مشروع الرئيس و”الخلاص” واتحاد الشغل.. صراع إرادات يشتد في تونس فلمن ستكون الغلبة؟

تونس – على وقع إضراب عام يشل البلاد، أعلنه اتحاد الشغل اليوم الخميس، تدخل تونس مرحلة جديدة من صراع الإرادات بين قوى تعتقد أن الرئيس قيس سعيد في طريقه للنجاح في تشكيل جمهورية جديدة مع اقترابه من وضع دستور جديد والاستفتاء عليه، وأخرى ترى أنه سيخفق، وثالثة تبدو قادرة على شل البلاد أمام مطالبها الاقتصادية والاجتماعية.

ويدور رحى الصراع السياسي بين الرئيس قيس سعيد ومؤيديه الذين باركوا إجراءاته الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 بعد تعليقه عمل البرلمان وتنحية الحكومة السابقة ورفع الحصانة عن النواب، وبين قوى سياسية ومدنية معارضة ترى تلك الإجراءات “انقلابا”، وبين طرف آخر يشق طريقا ثالثا وهو اتحاد الشغل.
جبهة الرئيس: جمهورية جديدة
يقول زهير حمدي الأمين العام لحزب التيار الشعبي ذو المرجعية القومية العربية وأحد الأحزاب المناصرة للرئيس إن الصراع الحقيقي يدور بين “خط وطني” يمثله الشعب والرئيس وكل القوى الرافضة لمنظومة ما قبل 25 يوليو/تموز 2021 كـ”حراك 25 يوليو” و”حركة تونس إلى الأمام” و”التيار الشعبي”، وبين “قوى رجعية”.

ويضيف للجزيرة نت أن الصراع الراهن ينقسم إلى جبهة سياسية ومدنية داعمة لخيارات الرئيس سعيد، وجبهة اتحاد الشغل “الذي لا يحيد عن هذا المسار بقدر مع لديه مطالب نقابية تهم منظوريه”، وجبهة أخرى معارضة للرئيس وتسعى للعودة للوراء بعد “تضرر مصالحها وغنائمها بحرمانها من السلطة”.

ويتهم حمدي حركة النهضة الإسلامية، التي كانت طرفا أساسيا في الحكم منذ 2011 وبعض القوى المتحالفة معها بالتواطؤ ضد الثورة وضد مصلحة الشعب مع “قوى خارجية”، كما قال، مبينا أن “استشراء الفساد والإرهاب والفقر وعدم الاكتراث لمطالب الشعب جعل الأخير ينتفض ضدهم ويلتحم مع إجراءات الرئيس”.
مراحل تشكل الأزمة
ومرت الأزمة في تونس بعدة مراحل لعل أبرزها اختلال موازين القوى السياسية لفائدة حركة النهضة ووقوع اغتيالات سياسية سنة 2013 وتدهور الأوضاع العامة، وكانت “لامبالاة السلطة أمام ما يعانيه الشعب لا سيما في فترة انتشار وباء كورونا ومطالبة الإسلاميين بالتعويضات “النقطة التي أفاضت الكأس”، وفق قوله.

ورغم الصعوبات والأخطاء في المسار الذي انتهجه قيس سعيد، يعتقد حمدي أن الطريق الذي يسلكه الرئيس أفضل بالنسبة إلى تونس من غيرها، مرجحا أن ينجح بتشكيل جمهورية جديدة مع اقترابه من وضع دستور جديد سيساهم، وفق تقديره، في تنقية المناخ وضبط إطار تشريعي جديد لنظام رئاسي.

ويرى حمدي أن اختلال النظام السياسي في دستور 2014 والموزع للسلطة بين 3 رؤوس (البرلمان والرئيس الحكومة ورئيس الدولة) كان أحد أسباب تشكل الأزمة في تونس، مبينا أن موافقة الشعب على الدستور الجديد في استفتاء 25 يوليو/تموز المقبل “سيكون مدخلا لتجسيم الخيارات الوطنية والشعبية”.

