مع مرور أكثر من 1000 عام على سقوط بلنسية في الأندلس

مازال أهلها يعقدون محكمة المياه كل يوم خميس
والتي أسسها الخليفة عبد الرحمن الناصر عام 960م
وهي لجنة تحكيم الري مسؤولة عن تسوية النزاعات على مياه الري بين المزارعين ، أدرجتها منظمة اليونيسكو عام 2009م ضمن أهم المعالم التراثية .
كان عهد عبد الرحمن الناصر من أزهى عهود الأندلس، وهو العهد الذي استمر لنصف قرن، إذ تولى الحكم وهو شاب صغير في حدود العشرين سنة ثم مات وهو في السبعين من عمره (300 – 350 هـ)، واستطاع في عهده أن يغير حال الأندلس من ضعف وتفكك إلى قوة ومجد وازدهار.. فهذا الناصر هو من أطول الملوك حكما في تاريخ المسلمين.
و تحولت بلنسية التي أنشأها الرومان على ساحل البحر المتوسط في عهد المسلمين إلى أرض الحدائق والجنات، رغم قلة أمطارها، وذلك بأثرٍ مما أبدعه المسلمون من أنظمة الري والتحكم بالمياه من خلال ما بنوه من سواقي وسدود على نهر توريا الذي يمد المدينة بحاجتها من الماء، وهذه التقنيات التي تركها العرب منذ ألف سنة بلغت من التطور والإبداع حدًّا عظيما، ويكفي أنها ما تزال هي الأساليب المعتمدة في الزراعة حتى الآن.
نشأت محكمة المياه كنوع من المحاكم المتخصصة التي تسد حاجة سريعة في تنظيم الماء في بلنسية ، و قضاة المحكمة هم من الفلاحين الذين يزرعون الأرض ويتكسبون منها بما يجعلهم متخصصون في هذا المجال ويعرفون دواخله وتفاصيله وأساليب الحيل والمخادعات فيه، وهم ما زالوا يرتدون الثياب السوداء التي كان يرتديها الفلاحون في بلنسية منذ العهد الإسلامي، ويجلسون على مقاعد جلدية كنحو التي كان يجلس عليها القضاة قديما، وجلسات المحكمة كانت ولا تزال علنية يمكن لأي امرئ أراد أن يحضرها، كما وتعقد المحكمة في ذات الفناء الذي كانت تعقد فيه غير أنه قديما كان فناء مسجد رحبة القاضي –وهو المسجد الجامع في بلنسية- بينما صار الآن فناء كاتدرائية بلنسية بعد هدم المسجد في زمن إنهاء الوجود الإسلامي في الأندلس.
ما تزال بلنسية تستعمل المقياس العربي “فيلان” في قياس كميات المياه التي تحصل عليها كل ساقية بحيث ينضبط التوزيع العادل لمياه النهر بحسب كل ساقية والمساحات التي ترويها، والتي تبلغ أكثر من 40 ألف فدان.
وبهذا تمثل محكمة المياه البلنسية الأندلسية نموذجا لمؤسسة اجتماعية ذات نفع عام، استمدت فكرتها وخلودها من خصائص الحضارة الإسلامية التي أنبتتها.

نشر في مجلة الوعي الإسلامي: جمادى الأولى 1435هـ = مارس 2014

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".