غرفة العمليات المشتركة للمقاومة في غزة نواة لـ”جيش التحرير”

شهدت معركة “سيف القدس” الأخيرة ترديدا لافتا من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية لمفردة “غرفة العمليات المشتركة” باعتبارها الكيان العسكري الذي ينظم أداءها القتالي وطبيعة هجماتها ضد الاحتلال، وهي محاولة من قوى المقاومة لتوحيد كلمتها، والضرب عن قوس واحدة وضبط الميدان.

متى تأسست غرفة العمليات المشتركة؟

تم الإعلان للمرة الأولى عنها في غزة عام 2006، وظهرت في صيغتها الأولية بين الجناحين المسلحين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس على التوالي.

كما نصت وثيقة الوفاق الوطني في مايو/أيار 2006 على “تشكيل جبهة مقاومة موحدة للمقاومة ضد الاحتلال، وتنسيق عملها، وتشكيل مرجعية سياسية موحدة لها”.

وحين اندلعت مسيرات العودة على حدود قطاع غزة في أواسط 2018 تم الإعلان عن غرفة العمليات رسميا في يوليو/تموز من العام ذاته.

وقد باتت الصيغة المفضلة للمقاومة الفلسطينية أن تخوض مواجهتها مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال هذه الغرفة، بعيدا عن المواجهة الفردية لكل فصيل على حدة، ومع مرور الوقت تطور عمل الغرفة فباتت تصدر بيانات عسكرية باسمها هي، باستثناء بعض الحالات الخاصة.

وعلى الصعيد العسكري، يتمثل عمل غرفة العمليات في قيامها بالتخطيط لتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة، مما زاد الضغط على جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، وفي الوقت ذاته أبرز لحمة المقاومة وتكاتفها، واستعدادها للتوافق على وحدة ميدانية، ويعد التنسيق العسكري الميداني أعلى صور التعاون والتنسيق التي ميزت العلاقات المتبادلة بين أجنحة المقاومة.

من هي الأجنحة المسلحة المنضوية تحت لواء الغرفة؟
تضم غرفة العمليات 12 جناحا عسكريا، وهي: كتائب الشهيد عز الدين القسام، سرايا القدس، كتائب شهداء الأقصى- لواء العامودي، كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني، ألوية الناصر صلاح الدين، كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية، كتائب أبو علي مصطفى، كتائب الشهيد جهاد جبريل، كتائب الأنصار، كتائب المجاهدين، مجموعات الشهيد أيمن جودة، وجيش العاصفة.

وتعتبر الأجنحة المسلحة أن قتالها المشترك ضد الاحتلال يحمل بذور تشكيل جيش وطني لمواجهته دون استحواذ فصيل على آخر، بل بتنسيق ميداني عملياتي، لإشراك كافة الفصائل لتنفيذ العمليات المشتركة، ولا سيما أن برامجها السياسية متقاربة، مما يجعل من توجهها هذا إستراتيجيا وليس تكتيكيا.

وتصدر غرفة العمليات المشتركة بيانات موحدة تؤكد فيه جاهزيتها للتصدي لأي عدوان إسرائيلي رغم أن الغرفة لا تصادر استقلالية كل جناح، ولا تسعى لدمجه كليا مع باقي الأجنحة، فلكل هويته الخاصة.

ما الهدف الرئيسي من تشكيل الغرفة المشتركة؟
ليس سرا أن حماس وجناحها العسكري كتائب القسام من تقود المقاومة المسلحة، وقد سعت إلى فتح باب المشاركة في هذه الغرفة لتحويل المقاومة إلى ثقافة يومية شعبية للفلسطينيين، وللعمل على نجاح خطها الأيديولوجي، لأنها خلقت جوا تنافسيا بين الفصائل.

أما في الجانب العملياتي فإن تنفيذ هجمات مشتركة يثقل على إسرائيل عسكريا ويشتت تحقيقاتها الأمنية، كما أن حماس تريد إشراك الفصائل معها لتقوية الموقف الفلسطيني الموحد، وكي لا يظهر كل جناح مسلح وحيدا بمواجهة إسرائيل تنفرد به كما تريد.

أكثر من ذلك، فقد علمت الجزيرة نت من أوساط عسكرية فلسطينية أن كتائب القسام تمد عددا من الأجنحة المشاركة في غرفة العمليات ببعض الأسلحة المختلفة -من قذائف وذخيرة وآليات- دون حرج أو حساسية، رغبة منها بألا يبقى فصيل مسلح يعاني من نقص في ما يحتاجه من وسائل قتالية.

هل هناك مهام أخرى لغرفة العمليات المشتركة؟
في آخر أيام 2020 شهد قطاع غزة ولمدة يومين تنفيذ أكبر مناورة عسكرية لغرفة العمليات المشتركة المسماة “الركن الشديد”، وشملت تنفيذ تدريبات برية وبحرية وجوية وبالذخيرة الحية تحت غطاء الطائرات المسيرة التي حلقت في أجواء القطاع، وتخللها إطلاق صواريخ تجريبية باتجاه البحر.

