في يوم الأسير.. الاعتقال الإداري جرح يستنزف أعمار الفلسطينيين

منذ 106 أيام (حتى اليوم السبت) يرفض مئات الفلسطينيين المعتقلين إداريا المثول أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، احتجاجا على سياسة “الاعتقال الإداري” بموجب “ملفات سرية”.

ودفع الآلاف من هؤلاء المعتقلين وعائلاتهم وأبناؤهم أثمانا باهظة من أعمارهم وحياتهم الاجتماعية، بسبب الاعتقال، بموجب أوامر اعتقال عسكرية لمدة تصل إلى 6 شهور، قابلة للتمديد دون سقف زمني.

وتعود أوامر الاعتقال الإداري إلى أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ التي أقرها الانتداب البريطاني عام 1945، وبدأت إسرائيل تطبيقه بالضفة الغربية وقطاع غزة مع احتلالهما عام 1967.

ويحيى الفلسطينيون في 17 أبريل/نيسان من كل عام يوم الأسير الفلسطيني، حيث يقبع نحو 4450 أسيرا، بينهم نحو 530 معتقلا إداريا، في 24 سجنا ومركز توقيف إسرائيلي، وتتصدر قضيتهم اهتمام الفلسطينيين على المستويين الشعبي والرسمي.

متابعة صفا| مكتب إعلام الأسرى: لليوم 103 على التوالي يواصل الأسرى الإداريون بسجون الاحتلال مقاطعة محاكم الاحتلال للمطالبة بإنهاء سياسة الاعتقال الإداري

— وكالة صفا (@SafaPs) April 13, 2022

إداري بدل عش الزوجية
الأسير الفلسطيني منتصر شديد (51 عاما) تجاوزت أعوام اعتقاله إداريا 10 أعوام، تضاف إلى 11 عاما أمضاها محكوما.

تجربة شديد ترويها زوجته ريما عمرو (أم عمرو) من بلدة دورا، جنوبي الضفة، للجزيرة نت، وتعكس حجم الألم والآثار الإنسانية التي عاشتها وتعيشها مئات الأسر الفلسطينية.

وصدر أول أمر اعتقال إداري بحق شديد عام 1993، وكانت مدته 6 أشهر، أفرج عنه بعدها، ليعاد اعتقاله العام التالي، ويحكم عليه بالسجن 11 عاما، ويفرج عنه عام 2005.

بعد انتهاء محكوميته وتحرره، سعى شديد إلى الاستقرار وبناء أسرة، وبالفعل عقد قرانه على ابنة بلدته، لكن سرعان ما أعيد اعتقاله فترة الخطبة، وبدل أن يدخل عش الزوجية دخل دوامة الاعتقال الإداري، حتى اليوم.

10 أعوام في الإداري
تقول ريما، وهي اليوم أم 4 أبناء، إن شديد أمضى في الاعتقال الإداري حتى الآن قرابة 10 أعوام، وكانت أطول فترة حرية له بين الاعتقالات نحو عام، وفي الباقي كان يُعتقل إداريا لفترة تصل إلى عامين، ثم يفرج عنه لعدة شهور، ثم يعاد اعتقاله.

الخليل-فلسطين-عائلة المعتقل الإداري منتصر شديد- 10 أبريل 202 (الجزيرة نت)
أحد أبناء منتصر شديد (الجزيرة)
انتكاسة يوم الإفراج
مع غياب شمس اليوم الأخير من الشهور الستة الأولى، بدأت أم عمرو التجهيز لاستقباله زوجها، وسارعت إلى كسوة أبنائها، لكنها فوجئت بمكالمة هاتفية تخبرها بوصول أمر تمديد الاعتقال في نفس يوم الإفراج، فكانت الصدمة.

واعتقل شديد آخر مرة في يوليو/تموز 2021، وصدر بحقه أمر اعتقال إداري لمدة 6 شهور، مددت بـ 6 شهور أخرى.

تضحية وعبء متزايد على العائلة، ولا يمكن لذوي الأسرى الإداريين حضور جلسات محاكمتهم، كما تمنع غالبيتهم من الزيارات العائلية.

وتقول زوجة الأسير إنها زارت زوجها 3 مرات فقط طوال فترات اعتقاله الإداري، وكانت “أشبه بكابوس بسبب مسلسل المعاناة والإهانة والتفتيش”.

تشير أم عمرو إلى تأثر عائلتها اجتماعيا واقتصاديا، بسبب اعتقال زوجها وعدم معرفة وقت الإفراج عنه “كلما خططنا لأمر في حياتنا ولأطفالنا جاء الاعتقال الإداري، ونسف ما نخطط له وأعادنا إلى نقطة الصفر”.

