“عشر مرات أكثر فتكا من إنفلونزا الخنازير” .. ماذا يعني إعلان منظمة الصحة العالمية الأخير عن كوفيد-19؟”

شادي عبد الحافظ
محرر

“يمكن فقط أن نقول ما نعرف، وأن نتصرف من خلاله. نحن نعرف أن كوفيد-19 ينتشر بسرعة، ونعرف أنه أكثر فتكًا بعشر مرات من جائحة الإنفلونزا لعام 2009، نحن نعرف أيضًا أن الفيروس يمكن أن ينتشر بسهولة أكبر في البيئات المزدحمة، ونعرف أن الاكتشاف المبكر للحالات وعزلها والعناية بها وتتبع كل جهة اتصال أمر ضروري لإيقاف انتشاره”

كان ما سبق هو إعلان أخير للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، والذي جاء في سياق حث هيئة الصحة التابعة للأمم المتحدة الحكومات حول العالم من أجل تخفيف القيود الخاصة بالعزل الاجتماعي. تخطط بعض الدول بالفعل لذلك خلال الأسبوع الحالي، النمسا -على سبيل المثال- ستكون خلال أيام أول دولة في القارة الأوروبية تعيد فتح المتاجر والمطاعم.

أما الدنمارك، فقد أعلنت أنها ستعيد فتح المدارس خلال أقل من أسبوع من الآن، كذلك فإن التشيك كانت بالفعل قد خففت بقدر يسير من من إجراءاتها للعزل الاجتماعي وتخطط، خلال الأسبوع الحالي كذلك للتراجع عن حظر السفر، من جهة أخرى فإن رئيس الوزراء الإسباني قد أعلن قبل أيام أن الدولة قد مرت بالفعل المرحلة الصعبة، ويمكن أن تتجهز البلاد بحلول نهاية أبريل لتخفيف إجراءات الحظر، إيطاليا كذلك أبدت قبولا لتلك الفكرة.

قمة المنحنى
هذه الدول بدأت بالفعل في تجاوز أكبر عدد حالات يومي، لفهم الأمر يمكن تتبع تطور الوضع في إيطاليا مثلا، بحلول منتصف مارس كانت الدولة قد تخطت حاجز السبعة آلاف حالة كل يوم، أما الآن فقد تناقص هذا العدد وصولًا في بعض الأحيان إلى ثلاثة آلاف حالة يوميًا، وبالنسبة لأعداد الوفيات فإنها قد بدأت في الانخفاض أيضًا، لكن ليس بنفس المعدل. وكانت السلطات الإيطالية قد أعلنت بالفعل، قبل أيام قليلة، أن عدد المرضى في غرف العناية المركزة قد انخفض لأول مرة منذ بدء الأزمة، حيث أصبح أسفل 4000 حالة.

يشير ذلك إلى أن تلك الدول قد تخطت قمة المنحنى الخاص بها، وبالطبع فإن ذلك مطمئن إلى حد ما، خاصة وأن توقعات الإحصاءات الرياضياتية كانت غير متفائلة بالمرة بالنسبة لهذه الموجة من الإصابات، قبل أسبوع واحد فقط كان معدل تضاعف أعداد الإصابات المؤكدة في العالم كله هو 6 أيام، الآن أصبح 12 يوم، ويشير ذلك إلى أن تسارع الحالات ينخفض شيئًا فشيئًا.

عند هذه النقطة يأتي إعلان المنظمة الأخير، فعلى الرغم من أننا قد وصلنا بالفعل إلى قمة المنحنى، إلا أن الطريق إلى الأسفل -بحد تعبير غيبريسوس- أبطأ بكثير من الطريق إلى الأعلى، فعادة الأوبئة أن ترتفع إصاباتها بسرعة، لكنها تنخفض ببطء شديد بعد الوصول للقمة، وهذا يعني أنه يجب رفع إجراءات العزل ببطء كبيرة من السيطرة، لأنه من الممكن أن يعود كل شيء للانفجار في أسابيع قليلة.

في الواقع، لو تأملت الأمر لوجدت وجاهة في هذا الرأي بعيدًا عن الصراع السياسي القائم حاليًا بين مجموعة من الدول بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية. لفهم تلك الفكرة دعنا نقارن بين كورونا المستجد وإنفلوانزا الخنازير، لقد بدأت الأخيرة(6) في ربيع العام 2009 واستمرت كجائحة عالمية Pandemic على مدى أكثر من عام وصولًا إلى العاشر من أغسطس عام 2010 حينما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الوباء قد توقّف على مستوى عالمي.

