قمة

ادهم شرقاوي

يقولُ روبرت غرين في كتابه “33 استراتيجية للحرب”:
في مرحلةٍ مُبكرةٍ حددَ “يوليوس قيصر” “بومباي” كعدوٍ له، فراحَ يقيسُ أفعاله، ويقومُ بحساباتٍ دقيقة، ويفعلُ فقط الأمور التي تضعه في موقفٍ صلبٍ من مواجهةِ “بومباي”!
وحين اندلعتْ الحربُ أخيراً بين الرجلين، كانَ قيصر في أفضل أحواله، ولكن ما إن هزمَ بومباي ولم يَعُدْ له منافسين من وزنه، حتى فقدَ شغفه بكلِّ شيء!
كانَ انتصاره على بومباي كارثته الشخصية. أعداؤكَ يُجبِرونكَ على أن يكونَ لديكَ إحساس بالتواضعِ والواقعيَّة!

يُخيَّلُ إليّ َأنَّ مسيرةَ البشرِ على هذه الأرض، أفراداً ودولاً وإمبراطورياتٍ، أشبه برسمٍ بياني يبقى آخذاً في الصعودِ حتى يصل إلى القِمة، ثم إنه متى وصلَ يأخذُ طريقه الطبيعي نحو الانهيارِ وإن بِبُطءٍ شيئاً فشيئاً، حتى ينهار تماماً!

على مرِّ التاريخِ كانتْ الجيوش التي تكتسحُ الدُنيا، وتُقيمُ إمبراطورياتٍ شاسعة تبدأُ رحلة انتهائها في اللحظةِ التي لا يبقى لها أعداء، يتحولُ الحاكمُ الفاتحُ إلى الرفاهية، ويتحولُ القادةُ من فاتحين إلى باحثين عن النفوذ!
وشيئاً فشيئاً تُصابُ الإمبراطوريةُ بالترهُّلِ وتنهار!
هذا ما أصابَ الإمبراطورية الرومانية، وإمبراطورية الفُرس، ودولة العربِ في الأندلُس، والخلافة العُثمانية، والاتِّحاد السُّوفياتي، وهذا ما ستُصابُ به أمريكا، إنَّ حتميةَ سُقوطِ الدُّوَلِ هو الشيءُ الوحيدُ الثابتُ في التاريخ!

حتى في حياةِ الأفراد، أرى أن وصولهم إلى القِمةِ هو أول مقتلهم، أغلبُ الأُدباءِ الذين حصلوا على جوائزِ نُوبل كانَ نِتاجهم الأدبي قبل الجائزة أجمل منه بعدها!
لا شيء يُفسرُ هذا غير أنَّ الإنسان يتراخى عند القِمة!
أو لعلها سُنةُ اللهِ في الكون!
كانَ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ناقة سريعة اسمها العضباء، وكانَ يُسابقُ بها كعادةِ العربِ، والمرءُ نهاية المطافِ من قومه، وكانتْ العضباءُ لا تُسْبَق، وجاءَ مرة أعرابيٌّ من الباديةِ على ناقةٍ له، فسابقَ العضباءَ فسبقها، فحزنَ الصحابةُ لذلك، فقالَ لهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: حقٌ على الله ألا يرتفع شيء من الدُنيا إلا وضعه.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.