ما الرسائل الروسية من قصف مدينة “الباب” شرق حلب وما موقف تركيا ؟

شنت الطائرات الحربية الروسية مساء يوم أمس الأربعاء غارتين جويتين على الأحياء السكنية في مدينة “الباب” بريف حلب الشرقي، والتي تخضع لسيطرة كل من الجيشين الوطني السوري والتركي ضمن منطقة “درع الفرات”، ووفقاً لمنظمة الدفاع المدني السوري فقد أدى القصف لوقوع 9 إصابات من المدنيين، بينهم طفل بحالة حرجة، فضلاً عن الأضرار المادية التي لحقت بممتلكات السكان .

و يعتبر قصف مدينة الباب من قِبَل سلاح الجو الروسي أمراً نادراً وتطوراً بارزاً في الملف السوري، كونها تخضع منذ عام 2017 للسيطرة التركية، بعد معركة شنتها إلى جانب الجيش الوطني السوري ضد تنظيم الدولة.

و منذ أسابيع كثف الطيران الحربي الروسي وطيران الاستطلاع من تحليقه في أجواء منطقة “درع الفرات”، بدءاً من مدينة “أعزاز” شمال حلب حتى مدينة “الباب” شرقها، كما استهدف صاروخ يرجح أن طائرة روسية أطلقته منطقة “نبع السلام” شمال شرقي سوريا ، والتي تخضع لسيطرة تركيا والجيش الوطني أيضاً.

و ذكر المتحدث باسم الجيش الوطني السوري الرائد “يوسف حمود” أن الطيران الحربي الذي استهدف مدينة الباب أمس هو بالفعل روسي، مضيفاً أن قصف المدينة في هذا التوقيت مرتبط بأسباب عديدة منها متعلق بالتطورات داخل سوريا، وأخرى بالتطورات خارجها.

▪ما الرسائل الروسية؟

القصف الروسي على مدينة “الباب”، جاء على خلفية تطورات مرتبطة بالعلاقة بين موسكو وأنقرة داخل سوريا وخارجها، وأشار الباحث السوري “فراس فحام” إلى وجود عدة ملفات خلافية بين الطرفين، وربما يكون أبرز ما يستفز الروس هو ازدياد حجم التنسيق بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بملفي سوريا وليبيا، وهو ما يمكن أن يهدد مسار التنسيق بين أنقرة وموسكو، ويُذهب جهود الأخيرة في سوريا باستقطاب تركيا سدى.

و لفت إلى أن تركيا أبدت مؤخراً تعاوناً واضحاً مع العقوبات الأمريكية التي فرضتها ضد نظام أسد بموجب قانون “قيصر”، حيث عملت على ضخ عملتها شمال غربي سوريا، كما لم تندفع للإسراع في تنفيذ بنود التفاهم مع روسيا والمتعلق بافتتاح الطرق الدولية والتجارة المشتركة.

كما أن روسيا ربما فسرت استهداف الآليات الروسية خلال الدورية المشتركة مع تركيا (رقم 21) على طريق M4 بإدلب، بواسطة سيارة مفخخة، على أنه تراخٍ تركي في تنفيذ الالتزامات الخاصة باتفاق موسكو (5 آذار)، ونوع من التواطؤ لضرب الوجود الروسي في المنطقة.

و يشير “فحام” إلى أن المشهد في ليبيا لا يبدو أقل استفزازاً لروسيا، خاصةً مع زيادة التناغم بين تركيا وأمريكا، وسعي الجانبين للعمل بشكل واضح ضد المصالح الروسية هناك، والتي تتركز على بسط السيطرة على منابع النفط والغاز وتحديداً “حوض سرت”، وهو ما من شأنه التحكم بإمدادات الطاقة نحو الدول الأوروبية .

