عملية شارع “ديزنغوف”.. الإسرائيليون يستحضرون عمليات استشهادية كبرى بقلب تل أبيب استهلها يحيى عياش

أعادت العملية المسلحة في شارع “ديزنغوف” وسط تل أبيب، مساء أمس الخميس -التي أسفرت عن مقتل إسرائيليين وإصابة 14 آخرين- إلى الأذهان العمليات التفجيرية في قلب إسرائيل، وعرابها المهندس يحيى عياش، وهي العمليات التي شكلت محطة مفصلية في مسيرة المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي.

وبعد عام ونيف من التوقيع على اتفاقية أوسلو في 13 سبتمبر/أيلول 1993، بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، فتح عراب العمليات التفجيرية الصراع مجددا على مصراعيه من خلال العمليات التفجيرية في عمق المدن الإسرائيلية، الأمر الذي زعزع الأمن والأمان الشخصي للإسرائيليين.

وأمام حالة عجز الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في إحباط العمليات التفجيرية، نقل عياش في 19 أكتوبر/تشرين الأول 1994 جوهر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى قلب مدينة تل أبيب بتنفيذ أول عملية تفجيرية في المدينة التي استهدفت حافلة رقم 5 في شارع “ديزنغوف”، حيث خلفت 22 قتيلا إسرائيليا و50 جريحا.

وفي الرابع من مارس/آذار 1996، عاد الصراع إلى تل أبيب من خلال العملية التفجيرية التي نفذت بمدخل مركز “ديزنغوف” للتسوق، التي أسفرت عن مقتل 13 إسرائيليا وإصابة 130 آخرين، حيث أتت العملية للثائر من اغتيال الاحتلال الإسرائيلي للمهندس يحيى عياش في الخامس من يناير/كانون الثاني 1996.

مجددا وبعد 28 عاما يعود شارع “ديزنغوف” إلى واجه الصراع، حيث شهد الشارع الذي يعتبر عصب الحياة لتل أبيب عملية مسلحة، هي العملية المسلحة الرابعة التي تنفذ بعمق المدن الإسرائيلية خلال أسبوعين، وخلفت 13 قتيلا وعشرات الجرحى.

أتت عملية “ديزنغوف” لتكرس شعور فقدان الأمن والأمان للإسرائيليين، وهشاشة منظومة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي أخفقت بمنع المزيد من العمليات المسلحة، كما أخفقت بمنع العمليات التفجيرية في منتصف تسعينيات القرن الماضي.

فوضى وإرباك وغموض
وبعد ساعات من العملية أعلنت الإذاعة الإسرائيلية أن قوات الأمن قتلت منفذ عملية إطلاق النار في تل أبيب، بمدينة يافا، بعد ساعات من هجوم شنه المنفذ وأسفر عن مقتل إسرائيليَين وإصابة 14 آخرين، وذلك بعد ساعات من عمليات البحث، وتزامن ذلك مع انتقال التوتر إلى الضفة باعتداء المستوطنين على الفلسطينيين وإصابة اثنين برصاص الجيش الإسرائيلي، وقالت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) على لسان أمين سرها في جنين أن منفذ العملية هو رعد حازم وهو أحد قادة كتائب شهداء الأقصى وحركة فتح في منطقة جنين.

وحتى الساعة 9:20 مساء أمس الخميس، لم تكن الحصيلة النهائية لعدد القتلى والجرحى معروفة ولا من هو المنفذ. وبعد ساعات من العملية قال عامي إشيد قائد شرطة منطقة تل أبيب “ليست لدينا فكرة من أين أتى، ولا نعرف ما هويته”.

وعلى امتداد عدة كيلومترات في شارع “ديزنغوف”، توسل رجال الشرطة وعمال الإنقاذ للمدنيين الموجودين في موقع العملية “هذه ساحة نشطة، ليبقى الجميع بعيدين عن هذا المكان”. وهكذا، في قلب تل أبيب، كانت حالة من الفوضى والإرباك والغموض، عكسها تجوال المئات من رجال الشرطة وقوات الأمن، من وحدات مختلفة، حيث أشهروا أسلحتهم، لكن لم يتمكن أي منهم من تحديد مكان المنفذ.

وفي غياب المعلومات، أصبح أي شاهد عيان مصدرا قيما للاستخبارات الإسرائيلية، وكل بضع دقائق بدأ توغل قوة مختلفة من الشرطة في الأزقة المحاذية لشارع “ديزنغوف”، ثم اقتحام للعمارات السكنية، الذي توسع أيضا لحارات أخرى قريبة من موقع العملية، وذلك في أعقاب بلاغ عن احتمال وجود المنفذ؛ هنا في مرحاض متجر قريب، أو في درج مبنى بشارع قريب.

تصدع النظرية الأمنية
أتت عملية “ديزنغوف” لتظهر تصدع النظرية والمنظومة الأمنية التي دأبت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لصقلها من خلال عملية “السور الواقي” التي تمثلت باجتياح الضفة الغربية في 29 مارس/آذار 2002، وقادها في حينه رئيس الوزراء أرييل شارون الذي أطلق بناء جدار الفصل العنصري، في محاولة لقمع الانتفاضة الثانية والقضاء على عمليات المقاومة، ومن أجل الفصل والانفصال عن الفلسطينيين؛ لتوفير الأمن والأمان للإسرائيليين.

عادت تل أبيب التي يعتبرها الإسرائيليون “دولة إسرائيل الصغرى”، مساء أمس الخميس -مع أصوات الرصاص الذي تعالى من حانة “إيلكا بار” واختراق ذاكرة النسيان لسكانها- لتصطدم بالواقع الافتراضي للحياة الليلية في المدينة الذي سعى الاحتلال لإبعادها وتحييدها وحتى عزلها عن جوهر الصراع مع الفلسطينيين، ولتستفيق على الواقع الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي.

وسبق أن شهد شارع “ديزنغوف” في الأول من يناير/كانون الثاني 2016 هجوما مسلحا، حيث أقدم شخص مسلح على إطلاق النار في حانة “هاسيمتا- الزقاق”، مما أسفر عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة 7 آخرين.

وتمكن منفذ عملية إطلاق النار -ويدعى نشأت ملحم من فلسطيني 48- من الانسحاب بسيارة أجرة بعد أن قتل صاحبها، وبعد 7 أيام تمكنت وحدة “اليمام” لمكافحة “الإرهاب” من تصفيته وقتله في بلدة عرعرة مسقط رأسه.

حالة من الإرباك والقلق إثر العملية المسلحة l

تل أبيب تتحول لمدينة أشباح
ذات السيناريو تكرر بتفاصيل أكثر تعقيدا في ظل حقائق ضبابية ومبهمة، فدقائق قليلة بعد التاسعة من مساء أمس الخميس، وبالطريق إلى شارع “ديزنغوف” في تل أبيب، لم يكن بالإمكان رؤية سوى الأشخاص المذعورين، جراء العملية المسلحة وسط تضارب بالمعلومات التي زادت من ضبابية المشهد وعمقت من مشاعر الخوف والهواجس، حيث تحولت تل أبيب إلى مدينة أشباح، وشارع “ديزنغوف” إلى ساحة حرب.

ومع إخفاق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بإلقاء القبض على منفذ العملية المسلحة بعد ساعات منها؛ غابت عن تل أبيب -الملقبة إسرائيليا بـ”المدينة التي لا تنام.. حياة بلا توقف”- ليالي السهر والسمر، وأغلقت حاناتها ومراقصها ومطاعمها، فيما حضرت السطوة الأمنية وصافرات الإنذار لمركبات قوات الأمن التي طاردت المنفذ عبثا في زقاق تل أبيب بحيث بقيت هذه المعلومات بهذا المضمار في سياق التكهنات، وذلك خلافا للعمليات السابقة وحتى للعمليات التفجيرية التي أسس لها عياش، حيث كان بعد ساعات يتم فك رموزها والكشف عن منفذيها.

بين “عملية الساحل” و”ديزنغوف”
ومع استمرار العملية الأمنية، أقيمت غرفة عمليات مشتركة للشرطة والجيش وجهاز الأمن العام “الشاباك”، حيث استنفرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أكثر من ألف عنصر من الشرطة وحرس الحدود والوحدة الخاصة “اليمام”، إلى تل أبيب، وطلب الشرطة من السكان التزام منازلهم لساعات طويلة، حيث شوهد المزيد والمزيد من الناس يهربون من مجهول وتداعيات العملية المسلحة، باحثين عن مخرج للواقع الأمني الجديد الذي ينغص على تل أبيب حياتها.

وفي دلائل على إخفاق الشرطة الإسرائيلية بمكافحة العمليات داخل المدن الإسرائيلي والخشية من فقدان السيطرة في قلب تل أبيب التي تعتبر عصب الحياة التجارية والاقتصادية والسياحية وعالم التكنولوجيا والهايتك وتعج بحياة الليل، استعانت الأجهزة الأمنية بقوات من الجيش الإسرائيلي، سعيا لتعزيز شعور الأمن والأمان لدى السكان، وفي محاولة لإظهار عدم فقدان السيطرة الأمنية في تل أبيب.

وأمام العجز في إلقاء القبض مباشرة على المنفذ بعد ساعات من عملية “ديزنغوف”، وتصاعد عمليات المقاومة الفردية وتصدع ائتلاف حكومة نفتالي بينيت، زجت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعناصر من وحدة هيئة الأركان العامة “سييرت متكال” التي انتشرت في “ديزنغوف” والطرقات الرئيسية والجادات المركزية، وذلك لأول مرة منذ “عملية الساحل” شمالي تل أبيب التي نفذتها دلال المغربي مع فرقتها في 11 مارس/آذار عام 1978، وهو ما يعيد الصراع إلى المربع الأول في فلسطين التاريخية.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".