ماذا يجب أن نفعل للخروج من المحنة؟

خلاصة الرسالة الإصلاحية للشيخ حازم أبو إسماعيل للخروج من المحنة

1️⃣ إن أول واجب علينا أن نعيد التعرف على قرآننا ورسولنا من جديد، وأن نعترف بتقصيرنا اتجاههما، وأن نعاهد الله أننا من اليوم وصاعدا سنُـعامل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالاحترام اللائق له كقدوة وحيدة نتلقى منه مناهجنا، ونبحث في سطور وصاياه عن حلول لأزمتنا الحضارية، قبل أن نبحث في أي مكان آخر.
فرسول الله الخاتم صلى الله عليه وسلم لم يغادر دنيانا حتى ترك لنا خريطة واضحة المعالم لإخراج أنفسنا ومجتمعاتنا من الظلمات إلى النور، وهذا هو جوهر السنة النبوية الشريفة كلها، بل هو أصلا معنى كلمة “سنّة” أي الطريقة، الطريقة التي تعمل بها روح هذا الدين في إصلاح الإنسان والمجتمع، فيجب علينا إذَا التعرف عليها، ليس من أجل المعرفة وحسب، وإنما من أجل العمل بها وتحقيقها في أنفسنا وفيمن نحب.
وهذه هي نقطة البداية وليست كامل الحل.

2️⃣ في ضوء ذلك الهدي النبوي والقرآني علينا أن نراجع باستمرار نفوسنا وأفكارنا وخياراتنا، وأن لا يصرفنا الحزن المستحق، والعاطفة الواجبة، أن نتعامل مع أسباب أزمتنا بشكل سًنني صحيح، فنتتبع الأسباب والنتائج، لنعرف الدروس ونستبصر للمستقبل. ونتعلم لكي نعمل لا لكي نتجادل ونتخاصم.

3️⃣ علينا أن نعلم أن أي حركة إحيائية إصلاحية تنبتُ من ظلال القرآن الوارفة، وتقصد اتباع النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تكون مهمتها الحقيقية هي تزكية النفوس الإنسانية، والتزكية ليست دروشة ولا تصوفًا سلبيًا كما يتخيل البعض، وإنما التزكية هي تعديل البشر فكرًا وسلوكا وشعورا على مقتضى مراد الله سبحانه وتعالى، وهذا هو عمل الأنبياء، ومهمة هذه الأمة الخاتمة الوارثة لهم.
ومن ثم فإننا نعتقد أن أي بداية سياسية تتجاوز مهمة معالجة النفوس، او تتجاهل مدارسة القرآن كعمل أساسي لها، فإنها سوف تؤول إلى الفشل عاجلًا أو آجلا، لأن وقود روحها لن يقوى على تحريك عجلاتها في هذا الواقع المادي الصعب. وهذا هو السر – في تصورنا – في عدم قدرة الشباب في العالم العربي على استئناف أي مشاريع إيمانية نهضوية منذ انهيارات وانتكاسات 2013\2014، على الرغم من كثرة العدد والموارد.

4️⃣ يجب أن نعلم أن نفوسنا هي أغلى مانلمكه في هذا الوجود، وأن تصرفنا فيها هو محط امتحاننا في الدنيا، يقول تعالى ( ونفس وما سواها … قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دسّاها) (من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها) ، فعندما يسير أحدنا في سبيل الإصلاح الجماعي، فيجب أن يعلم أنه في الحقيقة يبحث عن خلاص نفسه، والوفاء بعهده هو مع الله، لأن الله يقول ( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ) ويقول ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها)
ونحن نحتاج لهذا المعنى أن يترسخ في قلوبنا، لكي يُقلقنا ” السعي” أكثر مما تقلقنا ” النتائج” ، ولايكون من السهل علينا أن نترك مواقعنا لأن نصف المجتمع صار يكرهنا، فنحن لسنا ” نشطاء” نعتزل أعمالنا لما نتعب أو لما ينهزم حزبنا.
نحن أصحاب رسالة وحق، وحياتنا هي امتحاننا، ووجودنا في الواقع العربي القاسي، وفي هذه اللحظة الصعبة هو مُعطى من معطيات هذا الامتحان، ويجب علينا أن نتعامل معه بالشكل الصحيح كعبيد لرب العالمين، هدفهم هو أن يعبروا إلى الحياة الحقيقية ( الآخرة) وقد استفرغوا وسعهم وجهدهم، أملا في أن ينالوا من رب العالمين الرحمة والرضوان.

