مفاهيم أيا صوفيا

سفيان أبوزيد

في ملمح مهم أشار إليه أحد الأفاضل، قل من تنبه له وهو أن خطيب جمعة آيا صوفيا وهو في حضرة رئيس الدولة، الذي تحقق في عصره كثير من الإنجازات الحقيقية ومنها إنجاز ذلك اليوم المشهود، لم يأت على لسان خطيب الجمعة ذكر لاسم رئيس الدولة لا بالتصريح ولا بالتلميح ولا بالتعريض ولا بالإشارة ولا بالسهو ولا بالتنبيه ولا بالدعاء، لا من قريب ولا من بعيد، وكأنه غير موجود، ولو تابعت الخطبة دون أن تقع عليه الكاميرا، لظننت وجزمت بأنه غير موجود، وهذا في حد ذاته إنجاز، وهو الإشارة الأولى من إشارات النصر، واللبنة الأولى من لبنات البناء،

فلم تسمع: وما كان لآيا صوفيا أن تفتح لولا وجود صاحب الجلالة والفخامة والزعيم المفدى حامي الحمى، ولي النعمة الذي تزول به كل الغمة، والذي لولاه لما تنفسنا، ولولاه لما كنا، ولولاه لما اكلنا وشربنا، ولولا عقله لما فكرنا، ولولا حركته لما تحركنا، ولولا لسانه لما تحدثنا، ولولا عطاءاته لحُرمنا، ولولاه لزلزلت الارض من تحت أقدامنا، ولنزلت السيول على رؤوسنا، ولهاجت البحار ولتفجرت البراكين، وظهرت المجاعات، والاوبئة، ولولا سِنَة اصابته أول العام لما كان لكورونا ان تظهر، ولولاه لما تعلمنا، ولولاه لما تعممنا، ولولا عينه لما نظرنا، ولولاه انفه لما شممنا، ولولا أذنه لما سمعنا..

لم نسمع هذه اللولاوات لا حقيقة ولا مجازا ولا إشارة، ولم نسمع بأنه تم إقالة ذلك الخطيب أو تم عقابه أو محاسبته!!

هنا تعلم بأنك امام دولة تحترم نفسها وشعبها وامام خطيب حر ارتقى على منبر الحرية والكرامة قبل أن يعتلي منبر الجمعة، يتحدث عن إنجاز وعن وطن دون أن يشخصنه وإن نسبه نسبه إلى الجميع دون تخصيص…
هنا تعلم بأن هذا الصرح سيستمر ويعلو ويتقدم ويتطور وسيحقق من الإنجازات ما لا يخطر على بال، ما دامت تلك اللولاوات ضميرا مستترا تقديره المؤسسات…
هنا تعلم بأن ما بني وأنجز لم يكن باسم فلان أو علان صراحة، وإن كان التاريخ سيذكر ذلك له، ولن ينساه…
هنا تعلم بأن الأمر ليس زعامات خرقاء ولا عنتريات حمقاء، وإنما هي خطى ثابتة، ومأسسة عميقة، ووطنية حقيقية، وبناء لإنسان جديد مطهر من كل قابلية للاستعباد، إنسان مواطن حر واع، محترم مؤدب يرى بأن الفيصل بينه وبين حاكمه هي القانون، وأن ما أنجز نسبته إلى الجميع، لا يتعلق باستار اشخاص ولا يتزلف لهم فوراء كل تزلف تخلف!!
هنا تعلم بأنه ما كان لذلك البلد أن يقضي على جل مشكلاته، ولا أن يحقق تلك الإنجازات التي يشهد بها العدو قبل الصديق، لولا اختفاء تلك اللولاوات، ومهما كان خفاؤها كانت حركة التقدم أسرع، وعدد الانجازات أكثر، ورسوخ القدم اعمق، وكلما ظهرت او تظاهرت بدأت سرطانات التخلف والتزلف تقتل خلايا الحرية والانجاز والكرامة، حتى يعود ل”اللولا” جبروتها واستبدادها..
فإياكم يا من في آيا صوفيا من ان تتسرب لكم فيروسات تلك “اللولا” واحرصوا على استئصالها وتطهير الفكر واللسان منها، حتى تحافظوا على إنسانكم وإنجازكم، وإياكم أن تصيبكم عدوى اللولا من بعض العرب من أنصاركم أو خصومكم الذين تغلغلت في كياناتهم فغدوا يبحثون بغض النظر عن اتجاهاتهم او انتماءاتهم، يبحثون عن زعيم ينسبون له ضمير “لولاه” سواء في باب الحكم او السياسة أو العلم والدعوة أو الإعلام او الاقتصاد مهما كان الأمر وكلف الثمن، فلا يمكن أن نعيش حتى نعيد ضمير “لولاه” إلى زعيم!!! فحذاري حذاري!!!

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".