عن العواودة والسعدي والوساطة المصرية

نال الأسير الفلسطيني، خليل العواودة، حريته بعد إضراب عن الطعام دام ستة شهور. انتصر على سجّانيه بإرادته وعزيمته القوية، بعدما تُرك وحيداً خمسة شهور قبل أن يطرح اسمه، برفقة زميله الشيخ بسام السعدي، في حيثيات التصعيد السياسي والإعلامي من حركة الجهاد الإسلامي التي ينتميان إليها، والعدوان العسكري الإسرائيلي أخيراً ضد غزة أوائل أغسطس/ آب الماضي، ثم في بيان وقف إطلاق النار (التهدئة) الذي أعلنه النظام المصري، وتضمن الإشارة إلى الالتزام بالإفراج الفوري عنه، وإرساله للعلاج في المستشفى، على أن يجري السعي إلى الإفراج، في أقرب وقت ممكن، عن الأسير السعدي الذي جرى تمديد اعتقاله خمس مرّات، وتقديم لائحة الاتهام ضده، ما يعني أنه سينال حكماً طويلاً نسبياً لسنوات على الأقل.

كان الأسير العواودة قد اعتقل إدارياً أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي لستة شهور، وأضرب احتجاجاً على الاعتقال غير الشرعي والقانوني عن الطعام 111 يوماً، قبل أن يجري خداعه وإبلاغه بالإفراج عنه أواخر يونيو/ حزيران، وعودته إلى الإضراب أوائل يوليو/ تموز، عندما اكتشف صدور قرار باعتقاله مرة أخرى أربعة شهور تنتهي أوائل أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ليلامس إضرابه إجمالاً حدود النصف سنة.

بعد ترك العواودة وحيداً لمعاناته وعذاباته شهوراً طويلة، ما سيترك للأسف آثاراً صحية ونفسية طويلة عليه، قرّرت إسرائيل الإفراج عنه بعد نهاية فترة اعتقاله، من دون أي اعتبار لأطراف الوساطة، وهو (العواودة) ترك وحيداً ستة شهور مع تضامن موسمي متفرّق هنا وهناك. وعموماً، دفع شخصياً ثمن حريته من روحه ودمه ولحمه وعظمه، ولو لم يواصل إضرابه عن الطعام ويصر على العناد والصمود والثبات في مواجهة بطش الاحتلال الذي خشي من استشهاده وانفجار الأوضاع الهشّة أصلاً في السجون، والضفة الغربية بشكل عام، ربما جرى تمديد اعتقاله إدارياً فترة إضافية، كما يحصل مع زملاء آخرين له، علماً أن عدد المعتقلين الإداريين في السجون الإسرائيلية قفز خلال الشهور الأخيرة من 500 إلى 750 تقريباً.

إسرائيل لا تكترث ولا تقيم أي اعتبار للنظام في القاهرة ولا للوساطة بشكل عام

في السياق، فضح الأسير العواودة خواء الوساطة المصرية وبؤسها، علما أن أمراً مماثلاً حصل مع الأسير بسام السعدي، حيث جرى تمديد اعتقاله طوال الشهر الماضي حسب القوانين وإجراءات الاحتلال، غير الشرعية بحد ذاتها، ثم تقديم لائحة اتهام ضده وستجري محاكمته. وحسب التقديرات، سينال للأسف حكماً طويلاً نسبياً من سنواتٍ مع لائحة اتهام مكثّفة تضمّنت اتهامات بالانتماء إلى تنظيم محظور، وتلقي أموالٍ من غزة، وانتحال صفة، والتحريض على المقاومة ضد إسرائيل، ما يعني أن أقرب وقت ممكن للإفراج عنه، حسب البيان المصري، سيكون بالحد الأدنى بعد سنوات. ما يعني، ببساطة، أن إسرائيل لا تكترث ولا تقيم أي اعتبار للنظام في القاهرة ولا للوساطة بشكل عام، كون الأحداث والمعطيات السابقة نسفت أسس البيان تجاه الأسرى، فلم يجرِ الإفراج الفوري عن العواودة وإنما بعد شهر، ولا عن السعدي في وقت قريب. وما جرى الإعلان عنه هو عملياً وقف إطلاق النار، والعودة إلى التهدئة مقابل التهدئة من دون أي تغيير جذري في الواقع الراهن في غزة، حيث عادت وتيرة عمل المعابر واستئناف إدخال المواد والمستلزمات الأساسية، وفق ما كان معمولاً به قبل العدوان.

