قريبًا ستنضبط عقارب الدنيا بتوقيت المسجد الأقصى

المقال الأسبوعي الشيخ كمال خطيب حفظه الله

في ذكرى الإسراء والمعراج

ليلة الأربعاء القريب 4/3 الموافق 27/رجب في ليلة ذكرى معجزة وكرامة الإسراء والمعراج، بها أكرم الله تعالى رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالرحلة والضيافة الخارقة بالإسراء به من مكة المكرمة إلى القدس الشريف ثم المعراج به من القدس الشريف إلى السماوات العلا والعودة إلى مكة و فراشه صلى الله عليه وسلم لم يزل دافئًا.
لن نتحدث عن معجزة الإسراء والمعراج بالنمط السردي عن كيفية وظروف هذه الرحلة المباركة وعن حقيقة البراق ذاك المخلوق الذي خلقه الله تعالى لأداء هذه المهمة، ولا عمّا رآه النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء من تفاصيل في القدس أو في رحلة المعراج، ولا عمّا رآه ومن لقيه من الأنبياء في كل سماء كما ورد في الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عمّا فصّلته سورة النجم من وقفات في تلك الرحلة. وإنما سنذهب للحديث والبيان في حال المحطة الأولى من تلك الرحلة ألا وهو المسجد الأقصى المبارك والقدس الشريف.

مكة والقدس ما أشبه الليلة بالبارحة

{سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} الآية 1 سورة الإسراء.
إنها سورة الإسراء، واسمها كذلك سورة بني إسرائيل والتي ابتدأت بآية الإسراء وذكر المسجد المسجد الأقصى المبارك، ثم كان الانتقال المباشر للحديث عن بني اسرائيل قوم موسى عليه السلام.

ومع أن هناك إجماعًا بين المؤرخين والمفسرين أن القدس في تلك المرحلة كانت خالية من اليهود منذ مئات السنين، وقد منع الروم الذين احتلوا القدس اليهود من السكن فيها، ولأنه الله العليم الخبير الذي علم أنه سيكون لليهود بني إسرائيل شأن آخر مع القدس عمومًا والمسجد الأقصى خصوصًا في قادم الزمان، لذلك فقد كان هذا الربط الرباني الحكيم بين بني إسرائيل وبين رحلة الإسراء والمعراج في المحطة الأولى المسجد الأقصى. إنه المسجد الذي أمر الله تعالى الملائكة في عهد آدم عليه السلام ببنائه بعد أربعين سنة من بناء أول بيت عُبد الله فيه في الأرض، المسجد الحرام بمكة المكرمة وهو الذي سُئل عنه صلى الله عليه وسلم: ” يا رسول الله أي المساجد بني في الأرض أولًا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: المسجد الحرام. قيل ثم أي يا رسول الله؟ قال المسجد الأقصى وبينهما أربعين سنة”.

إنها مكة المكرمة التي احتضنت المسجد الحرام، ويومها كان قد تسلط عليها الكفار الأشرار الذين أشركوا بالله، بل حاربوا رسول الله في مهد التوحيد ومن جوار بيته العتيق. وإنها القدس الشريف التي احتضنت المسجد الأقصى يومها، قد تسلط عليها الروم وقد احتلوها وكانوا يلقون زبالتهم ونفاياتهم حيث مكان المسجد الأقصى المبارك.

وما أشبه الليلة بالبارحة، ويدور الزمان لتعود مكة المكرمة التي احتضنت المسجد الحرام وقد تسلط عليها أشرار وظلمة وقتلة، وإن كانوا مسلمين من آل سعود يحاربون الله ورسوله وكل من يسير على نهج رسوله هناك في مهد التوحيد ومن جوار بيته العتيق. وإنها القدس الشريف شقيقة مكة المكرمة التي احتضنت المسجد الاقصى وقد احتلها اليهود من بني إسرائيل، وليس أنهم يستهدفون مسجدها الأقصى بالتدنيس وحسب بل إنهم الذين يخططون لهدمه وبناء هيكل مزعوم لهم على أنقاضه.
إنه وجه الشبه الكبير بين من عبد الأصنام قرب بيت الله الحرام بدعوى أنها تقربهم إلى الله زلفى، وبين من يقتلون المسلمين ويسجنون الدعاة إلى الله ويحاربون من يناصر الإسلام بدعوى محاربة الإرهاب الذي يشوه صورة الإسلام ليقربهم ذلك إلى إسرائيل وأمريكا زلفى.

