كورونا جرأتنا على القدر..

بقلم الشيخ سفيان أبوزيد

كلما وقعت كارثة أو مصيبة إلا وتدخلت عقول آثمة لتفسيرها ووضعها في محل ونزلتها تنزيلا هاويا ساقطا، وأصدرت عنها أحكاما قطعية يقينية وكأن خط الوحي لازال ساخنا بينها وبين الموحي به سبحانه، فتجاوزنا بذلك إلزام المعتزلة وخرافة بعض غلاة المتصوفة حدثني قلبي عن ربي، ونحن ندعي السنة والسلفية والتوقف واتباع الأثر…
وهذا لعمري خلل واضح وخطأ فادح في التعامل مع القدر، وجرأة على الله عزوجل وصفاقة نلبسها لباس الدين، والدين براء منها…

من قال لك بأن الداء الفلاني علته كذا؟؟
ومن أخبرك بأن الكارثة الفلانية سببها كذا؟؟
ومن قال لك بأن المصيبة العلانية مناطها كذا؟؟

ننطلق في تفسيرات غائبة معتملة بالجهل وقلة الأدب، وتشويه صورة الدين والتدين، الذي نرده أسفل سافلين، في مستنقعات الخرافة والدجل والجهل الذي ما أنزل الله به من سلطان…

وهذه الجرأة لا تقتصر على الكوارث والمصائب العامة، بل تشمل المصائب الأفراد، فنخوض في تأويلها وتنزيلها والتجسس على أسبابها وعللها، ودافعنا في ذلك قلوب مليئة بالحقد وسوء الظن، وعقول ملطخة بالتخلف والجهل…

قد يقول قائل: كيف تقول هذا والقرآن قد علل كثيرا من الكوارث التي أصابت أقواما، إما لكفرهم وجحودهم أو ظلمهم؟

الجواب: من القائل والمقرر في القرآن !؟
إنه علام الغيوب الذي قال لنا (أأنتم أعلم أم الله) فهو الفاعل وهو المقدر وهو الحاكم المقرر سبحانه (ألا له الخلق والأمر) فكيف يجرأ أحدنا وهو يدعي تنزيه الله وأنه ليس كمثله شيء في تقليده فيما هو خاص به والتجرئ على حياض الألوهية ناسبا ذلك لدينه البريئ من كل ذلك..
فإذا علل الله أو قرر أو حكم أو ربط بين قدر وسببه فذاك شأنه، ولا شأن لنا بذلك..

قد يقول قائل: قد وردت نصوص في أن المرض يمحو الخطايا ويرفع الدرجات؟

الجواب: نعم، ولكن ليس في هذه النصوص تفصيل أو تحديد، وإنما هو ربط عام المقصود منه التخفيف على المصاب ورفع لمعنوياته، والمقتفي والمتبع لهذه السنة ينبغي أن يكون مصدر تخفيف، ورحمة وليس سهم شؤم طاعن لاذع، وإلا فلنصمت ولا نتجرأ على حياض الألوهية..

قد يقول قائل: قد ورد عن بعض الصالحين، أنه كان إذا تململت دابته فسر ذلك بذنب وقع فيه؟

الجواب: هذا فيما يخص النفس سعيا في تربيتها وتهذيبها ولا ينبغي أن يتوسع فيه حتى لا يصل إلى درجة القنوط والوسوسة، ولا ينبغي أن يُصَدّر ذلك أحكاما على الآخرين أفرادا أو أمما، مسلمين أو غير مسلمين، نرجمها رجم الغيب والجهل هنا وهناك، ظنا منا أننا ننصر دين الله أو ننصر إخواننا، ونحن في الحقيقة نهدم الدين عروة عروة، وننسف قواعده…

ونختم بأمر خطير آخر تكشفه لنا هذه الجرأة، وهو ازدواجيتنا الانسانية والقيمية، فإذا أصيب بنوا جلدتنا أو ديننا أو أقاربنا أو إخواننا كان لنا تفسير فيه من الرحمة والعطف والتفاؤل الشيء الكثير، وإذا نزل نفس الأمر بأباعد عنا أو خصوما لنا لبسنا الأمر من التفسيرات العقاب والانتقام ما تنوء عن حمله السطور وعن فهمه العقول…

فلنتأدب مع القدر ولنسلم أمره إلى مقدره سبحانه…ولنبحث عن طريقة شرعية فاعلة أخرى ننصر بها إخواننا وننتصر بها على أعدائنا..

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.