زوجة شديد حاصلة على درجة البكالوريوس في القانون، وعملت في مجال المحاماة 5 أعوام، لكنها وجدت نفسها غير قادرة على تحمل عبء العمل وعبء تربية أطفالها في غياب والدهم المتكرر، فاختارت رعاية الأبناء.

على الصعيد المادي، تقول ريم إن الحالة صعبة، وتشير إلى عدم انتظام مخصصات زوجها التي تصرفها السلطة الفلسطينية.

في يوم الأسير الفلسطيني.. إيقاد “شعلة الحرّيّة” من جنين#عاجلhttps://t.co/6E055tmNaI

— Quds Press | قدس برس (@QudsPress) April 12, 2022

مقاطعة المحاكم تفتح باب الأمل
مع قرار مقاطعة الأسرى الإداريين للمحاكم، تأمل أم عمرو ألا يطول اعتقال زوجها ويعود إلى أسرته.

لكنها تقول إن المقاطعة تحتاج إلى عوامل تعزيز كالضغط الخارجي وتحريك الشارع والفصائل الفلسطينية، وعدم ترك الأسرى يخوضون المعركة وحدهم.

وقد التحق شديد بجامعة محلية لدراسة الإنجليزية عام 2010، وأعاقت اعتقالاته المتكررة إتمام دراسته، كما حرمه الاعتقال عام 1994 من الشهادة الجامعية، مع أنه أتم أغلب متطلباتها في حينه.

صدور قرار الاعتقال الإداري
تفاصيل عديدة تحيط بسياسة الاعتقال الإداري، ودفعت الأسرى إلى إعلان مقاطعة المحاكم المخصصة للنظر في هذا النوع من الاعتقال.

الجزيرة نت توجهت إلى الأسير رائد أبو زعنونة (41 عاما) بعد أيام من الإفراج عنه بعد اعتقال إداري دام 19 شهرا، لتنقل عن قرب تفاصيل ما يجري مع المعتقلين الإداريين.

وأمضى أبو زعنونة، وهو أب 4 أبناء، ما مجموعه 8 أعوام في السجون الإسرائيلية، منها 6 أعوام ونصف العام في الاعتقال الإداري.

يقول إن الأسير الإداري يُنقل فور اعتقاله من منزله إلى أحد مراكز التوقيف بالضفة، وخلال 3 أيام يفترض أن توجه له لائحة اتهام، أو يمدد توقيفه بعدها 72 ساعة مما يعني تحويله للاعتقال الإداري، وخلالها يصدر أمر الاعتقال من قبل القائد العسكري في الضفة لمدة تصل إلى 6 شهور.

مسار الاعتقال
ووفق أبو زعنونة، يطلب من المعتقل الإداري التوقيع على أمر اعتقاله وإعادته للجندي الذي أحضره له، وفي حال رفض التوقيع ينقل إلى زنزانة انفرادية لا يخرج منها إلا بالتوقيع، حتى لو استدعى ذلك استخدام القوة معه.

ويتابع أنه بعد صدور الأمر العسكري، يكون أمام الأسير إمكانية التوجه إلى محكمة قضاتها وممثلو النيابة فيها عسكريون، وهناك تنظر في تثبيت المدة المذكورة في الأمر العسكري أو تقليصها.

ويضيف: لا يسمح للمحامين أو الأسرى أنفسهم بالاطلاع على ملف الاعتقال، وليس لهم إلا الصمت لأن “الملف سري”.

يوضح أبو زعنونة أنه بعد تثبيت مدة الاعتقال، يمكن للأسرى الاستئناف ضد الحكم، لكن في العادة بلا جدوى.

ويقول إنه في حالات استثنائية تنظر المحكمة العليا الإسرائيلية في ملفات بعض المعتقلين الإداريين، فإما أن تثبت المدة أو تقلصها أو تقبل بتمديد جديد، وقراراتها ليست ملزمة لجهاز المخابرات باعتباره الجهة الفعلية التي تقرر الأحكام.

جدوى المقاطعة ومن يقررها
يوضح أبو زعنونة أن قرار الأسرى الإداريين في الأول من يناير/كانون الثاني الماضي مقاطعةَ المحاكم العسكرية والمحكمة العليا جاء لإيصال أكثر من رسالة: إلى القضاة بأنهم أدوات في يد جهاز المخابرات، والاحتلال بإنهاء سياسة الاعتقال الإداري.