وعلى القدس والأقصى بكى صلاح

إنها القدس الشريف التي بناها اليبوسيون العرب، كانت قد تركت فيها البصمة الأولى من بصمات هويتها ببناء المسجد الأقصى فيها من لدن آدم. ثم كانت البصمة الثانية ليلة الإسراء، ثم كانت بصمتها الثالثة في الفتح العمري المبارك لها وتسلم مفاتيحها من صفرونيوس بطريرك الروم فيها سنه 637م، وقد كانت مقولة صفرونيوس الذي أجاب عمر لمّا سأله عن سبب بكائه وهو يسلم مفاتيحه “والله ما على زوال ملكي بكيت، وإنما أبكي لأني أعلم أن ملككم عليها سيظل أبد الدهر، يرقّ ولا ينقطع”.

بقي حكم المسلمين وملكهم على القدس مستمرًا بلا انقطاع منذ الفتح العمري لكنه كان رقيقًا ضعيفًا خلال احتلالين وقعا على القدس. أما الاحتلال الأول فهو الاحتلال الصليبي وقد استمر من العام 1099م وحتى العام 1187م. وأما الاحتلال الثاني فقد ابتدأ في العام 1967م وما يزال حتى يومنا هذا، إنه الاحتلال اليهودي الصهيوني. ولعل في هذا الاحتلال دلالة على علم الله العليم الخبير الذي أتبع آية الإسراء بالحديث المفصل عن بني اسرائيل وعن موقفهم من ذلك المسجد مما نراه اليوم واقعًا نعيش تفاصيله لحظة بلحظة حيث يكتب التاريخ الآن، وليس ما نقرأه عن ذلك من كتب التاريخ.

قدّر الله وشاء سبحانه أن يكون خلاص وتحرير القدس والمسجد الأقصى من الاحتلال الصليبي الذي جثم على صدر القدس قريبًا من تسعين سنة على يد الفاتح صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وكان ذلك ليلة 27/رجب من العام 1187م أي ليلة ذكرى وكرامة ومعجزة الإسراء والمعراج، المسجد الأقصى الذي وإن كان المسلمون بقوا يصلّون فيه لكن سيادة المحتل الصليبي عليه وصلت إلى حد أن يمنع الأذان فيه، وأن يرفع الصليب على قبته بدل الهلال وأن يحوّل بعض أجزائه إلى اصطبل لخيل الغزاة، وأن يشرب جنود الاحتلال الصليبي الخمر في ساحاته. وها هو المسجد الأقصى يعود مرة ثانية للاحتلال منذ الفتح العمري، صحيح أن المسلمين يصلّون فيه لكنه الاحتلال الصهيوني يتجبر فيه ويعربد فيمنع الأذان فيه كلما أراد الاحتلال، بل ويغلق أبوابه ويطرد المصلين منه، بل ويحمل العلج الشرطي الصهيوني زجاجه الخمر في ساحاته بل ويدنسه المدنسون اليهود كل يوم.

إنه صلاح الدين الأيوبي الذي طهّر القدس والأقصى من دنس الاحتلال الصليبي ليله الاسراء والمعراج عام 1187م بعد أن استعد لذلك بتطهير وتخليص البلاد الإسلامية من عملاء الاحتلال الصليبي، وقد بدأ ذلك في مصر عام 1170م، ثم دمشق 1181م، ثم حلب 1183م، ثم الموصل 1185م، ثم القدس 1187م وأهدى للمسجد الاقصى المنبر الشهير كان الصّناع قد بنوه استعدادًا ليوم الفتح، وقد قال الخطيب ابن الزكي مستبشرًا بعد فتح حلب بفتح القدس

وفتحكم حلبًا بالسيف في صفر مبشر بافتتاح القدس في رجب

فكان فتح القدس في رجب وفي ليلة 27/رجب ليلة الإسراء، وكان إكرام صلاح الدين للخطيب ابن الزكي بأن قدّمه ليكون خطيب جمعة الفتح في المسجد الأقصى المبارك.
إنه صلاح الدين الايوبي الذي كان يبكيه حال المسجد الاقصى وكان قليل الإبتسامة حتى إذا سئل عن ذلك قال “إنني أستحي من الله أن أبتسم وما يزال المسجد الأقصى بيد الصليبيين”، بينما نجد زعماء عرب ومسلمين أشباه رجال في زماننا يضحكون ملء أشداقهم وهم يسمعون أنين الأقصى ويرون ما يفعله الاحتلال الاسرائيلي من استهدافه عمومًا وما يريد فعله بمصلى باب الرحمة سعيًا لإغلاقه في الخطوة الأولى ثم العمل على تحويله كنيسًا في المرحلة الثانية بينما أشباه الرجال من الزعماء أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة يتنافسون بينهم فيمن يكون أسرع لفتح اتصالات واقامة علاقات مع اسرائيل من تحتل المسجد الأقصى وتنتهك حرمته.

الحرب على الرموز

ليست عفوية ولا بريئة حملة التطاول والنيل من شخص القائد الفذ صلاح الدين الأيوبي محرر القدس من الصليبيين. وإذا كانت الأمم في فترات ضعفها وهزيمتها فإنها تستحضر التاريخ وتنبش الماضي لعلها تجد فيه السلوى عبر محطات العزة وقامات وأبطال من أبنائها، بهم تحيي الأمل للخلاص مما هي فيه، إلا أن من بيننا من يفعلون العكس وإذا بهم في هذه الظروف العصيبة يستغلون سهام الكيد والحقد ليطعنوا بها، واقلام الضغينة ليسوّدوا بها صفحات مشرقة ورجالًا عظماء عبر النيل منهم والانتقاص من أدوارهم بل والطعن في دورهم في محاولة لمزيد من اليأس والإحباط عبر تصوير عظماء الماضي وأبطال التاريخ بالمفسدين.

فهل كان صدفة أن يخرج إلى الناس في زمن بشار الممثل السوري عباس النوري المشهور بكنيته “أبو عصام” في مسلسل باب الحارة ليطعن في شخص القائد صلاح الدين ودوره في نصرة الاسلام وتمريغ أنوف الصليبيين في تراب حطين حين يقول عنه “إن صلاح الدين كذبة كبيرة” حتى أن أحدهم رد عليه بالقول: “سبحان الله صلاح الدين البطل كذبة وأدعياء البطولة في باب الحارة حقيقة؟”. لكن إذا عرف السبب بطل العجب، فإذا عرفنا أن عباس النوري هو شيعي المذهب وأنه سبق وتطاول على سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وموقف الشيعة من عمر رضي الله عنه وشتمه والتطاول عليه وبناء مزار لقاتله أبي لؤلؤه وموقفهم من صلاح الدين وعدم ذكره في كتبهم إلا بوصف “هلاك الدين” بدل صلاح الدين، إنه مخطط النيل من الرموز والقامات العظيمة وتشويههم.

وهل كان صدفة أن يخرج في زمن السيسي الكاتب المصري يوسف زيدان ويقول عن صلاح الدين بطل حطين أبشع مما قاله السوري عباس النوري حيث قال: “إن صلاح الدين الأيوبي أحقر شخصية عرفها التاريخ” ويقول عن قطز بطل عين جالوت “إن صرخة قطز واإسلاماه تزيد إحساس العنف عند الأطفال”، لا بل إنه ذهب للقول “إن المسجد الأقصى المذكور في القرآن موجود في السعودية وإن هذا المسجد هو مكان الهيكل”، لا بل إنه ذهب لحد إنكار معجزة الإسراء والمعراج لما قال “نعم ذكر الإسراء في القرآن، لكن المعراج دا معرفش جابوه منين”!!

إنه يوسف زيدان وهجومه وتطاوله على صلاح الدين ووصفه بالحقير، وهو الذي لم تطاوع أقلام الكتاب والمؤرخين الغربيين أصحابها فكتبت عنه بكل معاني الإنسانية والتسامح والبطولة، لكن ولأن يوسف زيدان حاول إخفاء دوافعه لهذا التطاول والإساءة للفاتح صلاح الدين إلا أن قلبه ولسانه قد فضحاه لما قال: “إن صلاح الدين هو من أنهى حكم الفاطميين من مصر”. ولمن لا يعلم فإن الفاطميين هم الشيعة العبيديون الذين حكموا مصر وتعاونوا مع الصليبيين لاحتلال الشرق الإسلامي.