أصداء الموجة الثانية
جاءت إنفلوانزا الخنازير في صورة موجتين، الأولى كانت في الربيع، ثم توقف الأمر قليلًا بين أغسطس وسبتمبر من نفس العام، ثم ارتفعت موجة جديدة أكبر خلال الشتاء واستمرت إلى الصيف التالي بـ 2010 حتى انتهى الأمر، يحدث ذلك لأن هذا النوع من الأوبئة يميل للقدوم على شكل موجات، لعدة أسباب تتعلق بالبؤر الجديدة التي لم يستطلعها المرض بعد، بالطبع في تلك النقطة يمكن أن نتذكر الإنفلونزا الإسبانية، والتي قتلت نحو 50 مليون شخص حول العالم، جاءت الإنفلونزا الإسبانية على ثلاثة موجات.

الأولى في شهور الصيف من عام 1919، وخلالها وصلت معدلات الوفاة لخمسة آلاف شخص لكل مليون مواطن، هدأت الجائحة بعد ذلك لشهر أو شهرين، لكنها اجتاحت العالم بداية من سبتمبر في موجة هي الأعنف خلال قرن كامل، حيث وصل عدد الوفيات 30 ألف لكل مليون شخص، ثم بعد ذلك جاءت موجة ثالثة خافتة في الربيع التالي، وصل عدد الوفيات خلالها إلى 15 ألف شخص لكل مليون شخص، كانت الموجة الأولى إذن هي الأخف بين الثلاثة.

بالتالي فإن هدوء الأوضاع لفترة قد لا يعني انتهاء المشكلة، وإنما قد يكون تجهزًا لموجة أعنف، خاصة وأن إجراءات العزل الاجتماعي -كما يبدو- هي السبب في التوقف الحالي لنمو أعداد المصابين، لكن في هذا السياق فإن هناك عامل آخر يجعل من كورونا المستجد قنبلة موقوتة مقارنة بإنفلونزا الخنازير، يمكن أن تنفجر في أية لحظة، إنه ما نسميه “عدد التكاثر الرئيسي” Basic Reproduction Number، أو R0، يعبر هذا الرقم عن عدد الأشخاص الممكن انتقال العدوى لهم بسبب شخص واحد مصاب بالمرض خلال فترة إصابته.

في حالة إنفلونزا الخنازير، كان هذا الرقم هو 1.6، لكن في حالة كورونا المستجد فإن هذا الرقم يصل إلى 3، يعني ذلك أن درجة تفشّي المرض أعلى بفارق الضعف تقريبًا، أضف لذلك أننا بتنا الآن نعرف أن نسبة كبيرة من المرضى، ربما تمثل إلى 33%، لا تطور أعراضًا في حالة كورونا المستجد، وتمتلك في أثناء ذلك قدرة على نقل المرض إلى آخرين، ما يعني أنه ستكون هناك صعوبة شديدة في التحكم في انتشار العدوى إن حدث وتفاقمت مجددًا.

في الحقيقة، نحن نعرف الآن أن أحد الأسباب الرئيسية في تفشي إنفلونزا الخنازير كان نفس السبب، وهو أن نسبة من المرضى طوّروا أعراضا طفيفة، بالتالي فإن تلك الأعراض لم تكن قوية كفاية لإبقائهم في المنزل، سمح ذلك لهم بالتنقل ونشر المرض بصورة أكبر، بحسب تقديرات المركز الأميركي لمكافحة الأمراض واتقائها CDC فإن عدد المصابين بإنفلونزا الخنازير يمكن أن يقدر بـ0.7 إلى 1.4 مليار شخص حول العالم، مع نسبة وفيات قدرت بـ 150-500 ألف شخص حول العالم.

الأكثر فتكا

من جهة أخرى، فإن نسب الوفيات بسبب كورونا المستجد أكبر بفارق واضح مقارنة بإنفلونزا الخنازير. عالميًا وصلت النسبة إلى أكثر من 6.2%، لكن هذا فقط نسبة من الحالات المؤكدة والتي تقدر اليوم بحوالي مليوني حالة، ويعتقد الباحثون من جامعة جوتنجن الألمانية أن هذا الرقم هو فقط 6% من العدد الحقيقي للمصابين، ما يعني أن الرقم الحالي للمصابين في العالم كله، يقع بين ثلاثين إلى أربعين مليون فرد، ما يخفف من نسب الوفيات.