المعارضة: الرئيس معزول
في المقابل يقول جوهر بن مبارك منسق حركة “مواطنون ضد الانقلاب” -أحد مكونات ما يعرف بجهة الخلاص التي تضم 5 أحزاب معارضة منها حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة- إن “قيس سعيد أصبح في عزلة ولن يصمد كثيرا أمام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والخيارات الخاطئة لحكومته الحالية”.

ويؤكد للجزيرة نت أن خط قوى المعارضة بمختلف تصنيفاتها بات يشتد ويتصلب يوما بعد يوم مقابل تراجع شعبية الرئيس بسبب استفحال الأزمات واحتدام وقعها على الشعب، قائلا “الانقلاب الذي يقوده الرئيس مصيره الانهيار لأنه في لحظة ما سيلتحم الحراك الاجتماعي بالحراك السياسي المعارض ضده”.

وبالنسبة إليه بدأ الحراك الاجتماعي يتجلى بوضوح من خلال الإضراب العام بالمؤسسات العمومية الذي يشنه اليوم الخميس الاتحاد العام التونسي للشغل، أقوى نقابة عمالية مؤثرة، جراء رفض الحكومة تنفيذ اتفاقات سابقة وعدم الاتفاق على رفع أجور العمال إلى 2023 وغيره.

ويرى أن كل ما يشغل بال الرئيس هو تثبيت انقلابه كأمر واقع وتركيز جميع السلطات بيده بمراسيمه الاستثنائية التي شرع في سنها منذ 25 يوليو/تموز 2021، وجمد بمقتضاها البرلمان وعلق العمل بالدستور وأتاح بها لنفسه صلاحيات غير مقيدة، وغير بها تركيبة هيئة الانتخابات وتدخل بها في السلطة القضائية.
احتكار تأويل الدستور
وبداية تشكل الأزمة الخانقة انطلقت في تونس، وفق قوله، منذ أن شرع الرئيس قيس سعيد قبل نحو عامين في تجاوز صلاحياته واحتكار تأويل الدستور ورفض ختم قانون المحكمة الدستورية وتعطيل التحوير الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي “وهو ما عمق صراعه مع القوى المهيمنة على البرلمان”.

ويقول “الخطوة الأساسية في انقلاب قيس سعيد كانت احتكاره لتأويل الدستور وخاصة الفصل 80 منه”. وكان قيس سعيد أعلن في خطاب تلفزيوني، في 25 يوليو/تموز 2021، عقب ترأسه لاجتماع طارئ مع قيادات عسكرية، عن تطبيق هذا الفصل لاتخاذ تدابير استثنائية بدعوى وجود خطر داهم على البلاد.

ويرى أن تونس تعيش في خضم صراع إرادات بين الرئيس ومؤيديه، وبين قوى معارضة لإجراءاته وتتشكل من معارضة راديكالية وأبرزها جبهة الخلاص وقوى أخرى تقف وراء جبهة اتحاد الشغل ولا توافق على ما قبل محطة 25 يوليو/تموز 2021 أو ما بعده على غرار التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري والتكتل.

التوافق أو التصادم
ومن وجهة نظر المحلل السياسي والدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي فإن الرئيس قيس سعيد أصبح له القول الفصل منذ نحو عام بفضل حكمه البلاد بمراسيم الاستثنائية في ظل تشتت المعارضة وعدم توحدها في برنامج، بيد أنه يرى أن برنامج الرئيس بقي بلا منجز على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

ويقول للجزيرة نت إن الرئيس ليس له من خيار سوى إما العودة إلى مربع التوافقات أو الصدام مع القوى السياسية والمدنية المعارضة لتمرير مشروعه، غير مستبعد فرضية امتناع صندوق النقد عن اقراض تونس بسبب ضغوط دول تعارض مسار الرئيس وهو ما يعمق الأزمة ويؤدي إلى انفجار اجتماعي وعصيان.

وأشار إلى أنه في ظل تفاقم معدلات البطالة والفقر وغلاء الأسعار بشكل لا يطاق وحالة الضبابية التي تعيشها البلاد وسط الانسداد الراهن جعل جزءا مهما من التونسيين يعيشون في حالة إحباط عميقة ويفقدون الثقة في الحكام جراء رفعهم شعارات فضفاضة لم تحقق لهم أبسط مطالبهم في ثورة 2010.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.