كيف تحول أسرى سجون الاحتلال من جماعة مشتتة إلى “جيش منظم”؟ وماذا يعني حل هذا الجيش؟

على خلفية قرار إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية تقليص مدة “الفورة”، وهي خروج الأسرى من غرفهم إلى الساحة الخارجية، أعلن الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية حل الهيئات التنظيمية ووقف التواصل مع إدارتها.

وكانت إدارة مصلحة السجون، قررت فرض إجراءات جديدة لخروج الأسرى للفورة، في خطوة تراجعت فيها عن اتفاق سابق مع ممثلي الأسرى بوقف الإجراءات التي اتخذتها عقب هروب الأسرى الستة من سجن جلبوع في سبتمبر/أيلول 2021 ومن ضمنها هذا القرار.

وبالعادة يخرج أسرى القسم بالكامل للفورة في وقت واحد مدة 6 ساعات مقسمة على فترتين، الأولى من الثامنة صباحا وحتى الـ11 ظهرا، والثانية من الساعة الثالثة عصرا وحتى الخامسة مساءا.

ولكن وفق الإجراء الجديد، سيخرج نصف غرف القسم مدة ساعة ونصف، والغرف الباقية في الساعة والنصف المتبقية من كل فترة، أي أن كل أسير يقضي 3 ساعات فقط في الفورة، كما سيحرم الأسرى من الاجتماع معا.

وتشكل “الفورة” عصب الحياة للأسرى داخل السجون ولن يقبل الأسرى بالمساس بها، كما يقول رئيس نادي الأسير قدورة فارس للجزيرة نت، مما جعلهم يردون بحل هيئاتهم التنظيمية، الممثلة لكل الأسرى لدى الإدارة السجون، “بالرغم من أهميتها في تنظيم حياتهم اليومية”.

ما هي الهيئات التنظيمية وكيف تشكلت؟
بدأ تشكيل التنظيمات داخل السجون في بداية السبعينيات، متزامنا مع تشكيل الفصائل الفلسطينية خارج السجون، فعمل الأسرى من هذه الفصائل على تشكيل هيئات تكون امتدادا للفصائل الأم في الخارج، وهو ما حول الأسرى داخل السجون من “جماعة مشتتة إلى جيش منظم”، وفق ما يقوله الأسير المحرر المتابع لقضايا الأسرى عصمت منصور للجزيرة نت، الذي أضاف أن “هذه التنظيمات أصبحت العمود الفقري للحركة الأسيرة في السجون”.

ومع الوقت، وزيادة أعداد الأسرى، تبلورت هذه التنظيمات ووضعت لوائح داخلية تتناسب مع ظروف الحياة داخل السجن، حتى تمكن الأسرى من فرض هذه التنظيمات على الإدارة والاعتراف بممثلين عنهم أمام الإدارة.

ووفق منصور كان الأسرى يسعون من خلال تشكيل هذه التنظيمات لتكريس التعريف بهم على أنهم أسرى حرب، وتحويل السجن إلى ساحة نضال اشتباك مع الاحتلال.

وقبل تشكيل هذه التنظيمات كان من يقود السجون هم الأسرى الأعلى من حيث الرتب العسكرية، وأحيانا الأقوى، فالصراع مع الإدارة كان في ذلك الوقت جسديا. وكانت إدارة السجون، والتي كانت في حينه تابعة إلى جيش الاحتلال مباشرة، تتعامل مع كل أسير بشكل منفرد.

ومع الوقت طورت التنظيمات لوائح داخلية وهيكلية تنظيمية، وأصبحت تختار ممثليها عن طريق الانتخاب، ففي داخل القسم الواحد يكون ممثل لكل تنظيم، ومن بين الممثلين يتم انتخاب ممثل القسم ليكون جزءا من الهيئات الاعتقالية العليا الممثلة لكل السجن لدى إدارة السجون.

يقول قدورة فارس “هذه التنظيمات هي صورة مصغرة عن الفصائل الفلسطينية المنبثقة عنها، ولكن مع مراعاة خصوصية السجن، فيتم مراعاة تنظيم الحياة الاجتماعية والثقافية والنضالية للأسرى خلال فترة اعتقالهم”.