لكن هذه الأرقام غير مؤكدة بالطبع، ويشير عدد أكبر من الباحثين في هذا النطاق إلى أن النسب الكلية للوفيات في الحقيقة هي حوالي 1%، جاء ذلك بشكل خاص كنتيجة لحالة سفينة “أميرة الألماس” السياحية الهائلة التي وضعت في الحجر الصحي بشكل إجباري بعد اكتشاف بعض الحالات بها، وتعد السفينة عيّنة مثالية لأنها ظلّت منغلقة على ذاتها لفترة أثناء تفشي المرض بها، ثم بعد ذلك بدأت في تطبيق إجراءات الحجر الصحي.

عدد الإصابات في السفينة كان 717 شخصا، وعدد الوفيات كان فقط 10 أشخاص، ما يمثل 1.1% من المصابين، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي. وعلى الرغم مما تبديه من بساطة، فإن نسبة 1% هي رقم هائل، من مليار شخص يعني ذلك 10 مليون شخص، وكانت الإنفلوانزا الإسبانية تقتل فقط 3% من ضحاياها في عالم عدد السكان فيه أقل وطرق التواصل أضعف.

أضف لذلك مشكلة كبيرة هامة، وهي أن هذا الوباء شديد الخطورة بالنسبة لفئات محددة، وهم كبار السن -فوق 50 سنة- وأصحاب الأمراض المزمنة، مثل الأمراض القلبية الوعائية والسكري والأمراض التنفسية والأمراض المناعية والسرطان، هنا ترتفع نسب الخطورة بشكل أكبر، من جهة أخرى، فإن أحد مصادر خطورة كورونا المستجد هو أن الأمر لا يتوقف فقط على عدد الوفيات.

سُدس عدد المصابين بكوفيد-19 تقريبًا يحتاج إلى عناية طبية، ومع تفاقم أعداد المصابين بكوفيد-19 يضع ذلك حملًا هائلًا على المستشفيات، ويؤدي ذلك بالتبعية إلى ارتفاع مقابل في عدد الوفيات، لفهم تلك الفكرة تحديدًا يمكن أن نتأمل الوضع في إيطاليا قبل أسبوعين في ذروة تفشي المرض هناك، حيث اضطر الأطباء في بعض الأحيان إلى المفاضلة بين المرضى على أساس العمر.

خذ حذرك
الأمر يتطلب الكثير من الحذر قبل اتخاذ أي قرار مبني على انخفاض أعداد المصابين الآن، وحتّى مع إجراءات التخفيف التي ستنتشر في العالم شيئًا فشيئًا خلال الأسابيع القادمة، بشكل خاص في الوطن العربي مع قدوم رمضان والأعياد، فإنه على الدول أن تستمر في إجراءات التتبع والفحص بدرجات أكبر من الحذر.

ويشير فريق بحثي من جامعة أوكسفورد في دراسة أخيرة بدورية “ساينس” الشهيرة، إلى أن إجراءات منع السفر تحديدًا تحتاج الكثير من توخي الحذر قبل عودتها فهي دائمًا الأكثر خطورة في فترتين أساسيتين، وهما بداية الوباء ونهايته، في أثناء ذلك يمكن ليوم واحد فقط أن يؤثر في تطور الأعداد، وكانت الدول الأكثر تأخرًا في غلق خطوط الطيران هي نفسها الأكثر تأثرًا بالنسبة لأعداد الحالات حول العالم خلال الشهور القليلة القادمة.

عزيزنا القارئ، في هذه المرحلة يتسرب الملل إلينا بسهولة، نود لو نرجع من جديد إلى طبيعة الأمور قبل ديسمبر 2019، لكن الأمور لن ترجع إلى طبيعتها الآن، لازلنا في مرحلة حذرة سوف تستمر لسنوات طوال، حتّى مع إجراءات التخفيف التي ستبدأ الكثير من الدول العربية في اتخاذها خلال أسابيع.

يجب أن تستمر قدر إمكانك في ممارسة إجراءات السلامة كأسلوب حياة وليس كظرف استثنائي، اغسل يديك بالماء والصابون بشكل متكرر ولمدة 20 ثانية في المرة الواحدة، وتجنب لمس وجهك قدر الإمكان، وابق في المنزل إذا لم تكن هناك ضرورة لغير ذلك، وارتدِ الكمامة في الأماكن التي لا تلتزم بإجراءات المسافة الآمنة مع الآخرين

شاهد أيضاً

شهداء بقصف إسرائيلي على رفح والاحتلال يرتكب 4 مجازر في القطاع

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي شن غاراتها الجوية على مناطق متفرقة من قطاع غزة بينها مدينة رفح جنوبي القطاع، رغم تحذيرات دولية من خطورة شن عملية عسكرية على المدينة المكتظة بالنازحين، في حين تنتشر أمراض الجهاز التنفسي بينهم.