5️⃣ إن قضية ” معرفة الله والانحياز له” يجب ان تكون على رأس إصلاحنا الاجتماعي والدعوي والسياسي والمعرفي، وبها نـُحاكم التجارب البشرية نجاحًا وفشلًا. ولأجلها نصفّر كل الخلافات، على أساسها نتقارب مع الآخرين أو نتباعد.
إن علامة نجاح دعوتنا هو أن نرى الزاني وشارب الخمر وقد ركب في قطار قضية المسلمين، لأنه صار يشعرُ أنها قضيته هو، وأنه بالتضحية لأجلها يرجو الرحمة والمغفرة، وأننا لا نخاطب الناس بأي قضية فرعية ولا إشكالية فقهية أو كلامية، ولكن بمعنى الحياة وبمهمتهم في الوجود.
يجب أن يحمل مسؤولية هذه الرسالة كل من نستطيع أن نصل إليه من أهل لا إله إلا الله، فهي ليست قضية نخبة، ولا مشايخ، ولا دعاة، وليس لأهلها زي معين، ولا شكل معين، ولا لسان معين، ولا مستوى اجتماعي ولا ثقافي معين، ولا طبقة معينة، ولا جماعة معينة، بل هي قضية الجميع، إنها قضية الأمانة الإلهية التي كلفها الله للإنسان، قضية طرفها في يد الإنسان على الأرض، وطرفها الآخر عند الله في السماء. ولا يوجد واسطة بن الطرفين، فعلينا أن نرقي خطابنا الدعوي لهذا المستوى حتى نستطيع إحداث التصالح النفسي والروحي داخل مجتمعاتنا، ونتمكن من عزل خصومنا الحقيقين عن الناس.

6️⃣ يجب علينا أن نُحـدّث أنفسنا وجماهيرنا دوما بالواجب عليهم، قبل الحق الذي لهم، لأن الناس مازالوا يعتقدون أن هناك معركة واحدة، أو رجلا واحد، أو شيئا واحد، أو خروجا واحدًا سوف يأتي فيحل لهم مشاكلهم كلها، مما ينشيء على الدوام نفوسًا ضجرة، قليلة الصبر، لا تقدر على حمل فكرة صحيحة، ولا تفهم معنى الحياة.
لذا يجب أن يعلم كل من يؤمن بفكرتنا أنها لن تصير أبدًا واقعًا في حياة الناس حتى نقتسم جميعا المسئولية المشتركة عليها، بذلًا وعملًا وتضحيًة.

7️⃣ إن صورة المسلم الفرداني المحزون الذي يسكن خلف الشاشات، ويؤدي ماعليه من صلوات، ويشاهد مقطعين وفيلمين وتلاوتين، ثم ينام مرتاح الضمير؛ هي صورة مزورة للإيمان وللتدين. ويجب علينا إصلاح هذه الصورة عبر مقاومة النزعة الفردانية المتنامية في دواخلنا، وهو الامر المستحيل دون أن نصنع لأنفسنا – كل واحد فينا يصنع لنفسه – صحبة صغيرة من أصدقائنا أو أقربائنا أو حتى أزواجنا وأبنائنا، نجلس فيها إلى القرآن الكريم جلسة أسبوعية ثابتة، نتعلم فيها عن الله وعن رسوله، نتعلم لنعمل ونترقى ونجتهد، لا لنتجادل ونتفلسف.
إن واجب الوقت هو أن نبني الشبكة الاجتماعية اللامركزية لدعوتنا، الشبكة التي تعمل وتنمو وتتطور تلقائيًا بُـجهد كل واحد فينا، ولا يستطيع أحد إيقافها أو حصارها.

