ماذا بينك وبين ربك يا مرسي؟!

سليم عزوز: صحافي من مصر

هذا ليس «حمدين صباحي»، لكن هذه هي الـ «بي بي سي»، وقد راعني أن المقابلة معه لم تتم عبر سكايب أو عبر الهاتف، مع محاوره في الأستوديو، كما تفعل «الجزيرة» مع ضيوفها من القاهرة، فليس لـ «الجزيرة» مكتب في المحروسة، وليس لها أن تتعامل مع شركات البث المباشر، فقد تم إغلاق المكتب بالضبة والمفتاح، وعوملت القناة، معاملة أعداء الوطن في زمن الحرب. ومن المنتمين للنخبة من غيروا موقفهم من النظام، فقد وقر في قلوبهم أن السيسي عمل غير صالح، وأن «الجزيرة» لم تكن كما أشاعوا ضد الثورة المصرية، بنقلها الرأي والرأي الآخر، وأنهم لم يكونوا مع الثورة عندما مكنوا العسكر من العودة للحكم، بعد أن أجبرتهم الثورة على الرحيل وإجراء الانتخابات الرئاسية! يعتبر البعض أنفسهم «في الأمان» النسبي، ما داموا يهاجمون الإخوان ولا يظهرون على «الجزيرة»؛ قناة أعداء الوطن بمعايير الحاكم العسكري في القاهرة وبمليارات عدة يمكن حل المعضلة لكن قطر لا تريد أن تدفع. ولهذا يهاجم الفنان خالد أبو النجا جماعة الإخوان قبل الأكل وبعده، ثم انقلب للهجوم على قناة «الجزيرة» لأنها – حسب قوله – أجرت معه مقابلة لم تبثها، لأنه هاجمها فيها، ولم يقل من أجراها ومتى؟ وماذا قال في هجومه عليها والميكروفون في يده؟ ومن أجراها معه؟ لكن مشكلته أنه لم يدرك أن هناك تطورا حدث، وهو أن السيسي في عداء مع كل من شارك في ثورة يناير/كانون الثاني، وإن هاجم الإخوان ولعن الجزيرة «على السبحة»!

ضد مصر ولصالح الإخوان:

الاتهامات نفسها التي وجهها النظام الانقلابي في مصر لـ «الجزيرة»، وجهها لـ «بي بي سي»، فالاتهام للقناتين هو: العمل ضد مصر ولصالح الإخوان، لكن مع «الجزيرة» تحركت القوات فأغلقت مكتب «الجزيرة»، وقامت بتخوين من يظهرون على شاشاتها، فلا يكون أمامها لتحافظ على شعارها الأثير «الرأي والرأي الآخر»، إلا أن تستعين بسقط المتاع وبشخصيات لا يمكن في الأحوال العادية، أن تظهر على الشاشة أبداً، فلا كلام موضوعي، ولا معلومة صحيحة، ولاتحليل جاد، ولكنها «الهرتلة». وتقول هرتل الفتى، أي قال كلاماً أبله لا ينطق به إلا البلهاء!
وفي مواجهة «بي بي سي»، ظهرت السلطة في مصر، في حكم «الولايا»، جمع «ولية»، وهي «المرأة المعيلة» التي لا تستطيع ضرباً في الأرض، فليس في مقدورها رد المعتدي أو صد العدوان، وغاية ما تفعله، أن تذهب لتشكو لـ «أم العواجز»، وتكنس ضريحها على من ظلمها، وإن كان الدكتور عبد الحليم عويس، نفى في دراسة له أن تكون السيدة زينب مدفونة في مصر، فلم يؤثر هذا أبداً في سلوك «الولايا» ومن في حكمهن، وللدقة فلا نعرف مدى صدق ما كتب الراحل «عويس»، والرجل كانت مرجعيته الدينية سعودية، والإسلام السعودي يرى في حب المصريين لآل البيت نوعا من الشرك بالله، وربما لأن كثيرين لم يستجيبوا للموقف الوهابي في مصر، فكان البديل هو إنكار وجود آل البيت في مصر أصلاً، تماما كما حدث عندما فشلوا في صرف الناس بعيداً عن التأثر بالثورة الإيرانية لكونها شيعية، فكانت دعايتهم التي نجحت هي أن الخميني صناعة أمريكية وفرنسية، وكأن السعوديين والشاه ينتمون لجبهة الصمود والتصدي!

