ما استوقفني في كأس العالم قطر..

(ولا تبخسوا الناس أشياءهم)

البخس هو عدم إعطاء الشيء أو الأمر أو الحدث قيمته المادية أو المعنوية فعلا أو كفا إيجابا أو سلبا..

فالبخس فيه معنى النقص والإنقاص وعدم الإنصاف والظلم والقلة والفقئ والغش والتطفيف..

عدم الاعتراف هذا، أو تعمد الظلم قد يكون بالفعل، بكل أساليب الكذب والتشويه والتشويش والتضليل وسوء الظن والكذب والافتراء واللمز والهمز والحقد والتعريض والتحامل والتزوير والوقوف عند الهفوات وانتظارها والازدواجية بالإشادة بصغير عمل الغير، وإنكار كبير عمل المبخوس..
ويكون البخس من جهة الكف، وذلك بالإهمال والتجاهل والانصراف وعدم الاعتراف وغض طرف الإعجاب والتجاوز والكف عن كل تصرف يظهر اهتماما وتقديرا..

هذا كله ينم عن سوء طوية وحقد وغيظ وحسد وكراهية، وانحراف وميل وعدم توازن..

لذلك ما قامت به #قطر من إعدادات وإنجازات قبل وأثناء #كأس_العالم، بغض النظر والإشارة والحديث عن القصد والغاية، فمن البخس الوقوف عند القصود ومحاولة تأويلها وتفسيرها وتفتيتها وتفكيكها، وغض الطرف عن المنجز الحسي والعملي وتجاهله وتجاوزه وعدم الوقوف عنده وهو ظاهر باد بقدر الوقوف عند القصد وهو في الغالب مكنون غائب..!!

فهذا في حد ذاته بخس وأي بخس.. أن تقف عند الغائب والمكنون والبعيد تفصيلا وتأويلا وتدقيقا وتحقيقا وحديثا وتشقيقا، وتترك الظاهر البادي وتنصرف عنه ولا تتحدث عنه وإن تحدثت فبوجازة واختصار!!

لن اتحدث هنا عما أنجزته قطر في جانب البنية التحتية..
لن أتحدث عن اهتبال قطر لهذه التظاهرة العالمية للتعريف بالإسلام والإشادة به..

لن أتحدث عن الإمكانات التي رصدتها قطر للإيفاء بالوعد، والقيام بهذه الاستضافة أحسن قيام، بإحسان وإتقان..

وكل ذلك يستحق وقوفا وإشادة، حتى لا نكون من الباخسين، أو نقوم بلون من البخس، وإن كان البعض قد ينتقد كل ذلك في إطار اقتصادي أو تدبيري كهدر المال فيما هو ليس بأولى، أو في إطار سياسي محض، أو في إطار تلميع إعلامي، وإن كانت تعوزه الإحصاءات، والدراسات والحقائق فيقع في لون من البخس..وقد يكون لذلك وجهة نظر إن كان مدعوما بالأدلة والحقائق والحجج..وليس مجرد بخس ولأجل البخس!!

ولكن الذي استوقفني في زمن الانبطاح والركوع والانسلاخ والانفتاح والانفلاخ، هما أمران اثنان:

الأول- إلزام الزائر ودعوته إلى الاحترام..
الثاني- قول (لا)

فالأمران وجهان لعملة العزة والكرامة المفقودة في هذا الزمان!!

الأمر الأول- إلزام الزائر ودعوته إلى الاحترام..
لقد تعود الجنس الأوروبي والأمريكي خاصة أن يلج بلداننا ويطأ ترابنا، دون اعتبار أو احترام أو سابق شرط أو تنبيه ولو بشكل شكلي، محملا بحمولته الاحتلالية، وكأنه يزور ضيعته الخاصة التي سيفعل فيها ما شاء، وسيستقبله خدمه مرحبين يفعل ما شاء، ويتحدث بما شاء، ويلبس ما شاء، ويأكل ما شاء ويصول ويجول دون قيد أو شرط، ودون اعتبار لدين أو ثقافة أو عادة أو عرف أو قانون، مطبقا حرفا لمفهوم “الاستعمار” وكأن هذه البلاد كانت خالية خاوية على عروشها، فجاءها وعمرها وأحياها، وبالتالي فهي أرض موات صارت في ملكيته وتحت سلطته، قد أسبغ عليها فتات نعمه، ومنحها فرصة الحياة!!

والذي عوده هذه العادة هو ذلك الداعي والمستقبل، الذي يصرح له ويقول له: الأهم هو إقبالك، وولوجك ودخولك ودولاراتك وأورواتك، أقبل ولا تخف، ولا تهتم، فلا قيد ولا شرط، أقبل فكأنك في بيتك، بل أكثر من ذلك، ما قد لا تجده عندك، سنوفره لك، ما قد يرتفع ثمنه عندك، ستجده عندنا بأبخس الأثمان، افعل ما شئت، قل ما شئت، البس ما شئت، افعل ما شئت، فلا لوم ولا قانون ولا عرف ولا دين ولا خلق، فما أبحته فهو المباح، وما حرمته فهو المحرم، وما يعجبك هو الحاضر، وما تكرهه فهو المخفي المطمور..الأهم هو إقبالك ودخولك ووطؤك !!!

هذا ما جعل ذلك المقبل الزائر – الأوروبي، والأمريكي خاصة- يتفاجئ ويستنكر ويندد ويهاجم، لأنه تعود أو يلج هذه الدول التي لم يرض أن تكون ثانية، بل هي ثالثة، جعل بينه وبينها حاجزا ومانعا، ينبغي أن يبقى ويستمر فهم العالم الأول، والباقي هم العالم الثالث، مع وضع وكلاء لذلك الاستمرار..
تعود أن يلج دون قيد أو شرط أو سابق تذكير.. فبعد أن مرر هذه الاستضافة، وقرر أن يحضرها فوجئ بأن هذه البلاد، فيها شعوب، نعم فيها شعوب!! هذه الشعوب عندها خصوصية، عندها دين وأعراف وتحفظات وقوانين خاصة، وقد يكون عنده علم مسبق بكل هذا، ولكن الذي زاده مفاجأة هو قرار المطالبة باحترام تلك الخصوصية، لأنه تعود بأنه لا خصوصية إلا خصوصيته، وغيره مباح مداس!! هذه المرة تفاجأ بأن قطرا من تلك الأقطار يطالبه بكل أدب ورقي، باحترام تلك الخصوصية، ويدعوه إلى التعرف على تلك الخصوصية وتجريبها!!وذلك في إطار احترام حقوق الإنسان والديمقراطية واحترام قرار الشعوب في تقرير مصيرها وطريقة عيشها..!!

هذا ما جعل الساسة منهم ينتفضون ويولولون ويهولون، ويسلطون أبواقهم الإعلامية والصحفية والحقوقية للتنديد والاستنكار والتحامل والبخس والظلم والاعتداء..
لماذا؟ لأن قطرا من تلكم الأقطار المباحة قرر أن يكون له قرار، وأن يحذف جانبا من جوانب تلك الإباحة، وأن يطبق رسما من رسوم تلك السيادة ولو شكليا!!

الأمر الثاني هو قول (لا)
مما تعود عليه الغرب، هو قول (نعم) مع هز للرأس، ومع تفان واجتهاد في تلك الإجابة والاستجابة، (نعم) لكل قول او فعل أو ظاهرة أو تصور أو قانون أو اتفاقية..

هذه ال(نعم) استمرؤوها وتعودوا عليها، حتى صاروا لا ينتظرونها، ولا ينتظرون لفظها، فهم يأتون بكل حمولتهم وتصرفاتهم وأفكارهم واجتهاداتهم، وال(نعم) حاضرة جاهزة، لا رفض ولا امتناع ولا تمنع، افعلوا ما شئتم، وقولوا ما شئتهم، بل نستبق طلباتكم ورغباتكم، ونجتهد في ذلك ما استطعنا إليه سبيلا..

فلما وجدوا (لا) لبعض تلك الرغبات أقاموا الدنيا ولم يقعدوها،
نحن من يقول (لا)
نحن من يشترط..
نحن من يرفض..
وليس أنتم..

هذان الأمران – طلب احترام الخصوصية، وقول (لا) – قد يردان من بعض الدول في بعض الاتفاقيات، ولكن الذي جعلهما هنا ظاهران واستثنائيان ومرفوضان، هو تطبيقهما في تظاهرة كبيرة الأصل فيها هو حاجة البلد المستضيف إلى إقبال الجماهير، لأن ذلك أساس في نجاحها، وما يستتبع ذلك من استقطاب إعلامي ودعائي واقتصادي وسياسي، فالأصل أن تحذف كل تلك الاشتراطات والمطالبات واللاءات.. ظاهرة مصمما عليها!!

هذا ما استوقفني في هذه الاستضافة الفريدة من نوعها، والتي يستحضر فيها المسلم بعض تلك الخصوصية ، وبعض تلك العزة والكرامة المفقودة!!

لذلك لا ينبغي ان نبخس دولة قطر حقها على الأقل، في هذين الأمرين..

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".