراسية والفكرية والاقتصادية والواقعية هي التي تصيح بهذا بأعلى صوتها…

وبالتالي فينبغي على كل فرد تشرف بالانتماء إلى هذا البلد الأبي المعطاء أن يعتبر نفسه محركا من محركات تلك المسيرة التحررية الاستقلالية، ولبنة من لبنات ذلك الصرح الشامخ المنشود، وأن يقوم بدوره أحسن قيام بإحسان وإتقان آمرا بكل خير أو مساهما في ذلك، ناهيا عن كل شر أو مساهما في ذلك، مضحيا بغاليه ونفيسه من أجل مضي حركة التحرر والاستقلال، مبينا زيف المتلاعبين والمنتفعين والواهمين أنفسهم وغيرهم الضاحكين على الذقون، لا يخاف في ذلك لومة لائم…

وإلا فإننا سنظل ستين سنة أخرى نراوح مكاننا منتشين بأمجاد قد خلت، موهومين بإنجازات وأحلام سرعان ما توقظنا على واقع أليم…

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *