فاثابهم الله بماقالوا جنات…

قوله تعالى: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ}

أيها اللسان قل خيرا تغنم. رُب ( قول ) ليس له ثواب إلا الجنة !
‏ومن القول ما يعلو به العبد رُتبا ويتبوّأ من الجنة غُرفا.

من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.
إنها كلمة الحق التي تقال في كل مكان وزمان. قالها نجاشي الحبشة وله سلطان لأهل الجاه من قريش الذين استبد بهم باطلهم؛ لذلك كان لهذه الكلمة وزنها، فعندما سمع ما نزل من القرآن من سورة مريم قال: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة. إذن فهي كلمة حق لها وزن، والله سبحانه وتعالى يجزل العطاء لكل من ساند الحق ولو بكلمة فهو سبحانه «الشكور» الذي يعطي على القليل الكثير، و«المحسن» الذي يضاعف الجزاء للمحسنين.
ولنا أن نعرف أن للقول أهمية كبرى لأنه يرتبط من بعد ذلك بالسلوك. وكان قول النجاشي عظيمًا، لكن العمر قد قصر به عن استمرار العمل بما قال. فقد قال كلمته وجاءه التوكيل من رسول الله ليعقد للرسول على أم حبيبة بنت أبي سفيان فقعد عليها وكيلًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرها من ماله ثم مات، ولم تكن أحكام الإسْلام قد وصلت إليه ليطبقها؛ لذلك كان يكفيه أنه قال هذا القول، ولذلك صلى عليه النبي صلاة الغائب.
وهناك قصة «مخيريق» اليهودي. لقد تشرب قلبه الإسلام وامتلأ به وكان في غاية الثراء فقال لليهود: كل مالي لمحمد وسأخرج لأحارب معه. وخرج إلى القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل فمات شهيدًا، وهو لم يكن قد صلى في حياته كلها ركعة واحدة. إذن مجرد القول هو فتح لمجال الفعل.
{فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} والحق يريد أن يؤكد لنا أن كل حركة إيمانية حتى ولو كانت قولًا إنما تأخذ كمالها من عمرها. ونعلم أن الإيمان في مكة كان هو الإيمان بالقول. ذلك أن الناس آمنت ولم تكن الأحكام قد نزلت، فغالبية الأحكام نزلت في المدينة. وعلى ذلك أثاب الله المؤمنين لمجرد أنهم قالوا كلمة الإيمان، حدث ذلك ولم يكن قد جاء من الحق الأمر بالبلاغ الشامل وهو قوله الحق: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} [الشعراء: 214].
فهؤلاء قد جزاهم الله حسن الثواب وسمّاهم«محسنين» وكذلك فعل النجاشي، فقد ذهب إلى الإيمان دون أن توجه له دعوة وكان ذلك قبل أن يكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة للملوك ليؤمنوا، وعلى هذا فالنجاشي محسن؛ لأنه قفز إلى الإيمان قبل أن يطلب منه. وساعة يتكلم الحق عن منزلة من منازل الإيمان فهو أيضًا يتعرض للمقابل، وذلك لتبلغ العظة مراميها الكاملة. فإذا تحدث عن أهل الجنة فهو يعقبها بحديث عن أهل النار، وإذا تحدث عن أهل النار فهو يعقبها بحديث عن أهل الجنة؛ لأن النفس الإنسانية تكون مستعدة للشيء ومقابله


 

شاهد أيضاً

مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلسطينيين

ترى سماح جبر، وهي طبيبة ورئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية، أنه وسط تصاعد حالات تعذيب الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هناك حاجة ملحة إلى قيام المتخصصين في مجال الصحة بتوثيق مثل هذه الفظائع بشكل صحيح.