“قانون أملاك الغائبين”.. وسيلة إسرائيلية لسلب ونهب أملاك الفلسطينيين في القدس المحتلة

تحذر دراسة إسرائيلية من أن إسرائيل ستقوم بتصعيد سلب ونهب أراضي الضفة الغربية خاصة في القدس المحتلة بشكل خطير، بحال تم تطبيق مخطط الضمّ وذلك من خلال استخدام ما يعرف بـ ” قانون أملاك الغائبين”. وتؤكد حركة ” السلام الآن ” الإسرائيلية في تقرير جديد ترجمه مركز ” مدار ” أنه في حال تم تطبيق قرار الضم، سوف يكون باستطاعة إسرائيل استخدام ” قانون أملاك الغائبين ” لسلب مناطق واسعة في الضفة الغربية من دون الحاجة إلى مصادرتها أو تقديم التعويضات. ويدعم التقرير فرضيته من خلال الكشف عن تعاون الحكومة الإسرائيلية، وصندوق ” الكيرن كييمت ليسرائيل فيما” (الصندوق القومي اليهودي)، والمستوطنين، في استخدام “قانون أملاك الغائبين” لسلب أملاك الفلسطينيين في الشطر الشرقي من القدس المحتلة حيث قامت بنهب ما يقارب 70 كيلومتراً مربعاً من أراضي القدس الشرقية بعد ضمها عام 1967 وأعلنت القدس “عاصمة إسرائيل الأبدية”.

“قانون أملاك الغائبين”

يشار إلى أن “قانون أملاك الغائبين” أقر العام 1950، ويعرّف “الغائب” بأنه الشخص الموجود في دولة عدو، أي أنه يُطبق على الفلسطينيين فقط، فاليهودي الذي يسكن القدس لا يفقد أملاكه في حال غادر إلى أوروبا، في حين أن المقدسي الفلسطيني يفقد أملاكه في حال تواجد في دولة عربية. ويعتبر التقرير أن سن القانون جاء في ظروف استثنائية، وكان الهدف منه تمكين الحكومة الإسرائيلية من السيطرة على أملاك اللاجئين الواسعة والفارغة بعد تهجير الفلسطينيين العام 1948، واستخدام الأراضي والأملاك لتنمية الدولة تجنباً من أن تسيطر عليها جهات أخرى. كما يوضح التقرير أنه رغم عدم وجود أي رابط بين هذه المرحلة والمرحلة اللاحقة لتأسيس إسرائيل، إلا أن حكومتها ما زالت تطبق هذا القانون في القدس الشرقية منذ ضمها العام 1967. ويعتقد التقرير أن الظروف الاستثنائية التي سادت بعد تأسيس الدولة الإسرائيلية قد تبرر سن القانون واستخدامه في تلك المرحلة، ويعتقدون أن ظروف القدس الشرقية بعد العام 1967 كانت مختلفة ولا يجب استخدام القانون فيها. لكن برأي مركز ” مدار ” الفلسطيني فإن الظروف على أرض الواقع لم تختلف بالنسبة إلى الفلسطينيين، فالاختلاف الوحيد هو أن الجهات الإسرائيلية استخدمت النفوذ والقوة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم في العام 1948، قبل سن “قانون أملاك الغائبين” العام 1950 وغيره من القوانين لشرعنة عملية السلب. أما في المرحلة اللاحقة، فبات وجود هذه القوانين يشرعن عملية السلب قبل وقوعها، كما يشرعن استخدام النفوذ والقوة لتهجير الفلسطينيين من أملاكهم ومنازلهم.

منزل عائلة سمرين

يعرض التقرير الإسرائيلي تجربة عائلة سمرين كنموذج يبين آليات استخدام “قانون أملاك الغائبين” لسلب أملاك الفلسطينيين في القدس الشرقية فقد أعلَن ” القيم على أملاك الغائبين ” في أواخر الثمانينيات أن منزل عائلة سمرين من أملاك الغائبين وبيع المنزل إلى الصندوق القومي اليهودي دون معرفة العائلة. وقد شهد أحمد سمرين منذ طفولته انشغال أهله في الإجراءات القانونية لإثبات ملكية المنزل، كما شهد قلقهم الدائم من أن يتم إجبارهم على إخلاء منزلهم في أي لحظة. ورفُعت قضية إخلاء ضد العائلة العام 1991، واستمرت القضية والقلق حتى وجد أحمد نفسه بعد 30 عاماً يربي أطفاله في منزل طفولته وهم يشاهدونه منشغلاً بالوثائق القانونية. أخيراً، وفيما يبدو أنه معركة العائلة الأخيرة، رفضت المحكمة في القدس طلب استئناف حكم الإخلاء في 30 حزيران الماضي.

الآليات الحكومية السرية لسلب أملاك الفلسطينيين

يبين التقرير أن المنهجية الإسرائيلية للسيطرة على أملاك الفلسطينيين تتم من خلال قيام جهات استيطانية بتجنيد أشخاص لتقديم إفادات عن غياب أصحاب الأملاك، وتسليم هذه الإفادات إلى ” القيم على أملاك الغائبين ” حيث يقوم بإصدار شهادة أملاك غائبين دون التأكد من صحة غياب أصحابها. بعد ذلك، يتم تسليم الأملاك إلى الصندوق القومي اليهودي الذي يمررها إلى المستوطنين. والعائلات الفلسطينية لا تكتشف أن بيوتها قد بيعت حتى تصلهم دعاوى قضائية من المستوطنين أو من الصندوق القومي اليهودي تطالبهم بالإخلاء، فتبدأ معاركهم القانونية الطويلة والمرهقة والمكلفة ضد هذه الجهات التي تتمتع بالنفوذ والتمويل. وأجبرت هذه الآليات عدداً من العائلات الفلسطينية على إخلاء منازلها، في حين استطاع البعض الحفاظ عليها، ولا يزال آخرون يصارعون من أجل إثبات حقهم في ملكيتها. وتم إدراج ما يقارب 20 مُلكاً في بلدة سلوان وحدها ضمن أملاك الغائبين من خلال هذا المنهج مما أثر على العشرات من العائلات الفلسطينية.

الإفادات والشهادات التالية

في جلسة محكمة أقيمت في 7 كانون الثاني 1992، قال ” القيم على أملاك الغائبين” أهارون شاكرجي “إذا تلقينا شهادة من مختار القرية أو المدينة، أو وصلتنا إفادة تؤكد على وجود أملاك غائبين، أقوم بإصدار شهادة غياب، وأعلن عن المُلك بأنه من أملاك الغائبين”. ويبين التقرير من خلال استعراض وثائق قانونية، وجود بعض الأشخاص الذين يقدمون إفادات عن أملاك غائبين بشكل دوري. ويكشف التقرير وجود آليات حكومية سرية لنقل أملاك الفلسطينيين تم فضحها في “تقرير كلوغمان” الذي أعدته لجنة تحقيق، بتكليف من حزب العمل عندما كان إسحاق رابين رئيساً لحكومة الاحتلال. وكشف التقرير عن آليات أنشأتها جهات حكومية بقيادة أريئيل شارون الذي كان وزير البناء والإسكان في الثمانينيات تحت حكم الليكود هدفت إلى سلب أملاك الفلسطينيين ونقلها إلى المستوطنين وتم تطبيقها في سلوان والحي الإسلامي. ولكن في الحقيقة، سُن “قانون أملاك الغائبين” عام 1950 تحت حكم حزب ” مباي”، الذي تحول لاحقا إلى حزب العمل، أي أن حزب العمل هو من صنع القانون والمدبر الحقيقي لآليات سلب الأراضي الفلسطينية وهو أصل من ارتكب جل الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في النكبة. وهذه الآليات لم يتم تشكيلها في فترة حكم حزب الليكود كما يدعي التقرير بناءً على تحقيق “كلوغمان”، الذي أعده حزب العمل، فالإجراء الذي قام به الليكود في سنوات الثمانينيات هو تطوير آليات سلب الأراضي الفلسطينية التي أعدها وشكلها حزب مباي.

دور الصندوق القومي اليهودي والمنظمات الاستيطانية

كذلك يوضح التقرير أن الصندوق القومي اليهودي والمستوطنين هم المبادرون والمستفيدون من إصدار شهادات أملاك الغائبين، وهم الذين يحصلون على الأملاك في نهاية المطاف. يتبين ذلك من خلال شهادة رئيس قسم الأراضي في الصندوق القومي اليهودي، أبراهام هليلي، الذي أفاد أن الصندوق كان المبادر لعملية بيع أملاك الغائبين لسلطة التنمية، والمسؤول عن عملية المقايضة مع إدارة أراضي إسرائيل لأملاك تم تسليمها في نهاية المطاف إلى منظمة إلعاد الاستيطانية. ويبين التقرير أيضاً قيام هليلي بإرسال رسالة إلى القيم على أملاك الغائبين بتاريخ 16 كانون الثاني 1989، يخبر القيم من خلالها عن وجود أملاك غائبين في سلوان، ويطلب منه نقلها إلى سلطة التنمية لتمررها إلى الصندوق القومي اليهودي، وطلب منه إعلام الصندوق القومي عند إصدار شهادة أملاك الغائبين، حتى يتمكن من تتبع الإجراءات القانونية لإخلاء الأرض والحصول عليها وإدارتها.

