لماذا تروج نتفليكس للمثلية الجنسية في محتوى الأطفال؟

دعاء الشامي
صحفية مصرية

“ماما.. يعني إيه Gay؟”
باغتني السؤال من طفلة في السابعة من عمرها، كيف لها أن تدخل هذه الدوامة منذ هذه السن الصغيرة؟ ولماذا طرأ على بالها هذا السؤال تحديدا، فلم يسبق أن صادفنا أحدهم، ولم نفتح الحوار في أسرتنا من قبل؟
صمتت ربما خوفا من عدم امتلاكي صيغة مناسبة لعمرها لشرح هذا الموضوع المثير للجدل والاتهام بين الكبار، فكيف لي أن أخبر ابنتي بما تعنيه تلك الكلمة؟
شخص مشوش.. حالة مرضية.. شخص مختلف عنا.. حالة نفسية.. ليس مرضا من الأساس.. دارات في ذهني كل تلك الإجابات التي يعبر بعضها عن رأيي الشخصي بالموضوع، ويعكس بعضها ما يحاول مجتمع المثليين ترويجه عن أنفسهم .. ولكن ماذا أقول؟

ربما انتبهت الصغيرة إلى حيرتي، فصمتت، وطلبت مني أن نشكل معا تصميما بقطع الليجو لفتاتين تركبان الدراجات على سلالم منزلهما.. قالت لي إنها تحب الأعمال الفنية التي تترجم شخصيات الليجو، وبدأت تسرد أسماءها وقصصها.. راودتني شكوك في أن تكون تلك القصص لها علاقة بالمثلية أيضا.. استجمعت شجاعتي وسألتها من أين عرفت كلمة “مثلي”؟

نظرت إلي طويلا، وأردفت في مسلسل “نادي جليسات الأطفال” الذي نشاهده على نتفليكس قالت الفتاة لصديقتها إن والديها انفصلا؛ لأن أباها مثلي الجنس.

تذكرت العمل، اخترناه سويا لم يكن في وصفه أي ذكر للمثلية، فهو يناقش فكرة الطموح وأهمية العمل والمنافسة الشريفة، شاهدت معها وأختها أول حلقتين من المسلسل، ولم تتخللهما أي إشارة عن الموضوع بحثت عن رباطة جأشي، وبدأت أحاسب نفسي على تلك المرات التي تركتهما تشاهدان العمل وحدهما.. خرجت من حديثي مع نفسي، ابتسمت وقلت لها سأقوم ببحث عن الموضوع وأخبرك تفاصيله لاحقا.

بعد نومها فتحت نتفليكس وبدأت من حيث أنهت هي مشاهدتها للعمل نفسه “نادي جليسات الأطفال” قفزت المثلية أكثر من 3 مرات في حوار واحد في حلقة واحدة للفتاة التي تحكي عن مثلية أبيها، والثانية نفس الفتاة تتحدث مع صديقتها عن ميلها للبنات، والثالثة عن طفلة صغيرة لم تتعد السادسة تمرض فتضطر جليستها لأخذها إلى المشفى؛ لنكتشف أن وثائقها تقول إنها ذكر، فيما نراها أنثى ترتدي الوردي وقوس قزح يلمع على ملابسها.. لنستمع بعدها لمحاضرة طويلة من جليستها التي هي بالأصل طفلة توبخ الطبيبان؛ لأنهما خاطباها كصبي، وتذكرهما بضرورة احترام اختلافها ومعاملتها كفتاة.. والغريب أن الحلقتين الأولى والثانية لم تتخللهما أي إشارة؛ بل كانت جميع تفاصيلهما عظيمة ومفيدة تربويا كضرورة تحمل المسؤولية والطموح والتميز الدراسي وغيرها من أفكار تكتب للترويج للعمل..

أفخاخ نتفليكس

تجلس مع أبنائك وتختار فيلما يناسب 7 سنوات حسب التصنيف المكتوب، وفجأة يقفز أمامك ومن دون إنذار حوار كامل عن المثلية، وبعد عدة دقائق تجد رجلا يبدو كأنثى يضع الأقراط، ويصبغ شعره باللون الوردي، ويتمايل مختالا بطلاء أظافر وأحمر شفاه يتمطى طوال الفيلم، فلا تجد ما تقوله.. وتقطع المشاهدة بأي حجة مناسبة.

وفي فيلم آخر مصنف ضمن فئة الأطفال نرى فتاتين بينهما علاقة عاطفية، رغم فكرة الفيلم المختارة بعناية عن ضرورة البعد عن وسائل التواصل الاجتماعي وعيش مراحل الطفولة.. وهي أفكار تتهافت عليها الأسر إلا أن السم لابد أن يكون هناك وسط الحوار، وكأنك تُسحب بحبل طويل لتقحم أبناءك في نقاش أنت في غنى عنه في هذا العمر.