ودأبت غرفة العمليات على المستوى الإعلامي على إصدار البيانات المشتركة الصادرة عنها بشكل موحد، سواء عن عمليات مشتركة ضد الاحتلال، أو إعلان مواقف محددة تجاه تطورات سياسية، أو مستجدات ميدانية، مما منحها قوة اعتبارية وميدانية كونها تعبر عن تعاون فصائل المقاومة، وتكرس مواقف تجمع عليها.

ويتوقع الفلسطينيون من غرفة العمليات المشتركة أن تشكل لهم في المستقبل جبهة مقاومة موحدة، وإلى جانب الأداء العسكري الجماعي فإن السعي الفلسطيني يصل إلى أن تصدر عنها قرارات سياسية واحدة، وتجميع قدرات قوى المقاومة برؤية واحدة، مما يخدم خطة حماية الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي، ويخفف أي خسائر فلسطينية، وأن يكون بعيدا عن التكتيك الآني، بل التفكير إستراتيجيا.

ما هي فوائد تشكيل غرفة العمليات المشتركة؟
سعت فصائل المقاومة الفلسطينية إلى تأسيس هذا الجسم لتحقيق جملة من الأهداف، من أهمها:

عدم ترك الساحة العسكرية للاجتهادات الفردية لهذا الفصيل المسلح أو ذاك، مما أسفر عما يسميه الفلسطينيون “وحدة الحال” الميدانية.
الحيلولة دون نجاح محاولات أجهزة مخابرات الاحتلال للإيقاع بين الفصائل العسكرية، وإرباك خططها القتالية.
إمداد القوى المسلحة الكبرى -مثل حماس- فصائل أصغر بالقدرات العسكرية، ومنحها فرصة استخدامها باسمها هي في بعض الأحيان دون حرج، بغرض المحافظة على الأداء الجماعي، ومساهمة كل الفصائل في صد أي عدوان.
إظهار مشهد قتالي وحدوي من شأنه تعزيز ثقة الجمهور الفلسطيني بفكرة المقاومة الموحدة وليس الفصائلية.
المحافظة على المخزون الاحتياطي من الأسلحة لدى مختلف الأجنحة، وعدم منح الاحتلال فرصة استهداف فصيل بعينه لاستنزاف قدراته القتالية، تمهيدا للانتقال إلى فصيل آخر.

كيف تعمل غرفة العمليات المشتركة من الناحية الميدانية؟
تحيط الخطط العسكرية التي تعمل وفقها الغرفة المشتركة والأجنحة المنضوية تحت لوائها الكثير من السرية، لكن العادة جرت أن توزع الفصائل الأدوار بينها، فبينما تتولى الرئيسية منها ضرب العمق الإسرائيلي بالصواريخ تتحمل المجموعات الأخرى ضرب غلاف غزة بالقذائف القصيرة، وتوكل مهمة مشاغلة القوات البرية المحتلة لقسم ثالث لإعاقة أي تقدم لها باتجاه غزة.

وتتولى غرفة العمليات المشتركة مهمة الموافقة على تكتيكات الفعل المسلح للفصائل الفلسطينية، لأن أهميتها تكمن بتحقيق أوسع قاعدة فصائلية شعبية داعمة للمقاومة المسلحة، ودمج كافة القوى فيها، مما يعنيه ذلك من توفر أغلبية جماهيرية تتبنى هذا الخيار كمشروع مشترك.

وبالفعل، نجحت غرفة العمليات المشتركة في تحييد التباينات السياسية بين الفصائل الفلسطينية لصالح الوحدة في ميدان المقاومة، فتوحدت الرايات واختفت الألوان، لأن المواجهة والدفاع عن الأرض لا يحتملان هذا التباين، خصوصا في اللحظات الصعبة التي يقف فيها المقاوم أمام خيارين: إما الشهادة أو العودة منتصرا.

هل هناك مخاطر أمنية عسكرية من غرفة العمليات؟
رغم إشادة الفلسطينيين بعمل غرفة العمليات العسكرية المشتركة فإن هناك مخاوف أمنية تتعلق بإمكانية تسريب أسرار عسكرية للأجنحة المسلحة ووصولها للمخابرات الإسرائيلية، مما يفقد المقاومة عنصر المفاجأة ويجعلها كتابا مفتوحا أمام الجيش الإسرائيلي.

ولذلك قد يكتفي القادة العسكريون الفلسطينيون بإصدار الأوامر لمقاتليهم الميدانيين دون إطلاع الفصيل الآخر على مواعيد الهجمات ومواقعها وأسلحتها المستخدمة كي لا تحصل عليها إسرائيل، مما يجعل لكل جناح فلسطيني مسلح “صندوقا أسود خاصا” يحتفظ فيه بأسراره العسكرية، دون أن يثير ذلك حساسية بقية الأجنحة.

وفي بعض الأحيان، وبدافع الحرص على تحصيل المزيد من الشعبية الجماهيرية تلجأ بعض الأجنحة المسلحة -ولا سيما الصغيرة منها- إلى تبني بعض العمليات التي نفذتها فصائل كبرى، لكن حرص الأخيرة على اجتماع الكلمة ربما يمنعها من الدخول في مناكفات حول المسؤولية عن هذه العملية أو تلك طالما أن الغاية الكبرى قد تحققت من خلال الإثخان في العدو.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".