ثلاث مؤسسات ضد بي بي سي:

ليست مؤسسة واحدة، أو إثنتان، ولكن ثلاث مؤسسات هي التي اتهمت «بي بي سي»، بالعمل ضد مصر والانحياز للإخوان (وهناك من قال إن بي بي سي أصلاً إخوان فأراح واستراح)، وهذه المؤسسات هي «المجلس الأعلى للإعلام»، و»البرلمان»، و»هيئة الاستعلامات»، والأخيرة تتبع رئاسة الجمهورية مباشرة، فلا يمكن أن تندفع في هذا الاتجاه إلا إذا كانت الرئاسة في الصورة، أو كانت هي المحرض على هذا الموقف!
ومع هذا العداء، والذي تمت الاستعانة فيه بما تبقى من الأذرع الإعلامية للسيسي، وكان الطلب من المصريين واضحاً، وهو مقاطعة القناة، لكن لم تندفع السلطات لإغلاق مكتب القناة في القاهرة، أو حتى في التضييق عليها، لأن العين لا تعلو على الحاجب، وظل الأمر يدور في حدود عجز «الولايا»، وفي حدود كنس ضريح «أم العواجز» والشكوى إليها، فرغم غُشم السلطة إلا أنها تُدرك أن «بي بي سي» لا يمكن الدخول معها في تحد، أو خوض معركة مفتوحة ضدها، ولهذا لم تتوقف عملية ظهور مصريين على شاشتها، من مكتبها في القاهرة، ولم يكن آخرهم «حمدين صباحي»، الذي لم يكد يخرج من الأستوديو حتى فوجئ ببلاغ قدم ضده للنائب العام، يتهمه بالظهور على قناة تعمل ضد الوطن، فتأكد لنا أننا أمام سلطة «الولايا»!
فالقناة التي تعمل ضد الوطن، لها مكتب داخل حدود الوطن وفي قلب عاصمته، والمقابلة التي استهدفت هدم أركان الدولة، كانت داخل الدولة، ومع هذا تجاوز البلاغ ذلك، وأمسك «حمدين صباحي» متلبساً بالعمل على تقويض نظام الحكم، وكأنه قوضه في مداخلة عبر سكايب لقناة «الجزيرة»، وليس على شاشة قناة يعمل مكتبها ومراسلوها في مصر بقرار من السلطات المصرية، فيا لها من سلطة تقزمت حتى أصبحت لا تُرى بالعين المجردة! البلاغ لم يستثن مكتب القناة فقط، ولكنه استثنى كذلك قائمة من الضيوف الذين ظهروا من القاهرة، منذ إعلان مؤسسات الدولة المصرية أن «بي بي سي» إخوان وتعمل ضد المصالح العليا للبلاد، وإن كان موقف هيئة الاستعلامات لتبعيتها للرئاسة مباشرة (كانت قديما تتبع وزارة الإعلام) بدعوة المصريين بمقاطعتها، يؤكد أن هذا قرار من أعلى مستوى، فإن مقدم البلاغ لا يمكن أن يتصرف من تلقاء نفسه، لأنني وإن كنت قد حسبته في السابق على الأجهزة الأمنية، وهو يقدم عشرات البلاغات في المعارضين، ومنها بلاغات بإسقاط الجنسية المصرية، فإني عندما تتبعت خط سيره، شاهدت له اعترافاً بأنه يعمل في معية السيسي، وأنهما صديقان، وقد تربيا في منطقة واحدة، وأن السيسي طلب مقابلته في بداية انشغاله بالترشح للرئاسة وأنه التقاه فعلا!

منع المشير من السفر:

لكنه لم يقل، إن كان السيسي وراء بلاغ تقدم به ضد «الأب الروحي» له، المشير محمد حسين طنطاوي، عندما أقاله الدكتور محمد مرسي من منصب وزير الدفاع، وعين المذكور محله، وكان البلاغ الذي تقدم به المحامي الجهبذ للنائب العام، هو منع «طنطاوي» من السفر، أم كان يفعل هذه تقرباً للمرحلة الثورية؟!
وعلى كل، فإن هذا المحامي يواجه بعد أربعة أيام دعوى تتهمه بتزوير حصوله على الدكتوراه، إذ قال إنه حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أمريكية في القانون التجاري، والمثير في الأمر، أن بلاغاً من صحافية كانت توكله في بعض القضايا الخاصة، تقدمت به لجهات التحقيق، فرفض قبوله، حتى لا تنسف مصداقية الرجل الذي يؤدي أدواراً لصالح النظام الحاكم، فذهبت إلى محكمة في منطقة مغمورة، لم يعرفوا اسمه، وربما الاسم بالكامل حال دون التعرف على شخصه الكريم، فكان الطلب من المحكمة أن تخاطب وزارة الخارجية بسؤال حول حقيقة الدكتوراه الأمريكية، التي خاطبت بدورها السفارة المصرية في واشنطن، والتي خاطبت جامعة بوسطن، فأفادت أن المذكور لم يدرس فيها، فضلاً عن أنه لا يوجد فيها برنامج للدكتوراه في القانون التجاري! والأمر هكذا، فقد وجد المحامي وقت فراغ، ليقدم بلاغاً في حمدين صباحي، بدلاً من الانشغال بمصيره هو، لكنه يدرك أن من حمى «توفيق عكاشة» ليحصل على البراءة في قضية تزوير شهادة الدكتوراه، هو من يشغله إرباك «حمدين صباحي» بهذا البلاغ، وسيربك بالتالي آخرين، فيترددون في قبول الظهور على «بي بي سي»، أو يحجمون عن هذا، واعتقال «عبد المنعم أبو الفتوح» بعد ظهوره على شاشة قناة «الجزيرة مباشر» في مقابلة أجراها معه «أحمد طه»، كانت رسالة لكثيرين ربما فكروا في أن يحذوا حذوه، ومنهم من اعتقل أيضاً بدون ظهور على «الجزيرة»!

حمدين بنصف لسان:

براءة «عكاشة» لا تعني أنه حاصل على الدكتوراه، ولا تعني أنه لم يزورّها، وهو ما يهم صاحب البلاغ، فلم تشغله نفسه، وانشغل بـ «حمدين» مع أنه تكلم بنصف لسان، وكان متحفظاً، ويتحدث على مهل، حد أنه كان يجتر الكلام اجتراراً، حتى لا يقع في المحظور، لكنه مع هذا وقع فيه، فلا يمنع حذر من قدر. فلم يكن كلامه منساباً ولسانه طليقا على الأقل كما كان حاله في عهد الرئيس محمد مرسي، ولهذا قلت في البداية، ليس هذا «حمدين» الذي نعرفه!
ومهما يكن، فيؤسفني الآن، أنني لا أتذكر اسم المذيعة التي أجرت الحوار، وكنت قد قرأت إشادة بها من قبل، فلما رأيتها على الشاشة مع «حمدين»، حرصت على مشاهدتها، لأستمع إلى جودة السؤال، وليس لتردد الإجابة، ولم يكن ما كُتب في حقها مجاملة لها، أما لماذا نسيت اسمها مع هذا؟ فإن لدي مشكلة في حفظ الأسماء!
فمذيعة «بي بي سي»، جمالها في بساطتها وتمكنها وألمعيتها، تحدث «حمدين» عن ما يمكن وصفه باستيلاء الإسلاميين على الحكم بالانتخابات بعد الثورة، وعدم جاهزية الأحزاب المدنية لأنها كانت تعيش في سنوات قمع في عهد النظام السابق، لكنها ذكرته بأن القمع كان على الجميع، فأسقط في يده، ولف ودار ولم يقل شيئاً!
وقد حاصرته بهدوء، فوجد في سؤالها اتهاما بأنه طالب منصب من السيسي، فلكي يبرئ نفسه من ذلك، وقع في شر أعماله، ففي معرض حديثه عن أنه كان يرفض المناصب قال إن الرئيس محمد مرسي عرض عليه منصب نائب رئيس الجمهورية، وإنه رفض! فدعاية القوى الأخرى ضد مرسي تقوم على أنه أخون الدولة، وأنه قرب أهله وعشيرته، وأنه لم يسمح لقوى الثورة أن تشاركه في الحكم، وعندما يقول إن مرسي عرض عليه منصب نائب رئيس الجمهورية، فأين الأخونة، وأين الانفراد بالحكم، وأين هي المشكلة أصلاً… فهل عرض عليه مرسي أن يكون نائبه فعلاً؟
أنا شخصياً أشك، شكي في أن مرسي عرض على «أيمن نور» رئاسة الحكومة، وهو ما قاله بلسانه ولا يمكنه نفيه الآن، تماماً كما ليس بإمكان «حمدين» أن يتراجع عن أقواله، وليس لأحد بعد اليوم أن يتحدث عن أن ماجرى يوم 30 يونيو/حزيران هو بسبب أن مرسي أخون الدولة، واحتفى بأهله وعشيرته فقط، وأبعد قوى الثورة!
فماذا بينك وبين ربك يا مرسي؟!

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.