8️⃣ علينا جميعًا أن نوقف حالة الكذب على أنفسنا، فلا نعود نسأل الأسئلة التي تُـرضي غرورنا المعرفي ولا تؤثر في جدول يومنا، يجب علينا أن نتوقف عن الأسئلة التي تجعلنا نبدو كباحثين عن الحقيقة، بينما نحن نفر من أقل القليل الذي نقدر عليه في يومنا وليلتنا، ولا نفعل ما جعله الله في وسعنا وطاقتنا.
يجب أن نتوقف عن السؤال التالي: كيف نحل أزمة المسلمين؟ وماهي خطتنا للمواجهة الثورة المضادة والعسكر والنظام العالمي وأعداء الإسلام … إلخ؟
ليصبح السؤال كالتالي : ماذا أفعل أنا لقضية المسلمين، ولأولياتها، وفق طاقتي وقدراتي ومواهبي وسياقي الزماني والمكاني ؟ ماذا أفعل أنا ليراني ربي عامًلا فيرضى علي فآتيه يوم القيامة وهو راض عني ؟ وكيف أصوغ جدول يومي بناء على ذلك ؟
ثم كيف أتقارب مع من يشبهوني ؟ لكي يجتمع جهدي الصغير مع جهدهم الصغير ليصنع صرحًا ينهض بهذه الأمة ؟ ويحل لها كذا وكذا وكذا من أزمتها.

9️⃣ إن واجب الوقت أن يستقر في يقيننا أنه ليس هناك حلٌ سحري نتوقعه عندما نقول ” ربنا سيفرجها”، وليس هناك حلً آني سريع لأمة راقدة ويُحاربها الجميع، بالدولار والدبابة والقلم في نفس الوقت! .. ليس هناك بطل ننتظره سيأتي لنا من السماء، ولا جماهير مخفية ستنبعث من تحت الأرض، ولا قوى خارجية ولا داخلية ستساعدنا. وليس هناك تنظيم ننتظر منه الخلاص ونطالبه بعمل، وليس هناك جماعة نلومها صباح مساء لنحملها عجزنا وفقرنا، ثم نمضي في باقي يومنا مرتاحي الضمير..
لقد انتهى كل هذا، والمعركة الآن تدور حول مصيرك أنت، ومصير ابنتك وإبنك ومن تحب في هذه الدنيا، فتعامل معها كجندي، يبذل أقصى ما يستطيعه، ويستفرغ كل مافي وسعه، لينتصر في معركته هو، مع الشيطان والهوى، وجنودهما من بني الإنسان.
جندي لا أحد يُراقب عمله إلا الله، ولا أحد يرجو فضله وثوابه إلا الله، ولا أحد يسعى لإرضاءه إلا الله، ولا أحد ينحني له إلا الله ..

🔟 هذه الإصلاحات سوف تؤدي تلقائيًا إلى خفوت نجم المنتفعين والمتسلقين ضعاف النفوس في صفوفنا، لأننا سنصبح أشخاصا أعظم مسؤولية، وسنصبح أقدر على وزن الناس، وبالتالي ستفرز الأحداث الديناميكية – من رحم التعب والابتلاء والإنجازات والإخفاقات – قياداتنا الجديدة التي يمكن لنا أن نثق بها ونسير خلفها، ونجتمع عليها ونجمع عليها الناس.

هذه هي خلاصة الرسالة الإصلاحية للإمام الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل فرج الله عنه كما فهمناها، واستللناها لكم حُبا وشفقة من عشرات – وربما مئات – الدروس، نظرًا لكثرة سؤالنا عن مصير الشيخ منذ استشهد الرئيس مرسي رحمه الله ..

والله الغالب على أمره و لكن اكثر الناس لا يعلمون.

شاهد أيضاً

ممرضتان تكشفان للجزيرة نت فظائع مذابح الاحتلال بمجمع الشفاء في غزة

وبعد انسحاب الجيش من المنطقة، تعود هبة إلى المكان، لتفقد مخلفات الفاجعة التي غيّرت حياتها إلى الأبد. وتسرد الشابة الفلسطينية قصتها للجزيرة نت وهي تشير بيدها "نحن الآن في الغرفة التي أعدموا فيها عائلتي، أمام عيني. باب الغرفة كان من هذا الاتجاه، كانت هنا الكومدينو والمرآة.. أهلي كانوا مباشرة أمامي هنا في هذا المكان، كلهم كانوا، هنا صار الحدث الذي قلب حياتي".