ويذكر أن قرار مقاطعة المحاكم تتخذه الهيئات التي تمثل الأسرى الإداريين بموافقتهم، ويلتزم به المحامون أيضا بعدم حضور الجلسات “وبالتالي تعقد الجلسات وتصدر قراراتها في غياب المحامي والأسير وعائلته”.

وعن جدوى المقاطعة، يقول الأسير الإداري المفرج عنه إن أي تحرك جماعي تعتمد نتيجته على مدى الصبر والتحمل “وفي النهاية يتحقق النصر”.

ويشير أبو زعنونة، وهو أب 4 أبناء، اثنان منهم ولدا وهو داخل السجن، إلى حرمانه من زيارته عائلته طوال فترة اعتقاله الأخيرة، مما جعل تقبّله صعبا لدى ابنه الأصغر لعدم تعوده عليه في المنزل.
محاكم صورية
بدورها تقول مديرة مؤسسة الضمير لرعاية السجين وحقوق الإنسان سحر فرانسيس، للجزيرة نت، إن قرار المقاطعة يهدف لإنهاء “المحاكمة الصورية”.

وتضيف أن الأسرى “يرفضون حضور جلسات تثبيت أوامر الاعتقال الإداري حسب الأوامر العسكرية، ويرفضون الاستئناف عليها أو التوجه للمحكمة العليا”.

وتقول “المحكمة العسكرية تعقد جلسات، والقضاة يطلعون على الملفات السرية بوجود النيابة العسكرية ويصدرون قراراتهم”.

وقبل المقاطعة، توضح فرانسيس أن المحامي كان يحضر جلسات المحاكم العسكرية، فيطلع القاضي والنيابة على ملف الأسير دون المحامي، ويصدر القرار “فلا دور للمحامي ولا مجال للمرافعة، ومن هنا جاء قرار المقاطعة”.

مقاطعة شجاعة
في تقرير لها يوم 11 أبريل/نيسان الجاري وصفت منظمة العفو الدولية المقاطعة بـ “الشجاعة” وقالت إنها “تلقي الضوء على معاملة إسرائيل اللاإنسانية ومعاقبتها للفلسطينيين”.

ودعت إلى “اتخاذ إجراءات ملموسة الآن والضغط على إسرائيل لإنهاء استخدامها المنهجي للاعتقال التعسفي كخطوة نحو تفكيك نظام الفصل العنصري”.

يقاطع المعتقلون الإداريون الفلسطينيون المحاكم الإسرائيلية منذ 100 يوم. إذ تستخدم إسرائيل الاعتقال الإداري عمدًا لاحتجاز الأفراد لمجرد ممارستهم حقوقهم في حرية التعبير والتجمع لمعاقبتهم على آرائهم ونشاطهم. واحتجزت بشكل متواصل حوالي 500 فلسطيني ضمنهم أطفال✊https://t.co/TS5gGa86SS

— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) April 11, 2022

الاعتقال الإداري في أرقام
يعد الفلسطيني بشير الخيري (80 عاما) من محافظة رام الله، والمعتقل منذ 29 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أكبر معتقل إداري سنا، وانضم للمقاطعين للمحاكم العسكرية.

ومنذ أواخر 2011، خاض أكثر من 400 أسير إضرابات فردية عن الطعام، غالبيتهم ضد سياسة الاعتقال الإداري، وآخرهم خليل عواودة المضرب حاليا منذ 41 يوما.

ووفق نادي الأسير، وهو منظمة غير حكومية تتولى متابعة شؤون الأسرى، فإن الاحتلال أصدر نحو 400 أمر اعتقال إداري منذ بداية العام الجاري، 195 منها خلال مارس/آذار الماضي.

وذكر النادي أن أكثر من 8700 أمر اعتقال إداري صدرت بحق الفلسطينيين منذ عام 2015، وقد صدرت أكثر أوامر الاعتقال عام 2016 بالغة 1742 أمرًا.

وحاليا يقبع أكبر عدد من المعتقلين الإداري في سجني النقب جنوبي إسرائيل، وعوفر وسط الضفة الغربية.

•فارس: الاحتلال يوسع دائرة الاعتقال الإداريّ ردًا على المواجهة وعمليات المقاومة الراهنّة
•نادي الأسير: الاحتلال أصدر نحو 400 أمر اعتقال إداريّ منذ مطلع العام الجاري
رام الله – نادي الأسير: صعّدت سلطات الاحتلال الإسرائيليّ مؤخرًا من عمليات الاعتقال الإداريّ.#الأسرى pic.twitter.com/N1H75dYPvP

— نادي الأسير Prisoner’s society (@PpsmoMedia) April 7, 2022

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".