ينقلنا هذا إلى صلب التحرّكات المصرية في التصعيد الإسرائيلي، كما الوساطة والجهود في ملف غزة بشكل عام، حيث إننا أمام تعاون أو تواطؤ، وفي الحد الأدنى إهمال في منع التصعيد والعدوان الذي فشلت الوساطة في منعه، بإرادتها أو رغماً عنها، أي أنها خُدعت بمزاجها أو غصباً عنها، وأوصلت رسائل تهدئة إلى حركة الجهاد الإسلامي ما أدّى إلى حالة اطمئنان في صفوف مقاتلي الحركة العسكرية وقادتها، في تباعد وتناقض مع لهجة قيادة الحركة السياسية في الخارج التي رفعت سقف الخطاب السياسي والإعلامي لتحقيق مكاسب فئوية ضيقة، من دون أي استعداد واستنفار على الأرض، لمراهنتها على الجهود المصرية المريبة للتهدئة ومنع التصعيد.

فضح الأسير العواودة خواء الوساطة المصرية وبؤسها، وأمر مماثل حصل مع الأسير بسام السعدي

إلى ذلك، كانت الوساطة المصرية، ولا تزال، ملتزمة دائماً بالأجندة والروزنامة الإسرائيلية لجهة إعطاء الوقت الكافي لتل أبيب لإنجاز الأهداف، وتنفيذ الخطط الموضوعة ضد “الجهاد الإسلامي”، وتوجيه ضربة قوية وقاسية جداً للقيادة العسكرية، ما أدى إلى استشهاد 12 من القيادات والكوادر الميدانية والمهمة فيها. أما الحديث عن أزمة بين النظام المصري وإسرائيل على خلفية العدوان وعدم الإفراج عن الأسرى فمفتعل ودعائي محض، لحفظ ماء وجه النظام، والتخدير أو إلهاء حركة الجهاد الإسلامي، والطرف الفلسطيني عموماً، وكما يقال في غزة دائماً إن وفد الوساطة المصري يأتي عادة مع حقن “بنج” تخدير لغزة وأهلها ومقاومتها. وفي العموم، ثمّة تواطؤ، وبالحد الأدنى تفاهم بين تل أبيب والقاهرة في واقع النظام المصري الضعيف الذي لا يزال في حاجة ماسّة إلى تل أبيب، والعلاقة بينهما باتت أقرب إلى التحالف في سياقات متعددة سياسية واقتصادية وأمنية. ولذلك لا يستطيع أبداً الخروج عن الخطوط المرسومة إسرائيلياً وينحاز للطرف القوي الذي يعتقد أصلاً أن مصلحته الفئوية والضيقة معه.

إلى ذلك، تسعى الوساطة المصرية إلى إرضاء أميركا عبر إسرائيل والاستعانة بحلفائها للدفاع عن النظام في واشنطن. وفي السياق، تخليص هذه الأخيرة من عبء أو صداع غزة والقضية الفلسطينية، وإبقاء الأوضاع تحت السيطرة، كما رأينا في محاصرة التصعيد أخيراً، ومنع توسيعه أو انضمام حركة حماس إليه، إضافة الى إغراء الرئيس الأميركي، جو بايدن، لحضور قمة المناخ المقرّرة في مدينة شرم الشيخ في نوفمبر/ تشرين ثاني لمقبل، لشرعنة النظام وتعويمه وتخفيف الضغوط السياسية والإعلامية والاقتصادية عنه، ولفت الانتباه عن أزماته الداخلية المتفاقمة.

وبالعودة إلى المتن والجوهر الفلسطيني، سيواصل الشعب الصمود والعناد والمقاومة، وفي الطليعة منه الأسرى، وإسرائيل ستصعّد في هذا الملف كلما رأت ذلك مناسباً للفت الانتباه عن جبهات وملفات مشتعلة أخرى، وفقط صمود الأسرى وتضحياتهم بوجه العدوانية الإسرائيلية، كما رأينا في ملف العواودة، وهروب الاحتلال من معركة الأمعاء الخاوية كفيل بمراكمة الإنجازات والانتصارات التكتيكية على طريق تحقيق الانتصار الاستراتيجي الكبير المتمثل بطرد الاحتلال وتحرير فلسطين

شاهد أيضاً

استقالة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية بعد الفشل في 7 أكتوبر

صرح الجيش الإسرائيلي في بيان اليوم الإثنين، إن رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية ميجر جنرال أهارون هاليفا، استقال، وإنه سيترك المنصب بمجرد تعيين خلف له.