مفتي القدس وفلسطين للجزيرة نت: هكذا يوظف الاحتلال التطبيع وكورونا لتهويد القدس والأقصى

|

فادي العصا – بيت لحم

يعتبر الشيخ محمد حسين مفتي القدس والديار الفلسطينية أن لقيام الاحتلال الإسرائيلي بوقف أعمال الترميم في المسجد الأقصى بالقدس والحرم الإبراهيمي في الخليل، آثارا سلبية على هذه المباني التاريخية والإسلامية بما يسهّل خطة تهويدها.

ويقول حسين في مقابلة مع الجزيرة نت إن تطبيع بعض الدول العربية الأخير مع الاحتلال الإسرائيلي هو تطبيق لصفقة القرن وليس له أي فائدة للقضية الفلسطينية.

ويؤكد أنه لا يمكن مقارنة ما يقدمه العرب والمسلمون من دعم للشعب الفلسطيني، بسيل الأموال غير المنقطع الذي يصل الاحتلال لتنفيذ مخططاته الاستيطانية في فلسطين، معتبرا الفلسطينيين حراس الأرض الأوفياء وسدنة المقدسات، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وهذا نص الحوار:

هناك اتهامات فلسطينية للاحتلال الإسرائيلي بأنه يقوم باستغلال جائحة كورونا من أجل تهويد المسجد الأقصى في القدس والحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، بعد أن قام مؤخرا بوقف أعمال الترميم في المسجدين، هل من أدلة على ذلك؟

لا شك أن الاحتلال استغل جائحة كورونا في التضييق على بيت المقدس والأهل والإخوان في مدينة خليل الرحمن، وخاصة في المسجد الإبراهيمي، وهو واضح من خلال الإجراءات الاحتلالية المتبعة، وخذ على ذلك مثالا أنه في المسجد الأقصى لا يُسمح لأبناء القدس وضواحيها وأحيائها وقراها بالدخول إلى المسجد والبلدة القديمة، باستثناء سكان البلدة القديمة

في القدس، وهذا في الحقيقة حصار ليس على المسجد الأقصى وحده، بل حصار على المدينة المقدسة وبالذات البلدة القديمة.

ويأتي ذلك بحجة كورونا والإجراءات الاحترازية للوقاية من الفيروس، ولكن في حقيقة الأمر وما نشاهده في كل الأرض المحتلة فليس هناك تشديد بالشكل الذي يتم في المدينة المقدسة، أو مدينة خليل الرحمن، والتشديد واضح في البلدة القديمة بالقدس والمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل، فهناك كثير من الناس يصل بوابات المسجد الأقصى المبارك ويعاد بحجة أنه يسكن على بعد أكثر من كيلومتر عن المسجد، وهي المسافة المسموح بالتحرك بها خلال جائحة كورونا.

وبالتالي لا شك أن الاحتلال نفذ خطته في ظل التضييق على المصلين أولا، والتضييق على دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس ولجنة إعمار المسجد الأقصى، وكذلك لجنة الإعمار في الخليل والمسجد الإبراهيمي، من خلال وقف الترميمات المطلوبة، وهذه ممارسات مرفوضة وإن كانت تتخذ تحت إجراءات جائحة كورونا وتطبيق التعليمات الصحية.

ما الخطورة التي يشكلها وقف أعمال الترميم في المسجد الأقصى بالقدس والحرم الإبراهيمي بالخليل؟

لا شك أن هذه أماكن حضارية ودينية وتاريخية بُنيت منذ قرون طويلة، ولا بد أن تبقى ورشة الترميم والتعمير والصيانة منعقدة فيها، إذ إن لمنع ترميمها تداعيات سلبية، خاصة في فصل الشتاء وتسرب المياه التي تفتك بالزخارف وما يوجد في هذه المساجد من آثار تروي الحقب الإسلامية المتعاقبة والمتعددة في التاريخ الإسلامي.

وهذه الأماكن لا بد من ترميمها، ولا يجوز للاحتلال أن يمنع المدنيين الواقعين تحت الاحتلال من ممارسة عباداتهم بكامل الحرية، أو صيانة أماكن العبادة وترميمها، وخاصة في المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي، فالمسجدان للمسلمين وحدهم، ويشهد بذلك التاريخ وتعاقب الوقائع بحق المسلمين في هذه المساجد.

وأي تعدٍّ على إخراج هذه المساجد من مضمونها ورسالتها الإسلامية هو عدوان على هذا المضمون وهذه الرسالة، وعدوان على الشعب الفلسطيني الذي يملك ويشرف على هذه المقدسات، ويتابع إعمارها بالتردد عليها للعبادة وبأعمال الترميم والصيانة المطلوبة.

ولا بد من التأكيد على أن صاحب الإدارة والإشراف والقرار في الحرم الإبراهيمي في الخليل هو السلطة الفلسطينية، وفي القدس دائرة الأوقاف الإسلامية الممثلة بحكومة المملكة الأردنية الهاشمية التي لها الرعاية والوصاية برعاية الملك عبدالله الثاني في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وبالتالي فإن وقف أعمال الترميم بقرار من الاحتلال هو تدخل وتحدّ سافر وعدوان على حق المسلمين وعلى الجهات التي تشرف على هذه المقدسات.