وليد الهودلي: قبل تشكيل تنظيمات الأسرى كان الاحتلال يتعامل معهم على أنهم معتقلون جنائيون (الجزيرة)
تنظيم شامل لحياة الأسرى
هذه التنظيمات كان لها أهميتها الكبرى في تشكيل وعي الحركة الأسيرة، ومواجهة مخططات الاحتلال في التعامل مع الأسرى على أنهم أسرى جنائيون وسلبهم صفتهم الدولية كأسرى في مواجهة الاحتلال، وفق الكاتب المختص بأدب السجون وليد الهودلي.

الهودلي الذي قضى أكثر من 15 عاما في السجون، وله عديد المؤلفات عن أوضاعها، قال للجزيرة نت إنه قبل تشكيل هذه التنظيمات كان الاحتلال يتعامل مع الأسرى على أنهم معتقلون جنائيون، مما جعل هذه التنظيمات ومنذ بداية تشكيلها تخوض المواجهة من خلال الإضرابات عن الطعام على قضايا مصيرية مثل رفض عمل الأسرى في الصناعات العسكرية الإسرائيلية، ومحاولة فرض طريقة تعامل مهينة مع السجان، مثل الانحناء له عند دخوله للأقسام.

كما استطاعت هذه التنظيمات نزع استحقاقات بنت عليها الحركة الأسيرة الكثير، مثل أن يكون لكل أسير فراش خاص للنوم، ثم سرير “بورش”، وتحديد نوعية الأكل المقدم لهم ومدة العزل وغيرها من القضايا الحياتية للأسرى.

وأيضا، من خلال هذه التنظيمات وقياداتها استطاع كل فصيل أن يحافظ على الروح الجهادية والوطنية من خلال لوائح تنظيميه ووضع البرامج الثقافية والوطنية التي تتناسب مع أيديولوجيته.

وينبثق عن هذه الهيئات مسؤول لكل غرفة في القسم، يكون مسؤولا عن تقسيم العمل داخلها، ولجان ثقافية، ولجان أمنية تحافظ على أمن المعتقل من اختراق جهاز استخبارات السجون، وتابع الهودلي “هذه التنظيمات قدمت للأسرى حياة ثقافية واجتماعية شاملة ومنظمة داخل السجن”.

ماذا بعد حل هذه التنظيمات؟
وأمام هذه الحالة من التنظيم لم تجد إدارة مصلحة السجون سبيلا سوى الانصياع لإدارة الأسرى، والتعامل مع ممثليها. فكان اتفاق ضمني بتسهيل عملها اليومي في الأقسام مقابل امتيازات يحصل عليها الأسرى، كما يقول قدورة فارس.

على سبيل المثال خلال عملية عد الأسرى التي تقوم بها إدارة السجون 3 مرات يوميا، من الصعب أن تقوم بها الإدارة بدون تعاون الأسرى بالوقوف وعدم خلق بلبلة، ومقابل ذلك يتمكن الأسرى من الخروج إلى “الفورة” وممارسة الرياضة بدون عراقيل.

كما أنه إزاء أي خلل في هذه العملية وغيرها يتم مراجعة ممثل القسم وليس الأسير نفسه، والعكس هو ما يعنيه حل التنظيمات، فيصبح على إدارة السجن أن تتعامل مع كل أسير؛ وهذا ما يخلق أجواء مشحونة وحالة من التوتر الذي يؤدي إلى تعبير كل أسير عن رفضه أو غضبه بطريقته الخاصة تصل أحيانا إلى عمليات طعن للسجانين من قبل الأسرى.

يقول منصور عن ذلك “هذا يعني أن يعيد الأسرى الصراع إلى مرحلة الفوضى التي كانت عليه قبل تشكيل هذه التنظيمات”. والتخوف بالنسبة لمنصور أن تطال هذه الفوضى العلاقات الداخلية بين الأسرى أنفسهم.

ويقلل فارس من هذا التخوف، فيقول إن إعلان الأسرى حل الهيئات التنظيمية يتعلق فقط بتمثيلها للأسرى أمام إدارة السجون، ولكن ذلك لا يعني أن تتوقف عن إدارة الشأن الداخلي للأسرى. مشيرا إلى أن الأسرى بناء على هذا القرار أصبح لديهم أوراق ضغط إضافية يمكن استخدامها لإجبار الإدارة على التراجع عن قرارها، مثل عدم الالتزام في العدد وعدم التعاون خلال الإجراءات اليومية التي يقوم بها السجانون.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.