كورونا ومنع انتشارها بعون الله

الشيخ د. : صالح بن مقبل العصيمي خطيب

اقتباس
وَكُورُونَا فَيرُوسٌ مُعْدٍّ؛ وَمَرَضٌ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَمْرَاضِ يُقَدِّرُهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلّا- عَلَى عِبَادِهِ مَتَى شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ؛ وَمَوْقِفُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمُعْديَّةِ وَاضِحٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُبْذَل كُلّ جُهْدٍ لِلَحْدٍ منها، وَعَدَمِ اِنْتِشَارِهِ وَتَعَدِّيِهِ إِلَى الْغَيْرِ، مِنْ خِلَاَلِ عَدَمِ الْاِخْتِلَاطِ، بِالْمَرِيضِ الْمُصَابِ بِالْمَرَضِ الْمُعْدِّي.

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

إنَّ الحمدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عباد الله: خَرَجَ عُمَرُ بْن الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى الشامِ، حَتَّى إِذَا قَرِبَ مِنَ الشامِ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيدَةَ بْن الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأرْضِ الشامِ، فَدَعَا عُمَرُ الصَّحَابَةَ وَاِسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بالشامِ، فَاِخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِّيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وَلَا نَرَى أَنْ تُقَدِّمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: “إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ“.

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ- فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: “إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ“، قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ.(رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ).

وَالطَّاعُونُ اِسْمٌ لِكُلِّ وَبَاءٍ عَامٍّ يَنْتَشِرُ بِسُرْعَةٍ بِالْأرْضِ، فَيُصِيبُ أهْلُهَا وَيَمُوتُ النَّاسُ مِنْهُ. يُسَمَّى: الطَّاعُون؛ وَالطَّاعُون عَذَابٌ يُرْسِلُهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلّ- لِأَهْلِ الْأرْضِ.

فَحَذّرَتِ الشَّرِيعَةُ مِنْ إيقَاعِ النَّفْسِ فِي مَوَاطِنِ الْهَلَّاكِ، فقالَ -تعالى-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة:196].

وَكُورُونَا فَيرُوسٌ مُعْدٍّ؛ وَمَرَضٌ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَمْرَاضِ يُقَدِّرُهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلّا- عَلَى عِبَادِهِ مَتَى شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ؛ وَمَوْقِفُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمُعْديَّةِ وَاضِحٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُبْذَل كُلّ جُهْدٍ لِلَحْدٍ منها، وَعَدَمِ اِنْتِشَارِهِ وَتَعَدِّيِهِ إِلَى الْغَيْرِ، مِنْ خِلَاَلِ عَدَمِ الْاِخْتِلَاطِ، بِالْمَرِيضِ الْمُصَابِ بِالْمَرَضِ الْمُعْدِّي.

ولَقَدَّ وَضعَ الْإِسْلَامُ قَوَاعِدَ الْحَجَرِ الصِّحِّي مِنْ نَحوِ ألْفٍ وَأَربعمائةِ سَنَة. قال -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: “لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ“(أخرجه الشيخانِ).

وَيَأْمُرَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- الْأَصِحَّاءَ بِعَدَمِ مُخَالَطَةِ الْمَرْضَى بِمَرَضٍ مُعْدٍّ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا وَفَدَ وَفْدُ ثَقيفٍ كَانَ مِنْ ضِمْنِهِمْ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ“(رواه مسلمٌ).

وقالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ -أي: الطاعونَ- رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أَوْ بَقِيَّةُ عَذَابٍ عُذِّبَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْ قَبْلِكُمْ، فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا وَإِذَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا“(أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ).

فَالْقَاعِدَةُ الْشَرْعِيَّة إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِأرْضٍ، فَإِنَّنَا لَا نَقْدُمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإقْدَامَ عَلَيْهَا إِلْقَاءٌ بِالنَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا وقَعٍ فِي أرْضٍ فَإِنَّنَا لَا نَخْرُجُ مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ؛ فمَهْمَا فَرَرْتَ مَنْ قَدَرِ اللهِ إِذَا نَزَلَ بِالْأرْضِ، فَإِنَّ هَذَا الْفِرَار لَنْ يُغْني عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَالْقِصَّة الَّتِي قَصَّهَا اللهُ عَلَيْنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ قصة الَّذِينَ خَرَّجُوا مِنْ دَيَّارِهِمْ وَهُمْ أَلُوفُ حَذِرُ الْمَوْتِ؛ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: إِنَّهُ نُزُلٌ فِي أرْضَهُمْ وَبَاءً فَخَرَّجُوا مِنْهَا، فَقَالَ اللهُ لهم: (مُوتُوا ثُمَّ أَحَيَّاهُمْ)؛ لِيُبَيِّنُ لهم أَنَّهُ لَا مَفَرٌّ مِنْ قَضَاءِ اللهِ إِلَّا اللهَ.

وعن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللهُ -تعالى- عَلَى مَنْ يشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللهُ -تعالى- رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنينَ، فَـ”لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ فِي الطَّاعُونِ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ“(رواه البخاري).

وحَديثِ عَائِشَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- دليلٌ عَلَى فَضْلِ الصَّبْرِ وَالْاِحْتِسَابِ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا صَبَّرَ نَفْسهُ فِي الْأرْضِ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الطَّاعُون ثُمَّ مَاتَ بِهِ، كَتَبَ اللهُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ الشَّهِيدِ. وَهُنَاكَ مَنْ يَكُون قَدْ سَافَرَ لِبَلَدٍ، وَمُنِع مِنَ الْعَوْدَةِ لِبَلَدِهِ خَوْفاً مِنَ اِنْتِشَارِ الْوَبَاءِ عَنْ طَرِيقِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصبِرَ فَإِذَا بَقِيَ فِيهَا صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ، فَإِنَّ اللهَ -تعالى- يَكْتُبُ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ.