شهد هليلي أيضاً أن الصندوق القومي اليهودي ومنظمة إلعاد الاستيطانية أحضرا أشخاصاً ليقدموا إفادات عن “أملاك غائبين”. برر هليلي شهادته بأن سياسة الصندوق بالنسبة للأراضي تنص على أن ما يملكه الصندوق هو ملك للشعب اليهودي، وأن الصندوق يبقي هذه الأملاك تحت تصرفه، أو يقوم بتأجيرها لجهات تخدم أهدافه. كما عرضت منظمة إلعاد الاستيطانية بأن تقوم بدفع الأموال لشراء الأملاك لصالح الصندوق القومي اليهودي، كما تبين في رسالة أرسلتها بتاريخ 27 آذار 1990، إلى مساعد رئيس الحكومة للشؤون الاستيطانية تطلب من خلالها نقل أملاك الغائبين في سلوان إلى ملكية الصندوق. إضافة إلى ما أفاده التقرير حول دور الصندوق القومي اليهودي، من الضروري الإشارة هنا إلى ضلوعه في سن القوانين التي تضمن السيطرة على الأراضي الفلسطينية، ومنع نقلها أو إعادتها إلى الفلسطينيين. ومنها قانون أساس الأراضي الذي سنه الكنيست العام 1960، والذي ينص على أن “ملكية أراضي إسرائيل، أي أراضي إسرائيل التي تملكها الدولة أو سلطة التنمية أو الصندوق القومي اليهودي، لا يجوز نقلها سواء من خلال البيع أو أي طريقة أخرى.

حكم القضاء: إجراءات إعلان “أملاك الغائبين” غير مقبولة لكن يستمر سلب الأملاك

يظهر التقرير أنه في بدايات التسعينيات، كان يتم نقل “أملاك الغائبين” فور الإعلان عنها إلى الصندوق القومي اليهودي، أو إلى شركة عميدار للإسكان (تابعة للحكومة الإسرائيلية)، أو إلى المستوطنين حيث كانت هذه الجهات ترفق دعاوى قضائية تطالب بإخلاء العائلات الفلسطينية منازلها. وكانت تُجبر العائلات على إثبات حقها بالملكية في قضايا قُدمت ضدها من قبل جهات ذات نفوذ وثراء. وعندما أصبحت الصورة واضحة للمحاكم فيما يتعلق بآليات الإعلان عن أملاك الغائبين، حكم القضاة في بعض الحالات لصالح العائلات الفلسطينية، وانتقدوا ” القيم على أملاك الغائبين ” وعدم تصرفه “بنية سليمة”. لكن حتى في الحالات التي حُكم فيها لصالح العائلات الفلسطينية لم يترك المستوطنون والصندوق القومي اليهودي الأملاك، بل قدموا طلبات استئناف أو بدأوا بإجراءات جديدة. بناءً على ما تقدم، يؤكد التقرير الإسرائيلي أن الجهات الإسرائيلية أساءت استخدام “قانون أملاك الغائبين”، وأن العائلات الفلسطينية لم تتمكن من استرجاع أملاكها حتى في حالات رفض المحكمة إجراءات تطبيق القانون واعتبارها إجراءات فاسدة.

“قانون أملاك الغائبين” في القدس يعتمد على “النية السليمة” للحكومة

يعرض التقرير السياسات المختلفة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على النحو التالي : حكومات حزب العمل 1968- 1977، تجنبت استخدام “قانون أملاك الغائبين” إلا على الأملاك الفارغة، وفي حال لم تكن فارغة كانت تسمح فقط باستغلالها للاستخدامات العامة ولم تسمح ببيعها أو تأجيرها. حكومة حزب الليكود 1977- 1992، استغلت القانون للاستيلاء على أملاك الفلسطينيين في القدس الشرقية.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".