كيف تنظرون إلى نية الاحتلال تحويل قصر المفتي أمين الحسيني في القدس إلى كنيس يهودي؟

لا يحق للاحتلال أن يتصرف في هذه الأملاك، ولكن كما يعرف الشعب الفلسطيني والعالم أن الاحتلال يصادر كثيرا من الأماكن والأراضي من أجل تكثيف الاستيطان في الأرض الفلسطينية جميعها، وخاصة في مدينة القدس المحتلة، وهذا الاحتلال الذي هدم حي المغاربة بشكل كامل في البلدة القديمة من القدس ويهدم البيوت في المدينة بحجج واهية، لا يتورع أن يضيق على قصر المفتي أمين الحسيني رحمه الله، وهو من هو هذا القائد الفلسطيني والديني الذي عاش في القرن الـ19.

وهذا عدوان على أملاك الحاج أمين وأملاك العرب والمسلمين في القدس، ويجب أن تحاسب عليه سلطة الاحتلال، لأنه عدوان على حق الشعب الفلسطيني وقياداته في المراحل المتعددة، وخاصة مرحلة الحاج أمين الحسيني، وهو إجراء مرفوض جملة وتفصيلا، وتغيير للواقع والحقائق، وتحويل المكان إلى كنيس أو غير ذلك لا يجوز.

هذا المبنى هو ملك تام للحاج أمين ويجب أن ينتقل لورثته وآل الحسيني، لأنهم هم أصحابه، ومصادرة الاحتلال له مرفوضة بالقانون المحلي وبالقانون الدولي.

القدس اليوم هي عنوان الصراع من خلال تهجير سكانها وهدم بيوتهم، هل برأيك أن الجهات العربية والإسلامية قامت بدورها في حماية القدس؟

القدس هي بؤرة الصراع ومحور الاهتمام، ويجب أن تكون بؤرة الاهتمام من قبل الفلسطينيين والعرب والمسلمين وكافة أحرار العالم، ومع الأسف الشديد أن الاحتلال الاسرائيلي يبذل كل جهد من أجل تغيير الطابع الإسلامي والعربي للمدينة المقدسة.

ويتضح ذلك من خلال المشاريع التي يقوم بها الاحتلال، وأول هذه المشاريع الاستيطانية ومحاولات التغيير في البنية التاريخية وإنشاء أحياء يهودية كاملة كما هي الحال فيما يسمى مدينة داود، والحوض المقدس وتسميات تهويدية أخرى، في سباق مع الزمن من أجل تهويد المدينة.

وفي هذا الوقت لا نجد موقفا عربيا داعما بشكل مستمر لإبقاء على المدينة بحضارتها العربية والإسلامية بل بالعكس، فإن مواقف بعض الدول العربية تتراجع، وكل هذا ينعكس على أوضاع المدينة المقدسة ويشجع الاحتلال على المزيد من الضغط على أبناء المدينة لمغادرتها.

ولكن أبناء المدينة صامدون ومرابطون، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتخلوا لا عن مقدساتهم ولا عن بيوتهم وأملاكهم، رغم كل الظروف الصعبة المحيطة بحياتهم فيها.

وبطبيعة الحال، فإن إمكانات الفلسطينيين محدودة مقارنة بالاحتلال، وحتى السلطة الفلسطينية إمكاناتها محدودة تماما، ولكن واجب حماية القدس ليس على الفلسطينيين وحدهم، سواء بشكل رسمي من خلال السلطة الفلسطينية أو الشعب الفلسطيني، فهذا واجب ديني وأخلاقي وعقدي على كل الأمة الإسلامية، ومن ضمنها الدول العربية؛ التي يجب أن تنهض تجاه هذه المدينة والحفاظ عليها مدينة عربية إسلامية، لأنها أيضا مدينة تعتبر محط أنظار كل العالم بمن فيهم المسلمون والمسيحيون.

تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل يسهّل مخططات الاحتلال في القدس والأقصى (الجزيرة)
برأيك هل التطبيع الذي قامت به دول عربية مؤخرا أثر على مدينة القدس؟

الحقيقة أن اتفاقيات التطبيع هي اتفاقيات عار، لا تخدم من قريب ولا من بعيد حقوق الشعب الفلسطيني ولا المدينة المقدسة، وهي مزيد من التخاذل العربي تجاه الاحتلال الذي يعبث يوميا بالأحياء والمساكن والمواطنين الفلسطينيين اعتقالا وإبعادا.

وهذه الاتفاقيات التي أطلقوا عليها معاهدات سلام، جاءت لتنقذ ما يسمى “صفقة القرن” وهي لتنفيذ كافة المخططات الإسرائيلية في مدينة القدس بدعم أميركي، وهذا الأمر واضح من خلال توحيد القدس تحت الاحتلال كعاصمة للاحتلال الإسرائيلي، وهذا التبادل في السفارات والثقافة والاقتصاد، وغير ذلك، كله ضمن هذه الخطة، وأما القضية الفلسطينية فهي غائبة تماما عن أفكار وبرامج هؤلاء المطبعين أو سمهم كما شئت.

