للمرة الأولى: مشاهدة البكتيريا تُصلح الحمض النووي المكسور في الوقت الفعلي

كيف يمكن للخلية أن تصلح الحمض النووي المكسور؟ وكيف يمكن العثور على التسلسلات الصحيحة من الحمض النووي لاستخدامها كقالب في الجزء الداخلي المزدحم للخلية؟ حير هذان السؤالان الباحثين لسنوات عديدة، ومؤخرا قدم باحثون من جامعة أوبسالا (Uppsala University) السويدية إجابات لهما.

توصلت مجموعة من الباحثين السويديين برئاسة البروفيسور يوهان إلف أخيرا إلى حل اللغز، وعرضوا نتائجهم البحثية في دراسة نشرت في دورية “نيتشر” (Nature) في بداية سبتمبر/أيلول الجاري.

آليات إصلاح الحمض النووي
على مدى نصف القرن الماضي درس علماء الأحياء الآليات المتضمنة إجراء إصلاحات في الحمض النووي، ومع ذلك ظل جزء أساسي من العملية غير واضح.

لكن من خلال تمييز الإنزيمات الرئيسية والحمض النووي بعلامات فلورسنتية متألقة ومراقبة عملية الإصلاح في الوقت الفعلي في نموذج البكتيريا “الإشريكية القولونية” سد الباحثون هذه الفجوة المعرفية حول كيفية عثور البكتيريا على القوالب التي تعتمد عليها للإصلاح الجيني.

عندما ينقسم جزيء الحمض النووي “دي إن إيه” (DNA) إلى قسمين يصبح مصير الخلية مهددا، ولهذا فإن إصلاح الكسر بسرعة هو مسألة حياة أو موت للخلية، لكن إصلاح الحمض النووي دون إدخال أخطاء في التسلسل يمثل تحديا كبيرا، حيث تحتاج آلة الإصلاح إلى العثور على قالب.

تعرف عملية إصلاح الحمض النووي المكسور باستخدام قالب من كروموسوم شقيق باسم “إعادة التركيب المتماثل”، ومع ذلك يتجاهل الوصف عادة المهمة الشاقة المتمثلة في العثور على قالب مطابق بين جميع تسلسلات الجينوم الأخرى، لأنه من الواضح تماما أن الانتشار البسيط في الأبعاد الثلاثية لن يكون سريعا بدرجة كافية.

جزيء “ريكا” متورط في البحث
لقد كانت إعادة التركيب المتماثل لغزا لمدة لا تقل عن 50 عاما، ومن خلال الدراسات السابقة يتضح أن جزيء “ريكا” (RecA) متورط في عملية البحث عن قالب مطابق داخل تسلسلات الجينوم، ولكن كان هذا هو الحد الأقصى لفهمنا هذه العملية.

‏”ريكا” هو بروتين مسؤول عن إصلاح وصيانة الحمض النووي، وقد تم إيجاد الشبيه المماثل له في التركيب الهيكلي والوظيفي في جميع أنواع الكائنات الدقيقة، بحيث كان بمثابة النموذج المثالي لهذه الفئة من البروتينات المعنية بإصلاح الحمض النووي، وهذا النموذج المثالي والمطابق موجود في كل من الكائنات حقيقيات وبدائيات النواة.

يشتمل بروتين ‏”ريكا” على عدة وظائف جميعها ذات صلة بإصلاح الحمض النووي، على سبيل المثال في الكائنات الدقيقة كالبكتيريا ينشط عملية الانقسام ذاتي التحفيز الخاصة ببعض المثبطات.

الاستعانة بتقنية “كريسبر”
استخدم الباحثون تقنية تعتمد على “كريسبر” لعمل فواصل الحمض النووي الخاضعة للرقابة في البكتيريا، ومن خلال زراعة الخلايا في شريحة استنبات الموائع الدقيقة وتتبع جزيئات “ريكا” (RecA) بالمجهر الفلوري تمكن الباحثون من تصوير عملية إعادة التركيب المتماثل من البداية إلى النهاية.

وقال جاكوب ويكتور -وهو أحد الباحثين الذين أجروا الدراسة- في بيان صحفي لجامعة أوبسالا “تسمح لنا الشريحة بمتابعة مصير الآلاف من البكتيريا الفردية في وقت واحد والتحكم في فواصل الحمض النووي التي يسببها كريسبر في الوقت المناسب”.

وأضاف “إنه دقيق للغاية، يشبه تقريبا وجود زوج من مقصات الحمض النووي الصغيرة”.

وباستخدام الفحص المجهري وجد البروفيسور يوهان إلف وفريقه أيضا أن الخلية تستجيب عن طريق إعادة ترتيب جزيء “ريكا” لتشكيل خيوط رفيعة تمتد على طول الخلية، ويسمح الملصق الموجود على الجزيء مع علامات الفلورسنت على الحمض النووي للباحثين بتتبع كل خطوة من العملية بدقة، على سبيل المثال استنتجوا أن الإصلاح بالكامل قد انتهى في 15 دقيقة في المتوسط، وأن النموذج يتم استكماله في حوالي 9 دقائق فقط.

ويقول أرفيد جينا -الذي عمل في المشروع طوال فترة دراسته للدكتوراه- في نفس البيان الصحفي “يمكننا أن نرى تشكيل بنية رقيقة ومرنة تبرز من موقع الكسر بعد تلف الحمض النووي مباشرة”.

ما أهمية هذا البحث؟
قد يتساءل القارئ الكريم: ما أهمية مثل هذه البحوث؟ الإجابة باختصار: قد تساعدنا في فهم أسباب نمو الورم، لأن عملية إصلاح التماثل متطابقة تقريبا بالنسبة لجميع الكائنات، بمن فيها الإنسان.

يحدث تلف الحمض النووي بشكل متكرر في أجسامنا، وبدون القدرة على شفاء الحمض النووي المكسور سنكون معرضين أكثر للإصابة بالسرطان، لأن معظم الجينات المسرطنة ترتبط بإصلاح الحمض النووي، وقد تساعدنا الأفكار الميكانيكية الجديدة في فهم أسباب نمو الورم.

يمكن أن يكون إصلاح الكسور في الجينات بسرعة وكمال مسألة حياة أو موت لمعظم الكائنات الحية، فحتى أبسط التغييرات في التسلسل تخاطر بحدوث كارثة، خاصة إذا كانت الشفرة المعدلة مسؤولة عن وظيفة حرجة.

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".