مركز طبي يخدم آلاف المقدسيين مهدد بالهدم الإسرائيلي

اعتاد المقدسيون أخبار هدم المنازل أو المنشآت التجارية اليومية، لكن صدمة تُخيم مؤخرا على آلاف منهم تلقوا خبر هدم إسرائيلي وشيك للمركز الطبي الذي يعالجون فيه منذ عقد ونصف العقد في بلدة سلوان (جنوبي المسجد الأقصى المبارك) بحجة “البناء من دون ترخيص”.

ويقدم المركز -المعروف بمركز “عين اللوزة الطبي”- الخدمات لحملة تأمينه الصحي، ويزيد عددهم على 6 آلاف، منذ عام 2005. وأنشئ في طابق أرضي ببناية تعود لعائلة الرجبي التي تستهدفها بلدية الاحتلال الإسرائيلي كاملة بالهدم.

يسألون عن علاجهم
زارت الجزيرة نت المركز الطبي وبناية عائلة الرجبي، حيث ما يزال المرضى يتوافدون إلى المركز، منهم من آثر الصمت ومنهم من تحدث يائسا مع الطاقم الطبي والإداري مستفسرا عن مصير رحلته العلاجية، وآخرون عبّروا عن غضبهم الشديد تجاه قرار الهدم.

بعض سكان المنطقة اعتادوا الحصول على العلاج هنا منذ 16 عاما، ومنهم أنسام منصور التي تتلقى الخدمات الصحية مع زوجها وأطفالها التسعة في المركز منذ افتتاحه.

وتقول أنسام إنها لم تفكر يوما في الانتقال إلى مكان آخر للعلاج، لأن علاقة عائلية نشأت بينها وبين طاقم المركز، الذين يصل عددهم إلى 28 موظفا وموظفة بين أطباء متخصصين وممرضين وإداريين.

جزء من مصاب القدس
ومع تواصل المراجعات الطبية، انهمك المؤسس والمدير الطبي لمركز عين اللوزة الطبيب عماد شبانة في طمأنة مرضاه، وفي التواصل مع إدارة “صندوق المرضى” التابع لوزارة الصحة الإسرائيلية، في محاولة لتأجيل الهدم.

وفي حديث للجزيرة نت، قال شبانة “وجودنا في سلوان لا يقتصر على تقديم الخدمات الطبية فحسب، بل نرى أنفسنا جزءا من النسيج الوطني ومصاب عائلة الرجبي وكل العائلات المهددة بالتهجير بسبب هدم منازلها، هو مصابنا جميعا”.

وأوضح شبانة أن المركز لا يقدم خدمات للمؤمّنين صحيا فقط، بل أيضا للأزواج المختلطة (المقدسي المتزوج من الضفة الغربية والعكس، وكلاهما يحمل بطاقة هوية مختلفة)، الذين يُحرم أطفالهم من التأمين الصحي (كون هوية أحد الوالدين ليست مقدسية بل من السلطة الفلسطينية)، ويحرص المركز على عدم فقدانهم حقهم في العلاج.

يقول مدير المركز “جزء كبير من مرضانا يشعر حاليا بالتشتت، والتذمر هو سيد الموقف، لكننا ننظم زيارات لمنازلهم ونطمئنهم بأن خدماتنا لن تنقطع ولو ساعة حتى وإن هُدم المركز”.

تجهيز بديل
المدير الإداري للمركز إياد الرويضي يعمل مع بقية الموظفين كخلية النحل، لا يكاد يجلس خلف مكتبه حتى ينهض لتلبية طلب مريض أو تحويل آخر للمستشفى أو مساعدة ثالث في الحصول على أوراق طبية مصدّقة.

الرويضي قال إن المحامي أبلغهم قرار الهدم الوشيك للمبنى، فتحركوا فورا لتجهيز مقر آخر لا يبعد كثيرا عن الأول، لكنهم في الوقت ذاته تواصلوا مع عدة جهات لإيقاف الهدم أو تأجيله على الأقل.

وأضاف بمرارة “وصل الاحتلال إلى حد استهداف المراكز الصحية التي تخدم المقدسيين، ونرد عليه بالقول إن ذلك سيزيدنا قوة وتقدما وإصرارا على خدمة أهالي المدينة”.

خسائر ومخالفات
في هذه الأثناء، بدا صاحب البناية صهيب الرجبي منهكا، بعد أن بات يتناوب مع أشقائه الثلاثة ساعات النوم خشية إقدام الاحتلال على تنفيذ الهدم بشكل مفاجئ.

وقال الرجبي للجزيرة نت إن العائلة اشترت الأرض في حي عين اللوزة عام 2002، وأقامت عليها بناية من 3 طوابق، واستأجر المركز الطبي الأرضي منها، في حين خُصص الطابقان الآخران لسكن أفراد العائلة الذين يبلغ عددهم 30، بينهم 12 طفلا.

ومنذ تشييد البناء، تحاول العائلة استصدار تراخيص من بلدية الاحتلال التي تفرض شروطا تعجيزية، ومنها اضطرار العائلة إلى دفع نحو 111 ألف دولار أميركي مخالفات بحجة “البناء غير المرخص”، لكن كل هذا لم يحمِ البناية من الهدم، كما يقول الرجبي.

اضطرت العائلة الآن لإيداع (16 ألف دولار أميركي) في خزينة الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة لتأجيل الهدم الوشيك، وليمكنها الاستئناف ضد قرار هدم المبنى خلال الأيام القريبة.

ويخفي صهيب الرجبي خلف صلابته في الحديث مع وسائل الإعلام قهرا عميقا، ويقول “أنظر لجدران المنزل من حولي وأتساءل هل سيكون هذا اليوم الأخير الذي تأويني به وأسرتي هذه الجداران؟ لا شيء أقسى من تهجيرنا من هذه البلدة التي ولدنا وترعرعنا فيها”.

قرارات إبادة
رغم انعدام الأمن مع اندلاع المواجهات اليومية في بلدة سلوان، وتثبيت كاميرات مراقبة مقابل البناية بشكل انتهك خصوصية العائلة، فإن الرجبي يرفض الرضوخ لمحاولات الاحتلال لإرغامهم على هدم منازلهم ذاتيا، أو الرحيل عنها طوعا تمهيدا لهدمها.

ويصعد السلالم مع شقيقه فراس للتخفيف عن والدتهما التي تجلس عاجزة عن حماية أبنائها وأحفادها، وعن الإجابة عن أسئلتهم المتكررة حول مصيرهم.

تقول أم فارس الرجبي “يسألني أحفادي يوميا هل سيهدمون منازلنا؟ وأجيبهم “لا”، لأنني أخشى أن يتسلل الخوف الذي يتملكني للأطفال.

وتملك عائلة الرجبي منزلا آخر في حي بطن الهوى بالبلدة المقدسية نفسها، لكنه مهدد بالإخلاء لصالح المستوطنين أيضا. وتقول الأم “نواجه قرارات بإبادة وجودنا من هذه البلدة المجاورة للمسجد الأقصى”.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".