هل برأيك هناك مقارنة بين الدعم المادي من العرب والمسلمين لصمود الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال ومخططاته، وبين بما يحصل عليه الاحتلال والمستوطنون لتنفيذ مشاريعهم؟

مع الأسف الشديد لا مجال للمقارنة بين ما يقدمه العرب والمسلمون ومن كل العالم لدعم الشعب الفلسطيني والقدس، وبين سيل المساعدات المالية للاستيطان والاحتلال، حيث تنفق مليارات الدولارات على مشاريع استيطانية كثيرة.

ما رأيكم بما حدث في مقام النبي موسى -عليه السلام- شرق القدس، بعد إقامة حفل موسيقي فيه، وكيف ترى ردة فعل الفلسطينيين بالحضور المستمر في المقام لحمايته من العبث به. خاصة مع اقتحامات المستوطنين له ولأماكن إسلامية أخرى في فلسطين؟

ما من شك أن ما جرى مرفوض، وكل الجهات الفلسطينية ترفض بشدة أي سلوك من هذا النوع في المقام أو غيره من المقامات، المفتوحة للصلاة والزيارة، ويجب أن يتم الحفاظ على قدسيتها.

وبادرت الأوقاف الفلسطينية بتعيين حراس وإمام ومؤذن لتقام الصلاة بشكل دائم في هذا المكان، ونشكر كل أبناء القدس وفلسطين الذين هبوا لتفقد هذا المقام وإعماره أمام اقتحامات المستوطنين؛ الذين يقتحمون سواء مقام النبي موسى -عليه السلام- في القدس أو مقام يوسف -عليه السلام- في نابلس، وغيرها من المقامات في فلسطين.

والمستوطنون يقتحمون ويعتدون على أقدس المقدسات في القدس والمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، ويحرقون المساجد والكنائس ويعتدون على روادها، وهذه هي ثقافة المحتل وهذا المستوطن الذي يريد تفريغ الأرض من سكانها، ولكن لن يحدث ذلك أمام الشعب الفلسطيني الحريص على أرضه ومقدساته، وهو يحشد نفسه في جميع الأوقات من أجل دفع الاعتداء عن هذه المقدسات في سائر الأرض الفلسطينية، سواء مساجد أو مقامات أو أماكن مقدسة.

كيف أثرت جائحة كورونا على المساجد، وكيف تنظرون إلى مبادرة “الفجر العظيم” قبل الجائحة التي أحيا الفلسطينيون فيها مساجدهم بصلاة الفجر؟

جائحة كورونا أثرت على كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعبدية من إعمار المساجد والاعتكاف فيها، وبالتأكيد أن القضية الصحية والمحافظة على النفس الإنسانية لها الأولوية، وهي واجب شرعي، لأنها من الضروريات الخمس التي جاءت مقاصد الشريعة للحفاظ عليها وحمايتها، وهي: النفس والدين والعقل والمال والنفس.

ولا بد من التوفيق بين حماية النفس البشرية من الوباء وبين إقامة الصلوات في المساجد، لذلك اتخذنا بعض الإجراءات وخاصة في ذروة انتشار المرض، وتعليق صلاة الجمعة والجماعة لتخفيف الأعداد والتباعد، ومن ثم سمح بذلك بين فترة وأخرى، ولكن الضرورة تقدر بقدرها، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافي هذا الشعب وكل العالم وأن تعود الحياة إلى طبيعتها.

أما بخصوص الفجر العظيم، فهي مبادرة طيبة يشكر من دعا لها وشارك بإعمار المساجد في صلاة الفجر، ونسأل الله تعالى أن ترتفع هذه الجائحة ليعود هذا التفاعل والحضور الكثيف في المساجد ليس فقط في صلاة الفجر وإنما في سائر الصلوات.

كيف تنظرون للجريمة في المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 48، خاصة أنها استهدفت شخصيات فلسطينية رفيعة؟

الجريمة مرفوضة أينما كانت في الأرض الفلسطينية والعربية، ولكن ما يلفت النظر في الجريمة بالداخل الفلسطيني أن المواطنين الفلسطينيين هناك يعانون من جريمة منظمة، وخلال شهر واحد قتل العشرات، دون التوصل للقاتل أو توجيه أصابع الاتهام لجهة محددة. وهذه مسؤولية الاحتلال -لو أراد- أن يوقف هذه الجرائم في الداخل.

واللافت أن هذه الجرائم باتت تكثر حتى في مناطق فلسطينية أخرى، وخاصة سفك الدماء التي نؤكد على حرمتها، ووجوب التعاون مع كل الجهات من أجل الإصلاح والحد من انتشار الجريمة في المجتمع الفلسطيني، على أرض فلسطين التاريخية.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،