من لا يرحم لا يرحم.. وقانون التجاوب

قاعدة تعاملية نبوية منطقية ثابتة جاءت في قيمة الرحمة التي هي حاجة بل ضرورة يحتاجها كل مخلوق، ولولا الرحمة لما استقامت حياة ولا خرج نَفَس ولا تمت حركة..

هذه الرحمة التي هي جبلة من جهة وحاجة من جهة أخرى:
فهي جبلة وبذرة من بذور الفطرة التي تحتاج إلى صيانة وعناية وسقي وتشذيب وتهذيب وحسن استعمال وفقه،حتى تكون في محلها ووقتها وبقدرها ووفق قانون جلب المصلحة الحقيقية ودرإ المفسدة الحقيقية..

وقد جاء هذا الحديث في سياق التعامل مع الطفولة التي تعني البراءة والعاطفة وعدم الإدراك لكثير من الحقائق وقلة الخبرة والتجربة، فكل هذه الخصوصيات تحتاج إلى نوع من الرحمة، وزاد من الرحمة وينبغي أن تصطبغ بالرحمة، وينبغي أن يكون التيار الذي يربط بينها هو الرحمة..

فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي قبل الحسن في هذا الحديث وهو جده قال له في حديث آخر لما وقعت يده على تمر الصدقة: كخ كخ فمنعه من الأكل منه، ولم يدعه..
فقد كان صلى الله عليه وسلم رحيما بسبطه عندما حضنه وعندما زجره، إلا أن الرحمة الأولى هي رحمة إشباع عاطفيوالرحمة الثانية هي رحمة تأديب وتعليم وإصلاح..

إذن فالعلاقة ينبغي أن يكون تيارها الرحمة لا ينبغي أن تخرج عن التوجيه والتنبيه والتسليك والموافقة والمنع والغض حسب الظروف والأحوال..

وفي هذه القاعدة إشارة مهمة إلى قانون كوني مهم وهو ما يمكن ان نسميه بالتجاوب، فالحياة مبنية على التجاوب والتفاعل، فمن لا يرحم نفسه أو غيره ولم تكن الرحمة سجية له ورصيدا معقولا في قلبه وتصرفاته لا يستحق أن يرحم، بل يجعل الغير يعامله تعاملا منزوع الرحمة، والملاحظ أن الجملة الأولى من هذا الحديث ( من لا يرحم ) جاءت مستترة المفعول للدلالة على العموم والسجية والجبلية وحضور الرحمة في جميع التصرفات، فالعطاء في وقته رحمة والمنع في وقته رحمة والنصيحة في وقتها رحمة والصدق رحمة والأمر في وقته رحمة والعقاب في وقته رحمة، فالرحمة أن تشبع عاطفة المرحوم وأن تكون صادقا في علاقتك معه..فالرحمة ينبغي أن تكون حاضرة مستحضرة في كل حركة او سكون أو قول أو فعل..

وجاء الشق الثاني من الحديث مبنيا لما لم يسمى فاعله، حتى يعم ويشمل كل من ترجو رحمة منه في وقت تحتاج فيه إلى الرحمة، ويدخل في هذا العموم المتصف بالرحمة المطلقة سبحانه وتعالى الذي رحمته واصلة إلينا في كل وقت وحين، سواء رحمنا أو لم نرحم، إلا أن أنواعا من الرحمة في أوقات معينة قد يمنعنا منها رحمة بنا، حتى يتعظ ونعود إلى رشدنا، ونعود إلى سجيتنا الرحمانية فنرحم أنفسنا باتباع الحكمة والشرع ونرحم غيرنا ونملأ رصيدنا من الرحمة ونلقح به تصرفاتنا وحركاتنا..
ويشمل هذا العموم كل من ترجو رحمة منه في وقت أو مكان فيمنعها عنك فترتفع الرحمة بين الناس..
وفيه دعوة إلى معنى التراحم وإشاعة الرحمة الصحيحة والحقيقية والنافعة والمفيدة..

هذا الحديث كما سبقت الإشارة إلى ذلك يدلنا على قانون التجاوب، النافي للمزاجية والحرص على المصلحة الشخصية، فالغنم بالغرم، وما أريد أن اراه في الخارج ينبغي أن اتمثله، وما أن يعاملني به الناس ينبغي أن اعاملهم به، فالتجاوب هو الذي يثبت دعائم القيم والعدالة والعدل والاستقرار والرحمة والانتاج والتطوير، وينفي بواعث الظلم والانحياز والفساد واللامنطق، أما أن يظن أن الأمر أحادي الجانب، فإنه يورث المزاجية والتلاعب بالقيم والأخلاق واللي لأعناق النصوص بما يوافق الهوى والمصلحة الشخصية..
وهذا القانون مبني على الوسع والمستطاع والبذل الجهد..

فالرحمة التي نشكو جفافها وانعدامها، وغيرها من الأخلاق والقيم، هي من جراء غياب وإهمال وتجاهل قانون التجاوب والتفاعل والقيام بالواجب من كل قيمة في زمانه ومكانه المناسبين، لتسير قافلة المجتمع مستقرة منتجة كل يقوم بدوره المناط به، أما أن أغيب عن لائحة الواجب وأطالب بوجودي في صدارة لائحة الحق فهذا من الهراء وطمع في ماء السراب..
وبعد قانون التجاوب يأتي قانون الغفران والإحسان والتسامح وغض الطرف والتشجيع والتحفيز..

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.