لاتفرّطوا بالأقصى فيفرطَ عِقدُكم

كتب بواسطة أ. طه ياسين

ذكر ابنُ قتيبة في كتابه “عيون الأخبار” أنَّ عمرَ بن أبي ربيعة الشاعر تعرّضَ لامرأة وهي تطوف، فصاحتْ به: إليك عنّي؛ فإني في حَرم الله، وفي أيام عظيمة الحُرْمة؟

ثم في الليلة الثانية طلبتْ من أخيها أن يخرجَ معها ليُريَها المناسك، فرآها عمرُ فمكثَ في مكانه ولم يتعرض لها، فقالت فيه شعرًا:

تعدو الكلابُ على مَنْ لا أُسودَ لهُ ….. وتتّقي صولةَ المُسْتأسدِ الضاري

تنبئ هذه القصة عن مدى الطمَع بالوحيد الذي غاب عنه إخوتُه، فما بالُك بالوحيد الذي عاداه إخوتُه، بل وأغروا به الأعداء!

هذا هو السبب الحقيقي الكامن وراء الصُّور المؤلمة المرسَلة في الأيام الأخيرة لمشاهد اقتحامات المسجد الأقصى من قِبل عصابات المستوطنين اليهود تحت حماية قوات الاحتلال الصهيوني، حيث يَفلِت فيها حفدَةُ قتَلَةِ الأنبياء، أهلُ الغدر والخيانة من بني صهيون، فيُعربدون فيها بكلِّ ما أوتوا من قَسوة وشرّ، فيطلقون من بنادقهم الرصاص الحيّ والرصاص المغلَّف بالمطَّاط، فيسقط على أرض الأقصى المقدس العشرات بين شهيدٍ وجريح من المرابطين والمعتكفين فيه، في غيابٍ لئيمٍ للمواقف العربية والإسلامية الصادقة.

إن الراصد لسلوك الصهاينة المغتصبين لا يجد اليوم عَناءً في وضع اليد على سبب شراستِهِم والزَّهو المرحليِّ التي تملّكوه، فقد وصَل بهم الأمرُ أن يدخلوا المصلّى بأحذيتهم ويتهجّموا بوحشيّتهم على المعتكفين؛ إنه غيابُ الأخ المساند من قادات العالم العربي والإسلامي، الأمرُ الذي شجَّع المعتدي على الإيغال في اعتدائه، وطرد المعتكفين والمرابطين.

إنَّ تطبيع بعض حكّامِ العرب هو من جرّأ الصهيوني القذر على سَلقِ أجساد الكبار والصغار، حتى النساء والأطفال بهِراوات حِداد، فضلاً عن دفع الرجل المُسِنِّ، وجَرِّ الصحفي المصوّر، وضرب الفتاة الحُرَّة. وفي ذلك مباركة معنوية له.

وليت شِعري، أيُّ خدرٍ أصاب الضمير الإنساني حتى يبقى غاطّاً في نومه أمام مشهد الوغد الذي يضرب بهِراوته الفتاة المرابطة فيكسر يدها_ شُلّت يده_!

كيف يقرأ هذا المشهد مَن يَدْعون شعوبهم وإعلامهم إلى تطبيع العلاقات مع هذا الجنس الخسيس من البشرية، والذي لَفَظه الغرب يوماً ما ويدافع عن وجوده اليوم كي لا يعود بلَعَناته إليه!

إنَّ في صمودِ المرابطين والمرابطات، وفي تجرّؤ الصهاينة المعتدين، وفي مباركة الأعداء مِن قِبل بعض مَن تولَّوْا أمورَ الحُكم في بلاد المسلمين لَوقفات ذوات عبرة؛ لا يستقيم أن نمُرَّ عليها مسرعين:

_ ليس من العدل الإنساني أن ترابط َفئةٌ من الناس، تحرس المسجد الأقصى فيَعتدي عليها المحتل بالحديد والنار، ثم يسقط منها الشهيدُ والجريح، وجموع الأمة في بيوتها تتابع على الشاشات ولاتحرّك ساكناً.

_ ليس من العدل الإنساني أن تدافع تلك الفئة الصغيرة عن شرف الفئات الكبيرة، ثم لاتجد فيها من يناصرها ويقفُ معها.