كأم لفتاتين إحداهما دون 8 والثانية في 13 لدي خوف شديد من تعرضهما لمحتوى يتنافى مع أخلاقنا وديننا، رغم محاولاتي التدقيق في كثير من المحتوى الذي تشاهدانه، ومراعاة الفئة العمرية التي تناسبهما؛ إلا أن نتفليكس أوقعتني في أفخاخ المثلية الجنسية، رغم حرصي، ومن دون تنويه.

وكأنها ترفع لافتة كبيرة في جل محتواها للدفاع؛ لا بل للترويج لهذه الفكرة حتى بت أتساءل هل هناك خطة لتحويل أطفالنا إلى مثليي الجنس؟ وكم من الأموال دُفعت للترويج لهذا المحتوى بالمنصة الأشهر عالميا حاليا إلى ساحة إعلانية واسعة هدفها زيادة تقبلنا وتعاملنا مع تلك الأفكار باعتبارها أمرا طبيعيا؟
تغيير الوعي الجمعي
معضلة حقيقية يواجهها آباء وأمهات جيلنا؛ كيف يمكن شرح هذه الأمور في مرحلة عمرية صغيرة كتلك التي نواجهها الآن؟ وهل من الصحي تجاهل الأمر أم شرحه بقليل من التفاصيل؟ ومع كل تلك المصادر الهائلة للمعلومات والأفكار هل يمكننا حمايتهم حقا ؟

احترام الاختلاف، فهم التغيرات.. كلها كلمات فضفاضة تنثرها المنصات والمواقع والإعلانات، التي تصل لأبنائنا بسهولة، وهم يلعبون على هواتفهم أو خلال تصفحهم “يوتيوب” أو حتى القنوات التلفزيونية للأطفال، التي دخلت هي الأخرى سباقا لإثبات ولائها لتلك الأفكار التي يُتهم رافضوها بأنهم مذنبون.

لست متخصصة تربوية ولا طبيبة، فليس لدي سوى تجربتي كأم، ما أشعر به حاليا هو الخوف؛ بل دعوني أقول الفزع، نعم.. الذعر من كل تلك المساحات التي باتت تقلص الطبيعي، وتمجد غيره لمجرد إعلان الاختلاف وتحت ستار شعارات غامضة مثل احترام الآخر، والانفتاح على العالم، وتوسيع المدارك، وإذا كان لنا رأي آخر سنُتهم بالتخلف وتحقير الآخر ورفض مجتمع المثلية.

كيف نحمي أبناءنا؟

هذه المشاهد تفتح باب التساؤلات والحوارات الداخلية لدى الأطفال، تجعلهم مرتبكين.. تدخلهم مبكرا في مساحة اختلف فيها الكبار وشهدت خلافا طوال عقود وما زالت تناقش حتى اليوم. فماذا نفعل إذن؟

لا يجب أن نتوقع أن العالم كله يسير على نفس دروبنا؛ بل ربما نخبرهم نحن عما يحدث حولهم، ليس لأنهم لا يعرفون لكن لنوجههم لما يمكن أن يصادفونه حولهم.. الخطوة الأولى دوما هي فتح باب الحوار، ثم زيادة النور قليلا لحديث أطول؛ لا أن نتركهم في غياهب الحوار الذاتي والخجل والعيب والحرام، ثم نجدهم يستقون معلوماتهم من نتفليكس وأفلامه ومسلسلاته وإعلاناته.

في البداية نحتاج إلى محتوى يحترم احتياجاتنا ويمنحنا فرصة تربوية خالية أو لنقل بسيطة المخاطر.. نريد احترامنا عبر التنويه عن المشاهد والأفكار، التي قد لا تناسبنا بدلا من إجبارنا على التعرض لها عنوة.

ربما تراجع نتفليكس سياستها في طريقة طرح أعمال الصغار لو احتج مشتركوها على ما تفعله، وربما لا تحرك ساكنا؛ لكن لابد أن نعلن رفضنا لتشويه أفكار أبنائنا عنوة ودون الإشارة لها في محتوى مدفوع.

لمن يتابعون مسلسلات وأفلام نتفليكس للبالغين بالتأكيد لاحظوا هذا الكم المكثف من الحوارات والمشاهد المباشرة، التي تتناول الموضوع، فلا يمر عمل من إنتاجها إلا ويثيره ويعج بمشاهد مقحمة لا علاقة لها بمووع الدراما، ونحن لسنا بصدد مناقشة موضوع المثلية بحد ذاته؛ بل التساؤل هنا: أليس لنا الحق في محتوى يراعي احتياجاتنا العادية لا يتخلله حوارات أو مشاهد عن المثليين؟

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.