لاجئون سوريون رحّلتهم تركيا يخشون مستقبلاً مجهولاً في بلدهم

سوريا: عند معبر باب الهوى الحدودي في شمال غرب سوريا، ينتظر محمد حسن في طابور طويل ومعالم الارتباك على وجهه، بعدما رحلته تركيا بشكل مفاجئ ليجد نفسه في منطقة تمزقها الحرب بعد سنوات على فراره من بلده.

وعلى غرار العشرات من السوريين، عاد هذا الشاب (22 عاماً) مرغماً إلى بلده، بعد توقيفه في اسطنبول، في إطار حملة أطلقتها السلطات التركية مؤخراً ضد المهاجرين غير الشرعيين في المدينة، وبينهم السوريون.

ويقول محمد المتحدر من مدينة حلب (شمال)، ثاني أهم المدن السورية، “هذه أول مرة أعود فيها إلى سوريا منذ غادرت، بعدما رحلتني السلطات التركية”.

ويضيف: “منذ سبع سنوات وأنا خارج سوريا ولا أعلم شيئاً عنها.. الآن عليّ أن أبدأ حياتي من جديد” فيها.

وأوقفت قوات الأمن التركية محمد لنحو عشرة أيام لعدم حيازته على بطاقة حماية مؤقتة من مدينة اسطنبول، قبل أن ترحّله إلى محافظة إدلب، الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وتتعرض منذ أشهر لتصعيد من قوات النظام وحليفتها روسيا.

ويوضح الشاب الذي يرتدي سترة سوداء وقبعة رياضية بحسرة “أهلي في حلب، ولا أستطيع أن أذهب إليهم”، بعدما باتت المدينة بأكملها منذ نهاية عام 2016 تحت سيطرة قوات النظام.

ويضيف: “سأبقى عند أقربائي، ولن أعود إلى تركيا بعد الظلم الذي رأيته”.

ويخشى اللاجئون السوريون العودة إلى مناطق باتت تحت سيطرة قوات النظام، خوفاً من سوقهم إلى الخدمة العسكرية الإلزامية أو تعرضهم لاعتقالات عشوائية تنفذها خصوصاً في المعاقل السابقة للفصائل المعارضة.

“كذبوا علينا”

وتسبب النزاع المستمر منذ عام 2011، والذي أودى بحياة أكثر من 370 ألف شخص، بتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

ومن بين ملايين اللاجئين إلى الخارج، يقطن نحو 3,5 مليون في تركيا وحدها، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

وأوقفت السلطات التركية خلال أسبوعين في اسطنبول، ستة آلاف شخص بينهم سوريون، وفق ما أعلنت وزارة الداخلية الأربعاء.

وتقول منظمات غير حكومية سورية، إنه جرى توقيف أكثر من 600 سوري، غالبيتهم يحملون بطاقات حماية مؤقتة صادرة عن محافظات أخرى. وبدلاً من نقلهم إلى المحافظات المعنية، رحّلتهم السلطات التركية إلى سوريا.

إلا أنّ وزير الداخلية سليمان صويلو نفى الأسبوع الماضي ترحيل لاجئين إلى سوريا. وقال في تصريح لقناة تلفزيونية: “عندما نقبض على سوريين غير مسجلين نعيدهم إلى مخيمات للاجئين” مشيراً إلى مخيم في محافظة هاتاي التركية الحدودية.

وأعربت منظمات عن قلقها إزاء معلومات عن إجبار اللاجئين على توقيع وثائق موافقة على العودة باللغة التركية.

ويؤكد محمد أنه حاول مراراً الحصول على بطاقة حماية مؤقتة في اسطنبول لكنه لم يتمكن من ذلك مع توقف السلطات عن منحها. ويشرح أنه بعد توقيفه طُلب منه أن يبصم على وثيقة قيل له إن الهدف منها منحه إقامة في اسطنبول لكنهم “كذبوا علينا (…) ففي صباح اليوم التالي، وضعونا في حافلات وأرسلونا إلى سوريا”.

وندّدت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان السبت بهذه الإجراءات. واعتبرت أن تركيا “تدعي مساعدة السوريين على العودة الطوعية إلى بلادهم، إلا أن تهديدهم بالسجن حتى يوافقوا، وإجبارهم على التوقيع على وثائق، ورميهم في منطقة حرب، ليس أمراً طوعياً أو قانونياً”.

ويقول مدير العلاقات العامة والإعلام في معبر باب الهوى مازن علوش، إن “السلطات التركية ترحّل بشكل يومي السوريين المخالفين”، وغالبيتهم ممن دخلوا تركيا بطرق غير شرعية.

ويشير الى ترحيل تركيا 4400 شخص على الأقل خلال نحو ثلاثة أسابيع من الشهر الحالي مقابل 4300 في حزيران/يونيو.

من دون عائلة

وأثارت هذه الإجراءات انتقادات واسعة في صفوف اللاجئين السوريين في تركيا، التي تقدم دعماً للفصائل المعارضة. وتتخذ أبرز مكونات المعارضة السورية من اسطنبول مقراً لها.

وأفاد رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أنس العبدة، في مؤتمر صحافي عقده في اسطنبول الخميس، عن تلقيه ضمانات من الجانب التركي بعدم ترحيل المخالفين لنظام الحماية المؤقت إلى سوريا، في حال عدم ارتكابهم أي مخالفات جرمية.

وحثّ العبدة جميع السوريين في تركيا على تسوية أوضاعهم “بالسرعة الممكنة”.

على الجهة السورية من معبر باب الهوى، يسجّل أحد الموظفين على حاسوب المعلومات الشخصية الخاصة بلؤي محمد (23 عاماً)، الذي وجد نفسه مجبراً على العودة إلى سوريا بعد أربع سنوات من الفرار منها.

ويروي لؤي كيف اقتادته الشرطة من مشفى اصطحب إليه صديقه المصاب بجروح جراء شجاره مع شبان أتراك في مدينة أنطاليا.

ويقول الشاب الذي كان يعمل في مطعم: “نقلوني إلى المخفر، وقالوا إنني سأكون شاهداً على الحادثة”، إلا أنه بعد ساعات وجد نفسه في سجن يضم نحو 350 شخصاً من جنسيات مختلفة، بينهم أفغان وسوريون.

ويشرح: “عند منتصف الليل رحّلونا، ووصلنا صباحاً إلى باب الهوى”.

لا يعلم لؤي، المتحدر من مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة مجلس محلي منضوي في صفوف قوات سوريا الديموقراطية، ماذا يخبئ له المستقبل.

ويقول: “سأذهب إلى منبج، وأبحث عن عمل فيها”.

ويضيف الشاب الذي ترك شقيقيه في تركيا، “عائلتي ليست هنا، أنا غائب عن سوريا منذ أربع سنوات، ولا أعلم كيف سأبدأ حياتي فيها من جديد”.

شاهد أيضاً

هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائيل

واكبت القوى والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية في لبنان الهجوم الإيراني بالمسيَّرات والصواريخ على إسرائيل فجر الأحد، والذي استمر لنحو 5 ساعات، ردا على قصف قنصليتها بالعاصمة السورية دمشق مطلع أبريل/نيسان الجاري مما أدى إلى استشهاد عدد من قادتها العسكريين والمستشارين.