و أضاف : “آخر فصول التناغم تمثَّل في زيارة وفد أمريكي لمنطقة بنغازي حاملاً معه عرضاً ينص على انسحاب قوات “حفتر” من سرت، ودخول قوات دولية برعاية الأمم المتحدة للمنطقة، أو سيكون الخيار عملية عسكرية لحكومة الوفاق الوطني بدعم تركي، في وقت نشر فيه الجيش التركي طائراته المسيّرة في قاعدة مصراتة تمهيداً للعملية” .

و تهدف روسيا من التصعيد العسكري ضد تركيا إلى دفع مسار تنفيذ التفاهمات المشتركة نحو الأمام، وفي هذا الحالة لن يتجه المشهد للمواجهة العسكرية الواسعة بالضرورة ، كما لا يمكن استبعاد تصاعد وتكرار الرسائل بين الجانبين، بأشكال مختلفة أحدها استهداف نقاط الجيش التركي عبر نظام أسد .

▪استهداف “درع الفرات” تصعيد خطير

قال القيادي في الجيش الوطني السوري “مصطفى سيجري”: إن قصف روسيا لمنطقة عمليات “درع الفرات” شمال سوريا يعتبر تصعيداً خطيراً وله دلالات متعددة ، حيث يعني ذلك استهداف التواجد التركي بشكل مباشر، كون المنطقة تحت الإشراف التركي حسب التفاهمات بين الجانبين .

و لا يمكن قراءة القصف الروسي على مدينة الباب إلا في سياق التصعيد ضد الأتراك، وقد جعل الروس من إدلب طوال الفترة السابقة -صندوقاً- للرسائل النارية -حسب سيجري” أن التعاطي مع الواقع السوري من قِبَل الأتراك والروس لم يعد ممكناً بمعزل عن باقي القضايا العالقة أو المختلف عليها بين الطرفين، لذلك بات الروس يتعمدون التصعيد في سوريا رداً على الخسائر التي يتكبدونها في ليبيا وغيرها .

و يضيف : أن الأتراك يريدون ومن خلال تحركاتهم في ليبيا أن يردوا الصاع صاعين للروس، على اعتبار أن روسيا لطالما ضغطت على الأتراك بدعوى أن التواجد التركي في سوريا “غير شرعي” لأنه لم يأتِ بطلبٍ من حكومة أسد “الشرعية” والمعترف بها للآن من الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، واليوم بات التواجد التركي في ليبيا شرعياً، وهذا على خلاف التواجد الروسي غير الشرعي لأنه لم يأتِ بطلبٍ من الحكومة المعترف بها دولياً.

و عليه يمكن فهم هذا التصعيد على أنه محاولات إضافية للضغط على الأتراك أكثر، والتلويح بإمكانية نقض التفاهمات حول الملف السوري، كرد فعل على الانتصارات التركية في الملفات الأخرى، وفي ذات السياق يمكن فهم التطورات الحاصلة أيضاً بين أرمينيا المدعومة من الروس وأذربيجان المدعومة من الأتراك .

▪ما الموقف التركي؟

أفاد “سيجري” بأن أنقرة تدرك بكل تأكيد أبعاد هذا التصعيد، ويمكن اعتبار المعركة غير المباشرة مفتوحة بين الطرفين، وقال: “من جهتنا نستمر بالتنسيق والتشاور مع الحلفاء في الجمهورية التركية لبحث خيارات المرحلة القادمة”.

و لفت إلى أن فصائل الثورة و الجيش التركي في خندق واحد اليوم ضد قوى الإرهاب والاستبداد ، و في مواجهة “قوى الاستكبار والاستعمار الطامعة بثروات المنطقة”، مشيراً إلى أن التنسيق بين تركيا والجيش الوطني مستمر وعلى أعلى المستويات.

و استطرد القيادي في الجيش الوطني السوري بأن المعركة طويلة ولا بد من التضحيات والتكاتف والتلاحم، مضيفاً : “اليوم باتت المفاصلة بين قوى الشر وقوى الخير واضحة للجميع، والشعب السوري قد حدد خياراته .

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،