كورونا، ذكريات الضعف و العجز… َ

بقلم الشيخ سفيان ابو زيد 

صادفت هذه الذكرى الفيسبوكية الدالة على أضعف مرحلة يمر بها الإنسان، عجزٌ في حركته وفي حمايته وفي قُوته وفي عقله وتفكيره..

جاءت في هذه المرحلة والظرف الذي يعيشه الإنسان، وهو يواجه خصما ضعيفا غلبه بضعفه فضعفه ووهنه وأوقفه عاجزا رغم أنه قد أوتي من الوسائل على إنهاء ما هو أقوى منه وأكبر منه بعشرات وميئات وآلاف المرات..ولكنه غلبه من جهتين:

من جهة ضعف هذا الفيروس المادية:

فهو مخلوق دقيق لا يرى، ولا يرعب بضخامته ولا يخيف بزئيره، ولا يزلزل بضرباته، ولا يفتك بلطماته، ولا يسحق بحركاته، بل هو مخلوق هزيل وجوده المادي كعدمه، وحلوله كذهابه، إمعة يتطايره أدنى نسيم، وينقله أدق رذاذ، ويتركه أقل لمس..ليس بالشبح المخيف، الذي يصرع أو يحرك او يرفع أو يخفض دون أن تراه، بل هو من يحتاج لمن يحركه أو يرعاه، لا يستطيع أن يعيش منفردا، ضعيف فقير لك لتكون له مهدا..كل مقومات الضعف هذه، والهزال والهوان، استطاع أن يقهر بها الإنسان، وأن يوقف كل وسائل هجومه ودفاعه، وأن يخترق كل حدوده، فسجنه ومنعه وحجره وأبعده وشل حركته وأقعده وقطع الانسان عن بعضه وبني جنسه وبني جلدته..وهذا بعض فعله، أما مآلات أفعاله فحدث ولا حرج..

جهة الغلب الثانية هي جهة تميز وقوة هذا الإنسان:
وهي عقله وعلمه، فبعقله الذي تولد عن إعماله عدد لا يحصى من العلوم والإنجازات والاختراعات والابتكارات التي ساهمت في تعزيز سيادته لهذا العالم، ومحضت تفرده للقيادة دون منازع، يخطط ويخط، ويستخرج ويقسم ويمشي ويجيئ ويبني ويرفع ويعطي ويمنع، ويرسل ويقطع، يلعب بالمادة لعبا، ويسير على خطى المجد دأبا، حتى صار سيد العالم بامتياز، وظن ألا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فجاء فيروس مخلوق هل بقي على أصل خلقته أو تدخل الإنسان في تغييره اوصافه بيده ليجعله سلاحا من أسلحته؟! لا ندري!! المهم أنه خرج عن سيطرته في الميدان الذي ظن أنه قد أحكمه وامسك بزمامه ولجامه وقيوده وفصوله، واعتقد أنه لا ولن يقدر عليه أحد فيه..

فقال له هذا النوع من كورونا مهلا! باسمي وباسم كل مخلوق على وجه هذه الأرض، نعترف لك أيها الانسان بكرامتك، وإبداعك، ورسوخك، ونجدك، وأنك استطعت بعقلك وعلمك أن تصل إلى سدة التحكم في أعتى مخلوقات هذا العالم وأضخمها وأقواها، واستطعت أن تذلل أضخم جماداته وأعلاها، وتمكنت من الوصول إلى أعماق طبقاته وأبعدها، وتمكنت من رؤية والتعامل مع أدق مخلوقاته وأصغرها، صلت وجلت وحركت ونسخت وبنيت وهدمت ونسفت، غيرت وبدلت وحولت، وفعلت كل ما تحتمله صيغة الفعل، ولكنك لا ولن تستطيع أن تخرج عن دائرة مخلوقيتك.. جئت وأنا المخلوق الضعيف لأنبهك إلى هذه الحقيقة، وأقول لك بأن لهذا العالم رب وما دونه مربوب، جئت لأحد قليلا من أفعالك وحركاتك التي ظننت ألا يستطيع ذلك أحد بعد اليوم كائنا من كان، تلك الأفعال والحركات التي قد تجاوزت فأزعجت ولوثت ودمرت وخرقت ولم تراع قانون المخلوقية..

قد تقدر علي وتقضي علي بقدراتك العلمية وهاأنت تحاول وتحاول، ولكن هذه الوقفة ستكون ذكرى لك إن تذكرت، وسيسجلها تاريخك وتكتب عنها أجيالك، بأن مخلوقا صغيرا دقيقا ضعيفا قد أعجز الإنسان في مكمن قوَّته، وهدده في مظان قوته، وأزعجه في دقائق حياته..وبنو جلدتي كُثُر فهل من متعظ ومدكر!

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".