مشروع أرشفة إلكترونية لنقوش اللغات العربية القديمة

كانت شبه الجزيرة العربية في فترة ما قبل الإسلام موطنًا للعديد من الثقافات، ولا تزال نقوشها ومخطوطاتها وآثارها الباقية تشكّل المصدر الرئيسي لتوثيق وتأريخ هذا الجزء من الشرق الأوسط.
ومؤخرا أطلقت جامعة بيزا الإيطالية مشروعا رائدا في تطبيق تكنولوجيا الرقمنة الحديثة لدراسة الحياة العربية القديمة في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام من خلال فهرسة وأرشفة النقوش العريقة.

ويسعى “الأرشيف الرقمي لدراسة مخطوطات ونقوش العربية قبل الإسلام” لجمع مجموعة من النقوش العربية المثيرة للاهتمام، ووثائق ونصوص كتابية من العالم السامي القديم يزيد عددها عن 15 ألف مخطوط وقطعة نصية مكتوبة من النقوش والصور.

وتمثل هذه الوثائق المكتوبة صورة مهمة من الثقافة التي ازدهرت في جنوب وشمال الجزيرة العربية منذ أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد إلى القرن السادس الميلادي، وهي الفترة التي شهدت ازدهار لغات وحضارات عربية قديمة في مناطق مختلفة من الجزيرة العربية.

وفي الوقت الحاضر، يحتوي الأرشيف الرقمي لدراسة مخطوطات ونقوش العربية قبل الإسلام على مجموعة من حوالي 8150 نصًا تم ترقيمها بواسطة فريق جامعة بيزا.

العربية الجنوبية والشمالية القديمة
ومن هذه النقوش الكثيرة، تمت رقمنة ما يقارب 900 من النقوش الحضرموتية يرجع تاريخها إلى ما بين القرن السابع قبل الميلاد ونهاية القرن الثالث الميلادي، وتظهر تأثيرات ثقافية ولغوية لمنطقة سبأ، وكانت حضرموت قديما مملكة قوية وذات أهمية سياسية كبيرة وكان نشاطها الرئيسي تجارة البخور.

وتضم النقوش العربية الجنوبية كذلك مقتنيات من المتاحف الأوروبية منذ بداية القرن التاسع عشر والاستعمار الأوروبي للمنطقة وتوافد بعثات الأوروبيين العلمية في شبه الجزيرة العربية، وتمت أرشفتها رقمياً إلى جانب مقتنيات من متاحف أميركية ومتاحف يمنية ومجموعات خاصة.

نقوش قديمة من جنوب الجزيرة العربية (الجزيرة)
ومن جنوب الجزيرة لشمالها، يحتوي الأرشيف الإلكتروني على مجموعة أخرى لنقوش شمال الجزيرة العربية القديمة تم توثيقها من قبل مركز الخليلي للأبحاث بجامعة أكسفورد، بهدف لتقديم نسخة إلكترونية قابلة للتحديث ومفهرسة لجميع المتاح من النقوش العربية الشمالية القديمة.

ولأنه غالبًا ما يصعب تحديد لغات النقوش العربية الشمالية القديمة على وجه الدقة لأن الكتابة تكون غالباً قصيرة ومتكررة وغير مكتملة، يتم اعتبار النقوش “لهجات” للغة عريية قديمة واحدة، ويضم هذا القسم من المشروع اللهجات التايمانية والدادانية والحسيتية والسافيتية واليسماوية والتامودية.

ويقسم المختصون اللغة العربية القديمة إلى قسمين: شمالي وجنوبي، وتضم العربية الشمالية القديمة التامودية والتيمائية، بينما تشمل الجنوبية السبئية والقتبانية والحضرمية والمعينية.

ورغم أن هذه اللغات القديمة اندثرت وبقيت العربية الفصحى الحديثة، لكن بقيت النقوش القديمة والنصوص التاريخية مثل نقش النمارة الذي يعود لبداية القرن الرابع الميلادي، وتعد لغته الأقرب للفصحى الحديثة لكنه مكتوب بالخط النبطي القريب من الخط العربي الحالي.

ومن بين النقوش القديمة نقش الفاو عاصمة مملكة كندة والتي كتبت بالخط المسند بلغة قريبة من السبئية في القرن الأول قبل الميلاد، وفي صحراء النقب كذلك وجد نقش يعود تاريخه للقرن الأول أو الثاني بعد الميلاد مكتوبا بالكتابة النبطية.

تتضمن العربية الجنوبية العديد من اللغات أبرزها السبئية التي يعرفها الباحثون جيداً لوجود مئات أو آلاف النقوش المتبقية بها، وتوجد كذلك اللغة المعينية التي استخدمها المعينيون منذ القرن الثامن قبل الميلاد، ووجدت نقوشها في مدائن صالح وغيرها.

ويضم مشروع الأرشيف الرقمي كذلك مجموعة مختارة من النقوش من مناطق مختلفة من المملكة النبطية، من جنوب سوريا إلى شمال الجزيرة العربية، سيتم إدخالها في قاعدة البيانات للمشروع. وسوف تشمل نصوصا مهمة كذلك من البتراء وحوران، ونظرًا لأن 90% من النقوش النبطية هي كتابات على الجدران، سيجري أيضًا إدخال مجموعة مختارة منها في قاعدة البيانات حتى يتم تمثيلها.

ويقول القائمون على المشروع إن إنجازهم الأكبر على مدار خمس سنوات كان إنشاء فهرسة رقمية لمواد قديمة تتراوح بين كتابات بلغات سامية مختلفة تعد سلف اللغة العربية المعاصرة، وبين قطع أثرية عليها نقوش وكتابات، وجمع كل ذلك في قاعدة بيانات تتيح إجراء عمليات بحث على العديد من المستويات، وتركز الرقمنة على وصف ميزات النصوص (اللغة والنقوش النصية وما إلى ذلك) وعلى تسجيل البيانات ذات الصلة مثل معلومات عن المواد المستخدمة (الحجر والطين إلخ) وكذلك نسخ النص وترجمته.

ويتاح لمستخدمي الأرشيف الرقمي الوصول إلى النقوش عن طريق فهارس مختلفة، ويمكن تحسين النتائج باستخدام المرشحات، ويتم تصنيفها حسب اللغة ونص الكتابة.

وأقيم المشروع التابع لجامعة بيزا بتمويل من برنامج التعاون عبر حدود الأبيض المتوسط التابع للاتحاد الأوروبي، ويستعين بخبرة فريق دولي متنوع من الشركاء من بينهم جامعة اليرموك الأردنية، ومركز للتراث في لبنان، ومعهد دراسات الشرق الأدنى القديم بجامعة برشلونة، وشركة ماجو للإنتاج من إسبانيا، ويهدف لتعزيز معرفة وفهم النقوش والمنحوتات الفينيقية والنبطية، وتشجيع جهود المجتمعات المحلية للحفاظ على هذه القطع القيمة من التراث.

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،