إنهم الفاطميون العبيديون الشيعة الذين انسحبت حاميتهم العسكرية من القدس عام 1099م، وتركوا القدس تستباح من الصليبيين ولم يدافعوا عنها رغم أنها كانت تحت حكمهم في موقف متواطئ مع الصليبيين. إنهم الفاطميون الذين بنوا القاهرة عام 969م وأسموها بهذا الاسم لتقهر بغداد عاصمة الخلافة العباسية السنية. إنهم أرادوا القاهرة أن تقهر وتواجه بغداد. إنهم الفاطميون الذين كانوا يقولون عن الصليبيين الفرنج الغزاة الذين احتلوا بلاد المسلمين، كانوا يقولون عنهم ويسمونهم باسم “الفرج وليس الفرنج”، فكانوا يقولون جاء الفرج أي أن في وصول الصليبيين الفرج والخلاص من حكم العباسيين في بغداد لأنهم من أهل السنة.

#نعم إنها معركة تشويه الرموز والحرب على التاريخ المشرف في محاولة لخلق حالة من اليأس والإحباط، وهذا يتناسق مع ما يخططه ويريده أعداؤنا لنا بان نقبع في خانة اليأس ونغرق في مستنقع الإحباط ونرضى بالواقع

والقوم يخشون انتفاضة ديننا بعد الجمود وبعد نوم قرون
يخشون يعرب أن تجود بخالد وبكل سعد فاتح ميمون
يخشون إفريقيا تجود بطارق يخشون كرديًا كنور الدين

بتوقيت القدس لا بتوقيت لندن وواشنطن

ها هو المسجد الأقصى المبارك، هو القنبلة الموقوتة التي ما أن تنفجر إلا وتبلغ شظاياها الدنيا كلها، وهو الزلزال الذي ما إن يضرب حتى تبلغ هزّاته الارتدادية كل أصقاع الأرض. وإنه البركان الذي ما أن يثور حتى يصل دخانه ولهيبه مشارق الأرض ومغاربها، ولكن الصبيان من بني اسرائيل وداعميهم من حكام أمريكا من الانجيليين الأصوليين يصرّون على استمرار العمل لتفجير القنبلة وثوران البركان، وعندها ستحترق أولًا اليد التي تشعل نار وحريق الأقصى.

وإننا وفي ذكرى الإسراء والمعراج وتزامن ذلك مع استهداف المسجد الأقصى عمومًا وباب الرحمة خصوصًا، فإننا نذكر من نسي، وننبه من غفل، ونعلم من جهل أن المسجد الأقصى لن يكن يومًا إلا مسجدًا خالصًا لنا نحن المسلمين وفقط لنا، وليس هذا وحسب بل إنني أؤكد وأقول على أنه إذا كان يُعمل اليوم عالميًا بتوقيت جرينتش، فإنه سيعمل يومًا وقريبًا بإذن الله بتوقيت المسجد الأقصى المبارك. نعم سنضبط أوقات الدنيا كل الدنيا وفق توقيت المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف عاصمة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة القادمة قريبًا بإذن الله تعالى.

كما في ليلة الإسراء والمعراج والتي ستهلّ ذكراها بعد أيام، كانت الدنيا تسير وفق تقويم المسجد الأقصى والقدس الشريف حيث كل الأنبياء يصلون في المسجد وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه المسجد الأقصى وإنها القدس ستعود وقريبًا، وقد أصبحت عاصمة دولة الخلافة الإسلامية حين يصلي نبي الله عيسى ابن مريم عند نزوله من السماء في المسجد الأقصى حيث إمامة خليفة المسلمين الإمام المهدي بإذن الله تعالى.

نعم وألف نعم بل مليون نعم، نقولها بيقين أن الأقصى لنا وأن القدس لنا وأن المستقبل لنا، وأن الدنيا كل الدنيا ستخشع بل وستخضع وهي تسمع صوت آذاننا وتكبيرنا يملأ فضاء الكون، وسنضبط عقارب الزمان بتوقيت القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، وإن غدًا لناظره قريب.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

شاهد أيضاً

شهداء بقصف إسرائيلي على رفح والاحتلال يرتكب 4 مجازر في القطاع

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي شن غاراتها الجوية على مناطق متفرقة من قطاع غزة بينها مدينة رفح جنوبي القطاع، رغم تحذيرات دولية من خطورة شن عملية عسكرية على المدينة المكتظة بالنازحين، في حين تنتشر أمراض الجهاز التنفسي بينهم.