لماذا لاتتقدم البلاد العربية ؟

د. هاشم غرايبه

شاهدت برنامجا في التلفزيون الأردني يتحدث عن قصة المهندس الأردني “محمد عيد” الذي درس في إيطاليا، وبقي هناك ليحقق طموحاته العريضة، لأنه يعلم أن الأنظمة العربية جميعها بعيدة عن الاهتمام بمواطنيها، طاردة للكفاءات محطمة لأحلام الشباب.

وقد توج نجاحه هناك بتأسيس شركة تصنع القطارات الخفيفة، يعمل بها 350 موظف، سماها “بلو انجنيير”، لكنه لم ينس وطنه، فقدم للحكومة مشروعا لإنشاء خطوط قطارات تبدأ بخط بين الزرقاء وعمان، وانشاء مصنع يكون الأول في المنطقة العربية، وظل سنة كاملة ينتظر الموافقة، لكن ذلك لم يتم، فهنالك دائما في الخفاء معيقات تعيق المشاريع وتمنع التطور.

بعد أن شعر باليأس تحول الى تركيا كونها بلدا إسلاميا، هنالك تحمس المسؤولون للفكرة، وأنشأ المصنع في “بورصة”، وخلال عامه الأول انتج مائة قطار، وذهب مقدم البرنامج التلفزيوني الأردني لحضور افتتاح أول خط للقطار الخفيف.

هذه القصة تنفع برهانا على أن تقدم الدول لا يحتاج الى معجزات ربانية، وليس سبب التخلف الذي ترتع فيه دولنا العربية كسل شعوبها كما يدّعي الحكام، ولا هو رجعية عقيدتها كما يشيع العلمانيون، بل الأنظمة الحاكمة فيها، ومنهج الفساد والإفساد الذي يطبقونه.

منذ قرن، فكل الأنظمة الحاكمة في الأقطار العربية والإسلامية علمانية، ولم تسمح للمنادين بالإسلام بالوصول الى سدة الحكم في أي قطر، بذريعة أن الإسلام يجب إبعاده عن السياسة، لأن تطبيقه في أنظمة الحكم سيؤدي بأقطارنا العربية الى التخلف، متناسين المثل القائل: أن أكثر من القرد ما مسخ الله، فمن كان مستقرا في القعر لا سبيل لسقوطه أكثر.

ومع ذلك سنلاحق العيّار لباب الدار، ولكي نعرف صدق رأيهم من كذبه، سأعرض لتجربة دولة إسلامية هي تركيا، كونها الوحيدة التي تمكن الإسلاميون فيها من الوصول الى الحكم.

نالت تركيا اهتماما خاصا من معادي منهج الله، كونها كانت زعيمة لآخر صورة للدولة الإسلامية، لذلك كان زرع العلمانية فيها على أشده، وتعاون يهود الدونمه والإنجليز من خلال (جمعية تركيا الفتاة)، باختراق المثقفين الأتراك والقيادات العسكرية، فنخر الإفساد الفكري الدولة، لتسرع في انهيارها الى جانب الفساد الاقتصادي، عندها أصبح سهلا إيصال صنيعتهم (أتاتورك) الى الحكم، والذي سرعان ما كشف عن ولائه للغرب تحت مسمى إقامة دولة علمانية حديثة.

وكما الأنظمة العربية، فلم تتحقق وعود بناء دولة حديثة تحقق الرخاء والتقدم، إن تم قطع الصلة بالإسلام فصارت مثلها مثقلة بالديون وغارقة في الفساد.

الأتراك من أكثر الشعوب الإسلامية اعتزازا بانتمائهم لعقيدتهم، لأنهم يعلمون أن بلادهم ظلت طوال التاريخ خاضعة للأوروبيين، لكن العقيدة الإسلامية هي التي جعلت بلدهم القوة العظمى في العالم طوال خمسة قرون.

وثبت لهم بالتجريب أنه لا يمكن لأتباع الغرب وأدواته، أن يحققوا خيرا لبلدهم، فهم لا يريدون غيرهم إلا أذيالا وليسوا أقرانا، فظل الغرب ينبذهم ويرفض انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي لأنها دولة مسلمة، في كشف وقح عن كذب ادعائهم العلمانية واحترام معتقد الآخر.
حاول المتمسكون بالإسلام أكثر من مرة استعادة بلادهم من عملاء الغرب بالوسائل السلمية، وفشلوا بسبب تمكن العلمانيين من إنشاء تحالف مصلحي مع العسكر، في المحاولة الأولى نجح الإسلاميون بالانتخابات من الوصول للسلطة، لكن العلمانيين قمعوها بوحشية وأعدموا الشهيد “عدنان مندريس”، وفي المحاولة الثانية أقصوا “أربكان” وأعوانه بطريقة استبدادية.

لكن في المحاولة الثالثة تعلم الإسلاميون الدرس، فأعلن زعيمهم “أردوغان” بداية أنهم علمانيون، الى أن أتيحت لهم الفرصة لإثبات إخلاصهم و قدرتهم على حسن الإدارة، عندها عرف مواطنوهم الأتراك صدقهم، وأدركوا الفارق الكبير في صلاح الحكم بين من لا يخاف إلا الله، وبين الذي لا يخاف إلا الغرب وتنفيعاته.

بعد عشرة أعوام من النجاحات المتلاحقة تمكنوا من كسب ثقة مواطنيهم، فلم يعد من خوف من بطش العلمانيين، فكشفوا عن نواياهم الإسلامية، وفعلا حماهم الشعب وأفشل الانقلاب العسكري الخسيس.

من هذه القصة يتأكد لنا أنه لا يمكن أن يكتب النجاح لبلادنا إن بقيت أنظمتنا السياسية متبعة للنموذج الأتاتوركي البغيض، فها هي تركيا عندما استعادت هويتها الإسلامية، ورغم أنف الغرب وتآمر العربان وإرجاف العلمانيين، تخطو في كل يوم خطوات واسعة نحو التقدم والريادة العالمية.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".