لهذا لابد أنْ تتدافع أقدامُ الناس للخروج في مظاهرات ومَسيرات تناصرُ قضيةَ الأقصى العادلة، وتبث الروح المعنوية في صفوف الفئة المرابطة.

_ مجريات الأحداث تدعو الإعلام الحُرُّ أنْ يستنفر بكل أدواته من قنوات وأقلام لفضح تلك الشِّرذمة السرطانية وفضح إرهابها، من دون العَول على الأقلام المأجورة، كيف وهي تساند أولئك الأعداء بطريقة غير مباشرة؛ بكتابة نصوص الالتهاء والمُجون وإفساد الأجيال ودفعها لتتناسى قضاياها الأُمّ.

_ لا ينبغي أن يغيبَ عن البال خطورةُ نجاح المستوطنين المتطرفين في إدخال القرابين إلى ساحات الأقصى وذبحها، فهم منذ أمَدٍ يدفعون إلى تحقيق ذلك.

وإن نجاحهم في إدخال القرابين يعني فرض طَقْس تعبّدي سَنويٍّ؛ يَصعب مع الوقت رفضُه، وهذا يعني بصراحة احتلال الأقصى من أقربِ وسيلة.

_ إن نُسَيبَة بنت كعب المازنية_ رضي الله عنها_ التي طرحتْ قِرْبةَ الماءِ التي كانت تسقي بها العِطاش، وانتضتْ سيفاً تقاتلُ ببسالة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أصيب في غزوة أحد: تتكرر اليوم داخل المسجد الأقصى وفي أكنافه، فتُصرُّ على الحضور والمرابَطة ضد أعتى وأبشع أعداء الإنسانية، فتدافع نيابةً عن ملايين المسلمين في أصقاع العالم بجُرأةٍ قد تكلّفها الجرح أو القتل، وتبثّ الروح المعنوية في نفوس المرابطين، وترسلُ رسائل الصمود لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.

_ إنَّ المشاهد المرئية التي تُنقل من المسجد الأقصى تحزّ في النفس وتدمي القلب، وإنَّ كثيراً ممن يرونها يقولون: ” ليس في الأمر حيلة.. ماذا عسانا فاعلين”.

وهذا من الخذلان بمكان، لا يصُبُّ إلا في مصلحة المعتدين، فكيف لا يستطيعون وفي مقدورهم الجهاد بالمال والتبرع بسخاء إلى أولئك الصامدين المدافعين عن كرامة الأمّة، وإلى أُسر الشهداء والجرحى الذين دفعوا حياتهم في سبيل هذه الكرامة، فلا أقلّ من أن يُقدَّم لهم المال عوناً على صمودهم وتثبيتًا لهم في رباطهم، ويالها من تجارة رابحة: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ}.

_ ولا أقلَّ من أن تُرفَعَ الأكفُّ و تَذرِفَ العيونُ بالدعاء الواجف بين يدي ربِّها، تدعوه في هذا الشهر الكريم أن يصبّر المرابطين ويُنْزل السكينة على قلوبهم، وأن ينتقمَ من المغتصبين وممن أغراهم وسكتَ عن جرائمهم بالتوازي.

أيها الناس، إن الظلم تأباه الإنسانية، وهو واقع عِياناً جَهاراً على إخوةٍ لكم في الإنسانية في ساحات الأقصى المبارك، فحكّموا إنسانيتكم وقولوا في الظالمين كلمتَكم.

أيها الحكام العرب، إنَّ السكوتَ على جرائم الكيان الصهيوني، الذي يتَوغّل في أراضيكم ويقتحم أقصاكم مراراً من غير رادعٍ حقيقيّ: مباركةٌ ضِمْنية لتمييع هُويتِكم وإذلالكم، ومقدِّمةٌ_ طالتْ نتائجُها أم قصُرت_ لزوال حُكمِكم.

أيها المسلمون، هذا أقصاكم المبارك الذي نزل فيه قرآن وباركَه، أُولى قبلتَيْكم ومَسرى نبيكم صلى الله عليه وسلم، ورمزُ فَخركم وشرفكم، فحاذروا أن تفرِّطوا فيه فيفرِطَ عِقدُكم

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.