وَالْمُسْلِمُ الْمَرِيضُ بِالْمَرَضِ الْمُعدِّي مَأْمُور شَرْعًا؛ بِالْإفْصَاحِ عَنْ مَرَضِهِ لِلْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةِ، وَعَدَمِ خِدَاعِ النَّاسِ؛ بِحَيْثُ يُخْفِي مَرَضُهُ، بَلْ هُوَ مَلْزُومُ بِالْاِلْتِزَامِ بِالْحَجَرِ الصِّحِّي؛ وَالْإِسْلَامُ جَعَلَ مِنَ الْمُسْلِمِ مُحَاسَبًا وَرَقيبَاً عَلَى نَفْسِهِ، وَأَنْ يَتَّبِعَ الْأَمْرَ وَلَا يَعْصِي.

وَمَنَحَ الْإِسْلَامُ ثَواب ذَلِكَ لِمَنْ اِلْتَزَمَ بِالْحَجَرِ الصِّحِّي ثَوَابَ الشَّهَادَةِ إِنْ مَاتَ متُمسِّكاً بِتعَاليمِ الْإِسْلَامِ الصِّحِيَّةِ، وَجَعَلَ عُقُوبَة الَّذِي يَخْرُجُ مَنْ بِلَادٍ وَقَعَ فِيهَا الْوَبَاءَ؛ كَعُقُوبَةِ الْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: “الطَّاعُونُ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ، الْمُقِيمُ بِهَا كَالشَّهِيدِ، وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ“(أخرجهُ أحمدُ بإسنادٍ جيدٍ).

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَة الثَّانِيَة:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ −عِبَادَ اللهِ− حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللهِ، قَالَ -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[الحديد:22-23].

فعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْبَابِ الأَمْنِ وَالْعَافِيَة، وَمِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْأَمْنُ وَالْعَافِيَةُ، وَالْطُمَأْنِينَة وَالسَّلَاَمَة مِنْ كُلِّ شَرٍّ: الأذكار وَالتَّعَوُّذَاتِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْسُنَّةِ: فَكُلَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحِفْظِ وَالسَّلَاَمَةِ وَالْأَمْنِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ؛ بِعَوْنِ اللهِ.

فينبغي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي أَوْقَاتِهَا؛ وَالْمُحَافَظَة عَلَيْهَا، وَهُمَا مُطْمَئِنَّانِ، وَوَاثِقَانِ بِرَبِّهِمَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْقَادِر عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، لَا إلَهُ غَيْرُه وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، وَبِيَدِهِ التَّصَرُّفِ وَالْمَنْعِ وَالضُّر وَالنَّفْعِ، وَهُوَ الْمَالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ -عَزَّ وَجَلّ-، فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ؛ حَيْثُ أَتَى رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ: “أَمَّا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَّقَ، لَمْ تَضُرَّكَ“(رَوَاهُ مُسْلِم).

فَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ دَالَةً عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْعَافِيَةِ؛ وَهَكَذَا: “بِاِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اِسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ“؛ ثَلاث مَرَّاتٍ صَبَاحًا وَمَسَاءَ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: “مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَيَضُرُّهُ شَيْءٌ“(رواه ابنُ ماجه بإسنادٍ صحيح).

ولم يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يَدَعُ هَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي“(حديث صحيح).

وكان مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ“(رواه مسلم).

وقال -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: “مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ“(رواه البخاريُّ).

وقوله -صلى اللهُ عليه وسلم-: “اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي سَمْعِي، اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ“(حديث حسن).

وقال -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ“(رواه الإمامُ أحمدُ بسند صحيح).

عِبَاد اللهِ: وَمِمَّا ينبغي التَّأْكِيدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَجَنَّبَ نَشْرَ مَا يُسَبِّبُ الْخَوْفَ وَالْهَلَعَ لِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ تِجَاهَ هَذَا الْمَرَضِ؛ مِنْ خِلَالَ نَشْرِ الشَّائِعَاتِ: وَأَنْ يَحْذَرَ أَيْضَاً مِن نَشْرِ الشَّائِعَاتِ الَّتِي تُطْلَقُ وَتُرَوَّجُ لِلتَّهْوِينِ مِنْ خُطُورَتِهِ، حَيْثُ سَمِعْنَا مَنْ حَوَّلُوا الْأَمْرَ إِلَى مِثْلِ هَذَا الْاِسْتِخْفَافِ وَالسُّخْرِيَّةِ بِهِ.

فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَامَل مَعْ هَذَا الْمَرَضِ بِتَوَسُّطٍ لَا يُهَوِلُهُ وَلَا يَسْتَخْفِفْ فِيهِ؛ وَأَنْ يَلْتَزِمَ بِتَوْجِيهَاتِ الْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةِ الَّتِي أَنَاطَ بِهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ؛ وَلَقَدْ وُفِقَتْ بِلَادُنَا -وَلِلَهِ الْحَمْدُ- بِاِتِّخَاذِهَا الْقَرَارَاتِ الْمُتَفِقَةِ مَع مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ بِالتَّعَامُلِ مَع هَذَا الْمَرَضِ: وَمَنْعِ وُصُولِهِ بِلُطْفِ اللهِ وَعَوْنِهِ لِبِلَادِنَا، وَهِي خَطَوَاتٌ مُوَفَّقَةٌ مُبَارَكَة.

اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَبِلَادَ الْمُسْلِمِينَ شَرَّ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْبِئَةِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَا الْغَلَاَءَ وَالْوَبَاءَ وَالرِّبَا والزنا وَالزَّلَازِلَ وَالْمِحَن، وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنْ؛ بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيْم وَنَفعنَا فِيهِ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،