عودة طالبان

مقال كتب في 2007 عن عودة طالبان

تراهن أن طالبان ستعود؟.. هذا منطق البسطاء عندما يعلن عن قناعاته الجازمة التي لا يخالطها شك حول قضية ما؛ فالرهان هو (القطع) الذي يوحي لك بأنه (متأكد) مما يقول.

أما الشيخ الزاهد عبدالكريم بن صالح الحميد فله منطق آخر ليثبت لك أن (طالبان) ستعود وستنتصر رغماً عن أنفك(!)، وهي (المباهلة)!.. فقد دعا الشيخ الحميد كاتب هذه السطور إلى (المباهلة)، أما موضوعها فعن عودة طالبان لحكم أفغانستان. وكنت سبق وكتبت هنا في الجزيرة: (إن طالبان انتقلت من الجغرافيا إلى التاريخ) الأمر الذي أغضب الشيخ – كما يقول في الكتاب – فطلب (مُباهلتي)!، وضمّن دعوتي إلى المباهلة كتابه الجديد: (جلاء حقيقة الدين وعزة المتدينين وبيان ضلال سنن المغضوب عليهم والضالين)، والذي بين يدي الآن نسخة منه.

طبعاً الموضوع من أساسه مثير للضحك والسخرية، ويدل على سذاجة هذا الشيخ وبساطته، فلو كل من أبدى رأياً، أو قدّم تحليلاً سياسياً، أتاه آخر وطلب منه (المباهلة) في صحة أو عدم صحة ما ذهب إليه، فلن نخلص، بل إن الصحف ستمتلئ بأخبار (المباهلات) بين محللي وراصدي الأخبار، غير أن هذه (الدعوة) – رغم سذاجتها – تصلح لأن تكون (مثالاً) نموذجياً للتشدد والتطرف إضافة إلى سطحية بعض البسطاء في التمسك (بالاتباع) دون وعي؛ ومن جهة أخرى كيفية مقارعة الحجة بالحجة لدى المتشبثين بأسلوب السلف بطريقة سطحية، كي (يُلقموا) – كما يقولون – كل من يختلف معهم (حجراً)!. ولأن الشيخ – متعه الله بالصحة والعافية وأمد في عمره – كان يعرف أن (المباهلة) كمصطلح سيستعصي فهمه على غالبية القراء، وأولهم من دعاه إلى (المباهلة)؛ لأنها أسلوب انقرض واندثر، فضلاً عن جهلي المطبق بشروطها وما تصلح فيه وما لا تصلح، فقد خصص جزءاً من الكتاب لتبيان أن المباهلة: (سنة ماضية أنزل الله بها قرآناً لقطع عناد ومكابرة نصارى نجران) كما يقول بالنص في كتابه؛ فجعلني – غفر الله له – ونصارى نجران في منزلة واحدة!

ثم يقول في تحدٍ واضح في كتابه موجهاً كلامه لكاتب هذه السطور: (وسوف أذكر الآن – إن شاء الله تعالى – فوائد عن المباهلة وحكمها وأمثلة حولها تلجمك – أيها الكاتب – إلجاما وتضطرك إلى أضيق الطرق حتى لا تتلاعب بها كغيرها)!

ولفضيلته – حفظه الله – أقول: لقد (فزت) بالتحدي، ولا داعي للمباهلة، فقد تفوّقت ب(حجتك الدامغة) هذه على العبد الفقير إلى مولاه (المدعو) إلى المباهلة، كتفوق (البغلة) التي تمتطيها – حفظكم الله – على صناعة (الكفار) من السيارات والطيارات والصواريخ و(نحوها)؛ وأقر أنكم ألقمتموني أكواماً من الحجارة، بل و(قلابيات) من الصخور، وكنت سأضيف: كما أنني أقر واعترف وأقول: إن طالبان (ربما) ستعود إن سمحت الظروف، فيعود فضيلته ويقول: دع عنك (ربما) هذه، إنما قلها تحقيقاً لا تعليقاً، وإلا فالمباهلة، فالشيخ – حسب علمي – يكره (نظرية الاحتمالات) كراهيته للرياضيات والمنطق والفلسفة!

وبعيداً عن السخرية أقول: صحيح أن ظاهرة هذا الشيخ هي أقرب إلى الظاهرة (الكاريكاتيرية) منها إلى الحقيقة، غير أنها في سياقاتها ومنطقها وقياساتها و(تقوقعها) في علوم الماضي تشير إلى المأزق المعرفي الذي يقودنا إليه التشبث – دون وعي – ببعض رؤى ومناخات الماضويين. فالشيخ الحميد رغم أنه زهيد البضاعة علميا، ومنعزل عن الواقع الذي يعيشه ولا يتعايش معه، ناهيك عن عدم قدرته على المقارنة والقياس، وفهم المتغيرات بين ما كان في الماضي وما هو كائن اليوم وما يمكن أن يكون مستقبلاً، إلا أنني أجده (حالة) معاصرة لا بد من قراءتها كظاهرة (سلفية) لها أسبابها وبواعثها ومرجعيتها؛ حتى وإن كانت غاية في التطرف في نظرتها للواقع الحضاري الذي يعيشه العالم اليوم. إضافة إلى أنه بالفعل يُمارس ما يؤمن به على أرض الواقع، ولا يكتفي بما يقول على مستوى الخطاب فقط، فهو لا يركب السيارات والطائرات من منطلق أنها من منتجات الكفار، ولا ينزل في منازل الأسمنت بل سكناه في منازل من طين كما كان السلف يسكنون، والكهرباء لا علاقة لها بمعيشته ولا بمسكنه؛ وأبناؤه لا يتعلمون في المدارس النظامية، وإنما علمهم على طريقة الكتاتيب، ولا يأكل إلا ما تجود به مزرعته بالقرب من بريدة في القصيم، والتي أنشأها هو وصحبه ومريدوه على الطريقة (البدائية) بعيداً عن تقنيات الري والزراعة المعاصرة؛ بمعنى أنه (سلفي) خطاباً وممارسة (حياتية) وليس على مستوى الخطاب فقط.

ورغم كل ذلك، فإن الشيخ الحميد – وإن اختلفنا معه – منسجم مع قناعاته؛ فكل منتجات (الكفار) يقاطعها، ويأبى أن يتعامل معها، ويعيش حياته بمنأى عنها، وفي معزل شبه تام عن إفرازات حضارتهم.. أما (البعض) فهو يتمتع بكل منتجات (الغرب) ومخترعاته ومنجزاته وثقافته، ومع ذلك (لا يستحي) من أن يشنّع بالحضارة الغربية وهو (يتسدّح) في نعمائها صباح مساء!.. ولكن لله في خلقه شؤون.

شاهد أيضاً

استقالة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية بعد الفشل في 7 أكتوبر

صرح الجيش الإسرائيلي في بيان اليوم الإثنين، إن رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية ميجر جنرال أهارون هاليفا، استقال، وإنه سيترك المنصب بمجرد تعيين خلف له.