عسكريون يؤسسون حزبا سياسيا في تونس.. هل يفقد الجيش حياده؟

انقسم التونسيون حول إعلان أول حزب سياسي يؤسسه عسكريون متقاعدون، بين مرحبين بالخطوة على اعتبار أن الانخراط في السياسة من حق الجميع، ومنتقدين وصفوها بخطوة تمهيدية باتجاه انقلاب عسكري على السلطة، وقد تفقد صورة الحياد التي ميزت الجيش التونسي.

وكان عسكريون متقاعدون أعلنوا في مؤتمر صحفي عقد أمس الأربعاء بالعاصمة التونسية عن تأسيس حزب “هلموا لتونس”، والدخول إلى معترك الحياة السياسية، وهي سابقة في تاريخ البلاد، الأمر الذي طرح عديد الاستفهامات حول طبيعة وبرنامج الحزب الجديد وعلاقته بباقي الأحزاب.

وأبدى كثير من التونسيين مخاوفهم من أن يكون هذا الحزب مطية لوصول عسكريين من باب جديد لتنفيذ انقلابات عسكرية أصبحت مفضوحة في العالم العربي.

وتساءلت الناشطة عبير كحولي في تدوينة نشرتها في صفحتها على فيسبوك، عن وجود أرضية لحكم عسكري في تونس، وعن الديمقراطية التي يمكن أن يرسيها هذا الحزب السياسي العسكري.

في المقابل، قال أحمد الجديدي في تدوينة أخرى إنه لا يعارض تكوين حزب سياسي متكون من عناصر حاملة للسلاح بقيادة العقيد السابق بالجيش مصطفى صاحب الطابع، ومن مؤسسة عسكرية عرفت بالانضباط، داعيا إلى ضرورة عدم تشتيت العسكر في ظرف أمني دقيق، وعدم اتخاذ مواقف سياسية متهورة في مرمى المزايدة السياسية.

ويخشى تونسيون أن يتأثر الجيش -الذي ظلّ منذ نشأته بعيدا عن التجاذبات السياسية وقراراتها- بالعمل السياسي، الأمر الذي قد يؤثر على الديمقراطية الناشئة، ويفقده حياده الذي ميزه عن باقي الجيوش في المنطقة العربية كمصر وسوريا.

أحزاب شعبوية
واعتبر الناشط السياسي عبد الجبار المدوري أن تشكيل حزب يضم عسكريين سابقين، يمكن إدراجه ضمن الأحزاب الشعبوية التي ظهرت في الفترة الأخيرة لتطرح نفسها بديلا للحكم، مستغلة رغبة فئات واسعة من الشعب التونسي في إيجاد بديل حقيقي للائتلاف الحاكم.

وقال المدوري للجزيرة نت إن حزب “هلموا لتونس” يحاول أن يستثمر في السمعة الجيدة للجيش لتوظيفها في مشروع سياسي ملامحه غير واضحة، خاصة أن أغلب المنتمين هم من الإطارت العسكرية التي لم يسبق لها أن تحملت أي مسؤولية سياسية.

ولطالما طالب التونسيون على فيسبوك في أوقات الفوضى والانفلات الأمني بإصدار “البيان رقم 1″، أي سيطرة الجيش على البلاد والأخذ بمقاليد الحكم.

ويرى مراقبون أن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي لم يكتفِ بتهميش الجيش وإضعافه، بل عمل على منع بروز أي شخصية عسكرية ذات صيت، وذلك في ظل الخشية الدائمة من الانقلاب عليه، كما انقلب هو على الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

ويرى محللون أن بن علي عمل خلال فترة حكمه على تصفية كل عسكري. وفي هذا الخصوص ما زالت قضية سقوط المروحية العسكرية التي تقل 13 ضابطا، غامضة. ويغلب الاعتقاد بأنها عملية إسقاط مدبّرة، وسط دعوات إلى إعادة فتح التحقيق وكشف خيوط القضية.

التحالفات والنهضة
من جانبه، قال رئيس “هلموا لتونس” إن فكرة تأسيس الحزب من قبل قيادات عسكرية متقاعدة، جاء بعد الفشل السياسي الذريع، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس، موضحا أن الهدف هو إنقاذ تونس بمشروع يخدم الدولة من خلال برنامج يسعى لتحقيق السعادة وحق الحياة وعزة النفس.

وأضاف صاحب الطابع للجزيرة نت أن حزبه الجديد يقف على نفس المسافة من كل الأحزاب، وأنه ليس في عداوة مع أي طرف، لكنه لن يتحالف مع الأحزاب التي أخفقت بعد الثورة في الحكم، خاصة حركة النهضة و”نداء تونس”، معتبرا أن هدف حزبه هو القضاء على الجهل والفقر والجريمة المنظمة والفوضى والإفلاس.

وحول التحالفات التي يمكن أن ينسجها حزبه، أكد أن الحزب يؤمن بأن قلب الحكم ليس في قرطاج (رئاسة الجمهورية)، وأن تغيير الحكم يتم تحت قبة البرلمان، لذلك سيولي اهتماما كبيرا للانتخابات التشريعية على حساب الانتخابات الرئاسية.

كما أوضح أن حزبه الجديد بصدد إجراء جملة من اللقاءات مع الائتلاف الوطني للمستقلين وائتلاف “قادرون” وشخصيات وطنية على غرار السياسي منذر الزنايدي ورئيس الحكومة السابق ورئيس حزب “البديل” مهدي جمعة.

وقال النائب سامي الفطناسي عن حركة النهضة -ذات الأغلبية البرلمانية- للجزيرة نت إن العسكريين المتقاعدين مواطنون تونسيون لهم الحقوق الكاملة، ولهم ميزة استثنائية خاصة لدرايتهم بالأمن القومي، موضحا أن تونس بحاجة إلى كل أبنائها، لكن دون تدخل أجنبي.

وارتفعت مكانة الجيش تباعا في وجدان التونسيين، خاصة لدوره في التصدّي للعمليات الإرهابية، وهو الذي قدّم العشرات من منتسبيه في هذه العمليات، إضافة إلى تجنّده لمساعدة المواطنين خلال الأحداث الطبيعية وتحديدا موجات البرد شمال غربي البلاد في السنوات الأخيرة.

الحظوظ والمستقبل
ويرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن مؤسسي حزب “هلموا لتونس” لم يعد لهم تأثير داخل المؤسسة العسكرية، أو رابط عضوي من الناحية القانونية، لذلك يبقى حقهم في دخول المشهد السياسي من أجل خدمة الوطن، مشيرا إلى أن لجوءهم للعمل السياسي يعود إلى فشل الأحزاب السياسية في إدارة الحكم.

ويضيف الجورشي للجزيرة نت أن حظوظ هذا الحزب الجديد لن تكون كبيرة، لكن يمكن أن تكون لافتة للانتباه خلال الانتخابات في السنوات القادمة، متوقعا أن تتوسع شعبيته بانضمام نشطاء مدنيين.

وتزايدت مكانة الجيش وثقته أكثر في صفوف التونسيين حيث استقبله المحتجون عام 2011 بالورود في حملة شعبية عفوية، بسبب حياده، خاصة مع خروج رشيد بن عمّار نفسه -الذي كان برتبة لواء في فبراير/شباط 2011- إلى المحتجّين في ساحة القصبة أمام مقر الحكومة، مؤكدا وقوف الجيش مع الثورة وأهدافها

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".