عبد الباسط الساروت يكمل أسطورته

احتل خبر رحيل الرياضي والفنان والمقاتل عبد الباسط الساروت، الذي توفي منذ أيام متأثراً بجراحه أثناء قتاله جيش الأسد في محافظة حماه السورية مساحات واسعة من الصحف والقنوات العربية ووسائل التواصل الاجتماعي. وكل هذا مفهوم لسيرته البطولية الاستثنائية، والمثال الذي قدمه في نضاله وتضحياته، وهو ما زال في بداية حياته، فرسم إسطورته الخاصة التي ستبقى طويلا بعد رحيله المفجع.
ولكن لماذا اهتمت الصحف الغربية الكبرى أيضاً برحيل الساروت؟ فكتبت عنه، وسردت سيرته، ونشرت صوره، وهي قلما تفعل ذلك مع شأن «خارجي»، قد لا يهم قراءها كثيراً؟
لقد فعلت ذلك للأسباب نفسها. إنه ظاهرة، جسدت مسيرة الثورة السورية نفسها، بل أصبح أحد أيقوناتها، كما كتبت صحيفة «الغارديان»، وهي أعرق وأشهر الصحف البريطانية، وكذلك فعلت صحيفة «الاندبندنت»، و«نيويورك تايمز» الأمريكية الشهيرة.
واشتركت هذه الصحف، كما الصحف والقنوات ووسائل الاتصال الاجتماعي العربية، في تتبع مسيرة تحولات الساروات الشخصية، التي تختزل في جوهرها تحولات مجتمع وبلد دخلا مرحلة اختناق وانسداد طال أمدها بسبب الحكم المطلق، وقمعه الفريد، ومخابراته التي تحصي الأنفاس على شعبها، وفساده الذي زكم الأنفاس. وكان لا بد من الانفجار.
عرف الساروت بحسه العفوي البسيط أن لحظته قد حانت، وأن عليه أن يحسم أمره سريعاً. لم يتردد. وكان خياره واضحاً، انتقل من ساحة كرة القدم الصغيرة إلى الشوارع العريضة، الغاصة بأخوته في البؤس والشقاء، وهجر خشبتي المرمى الضيقتين إلى أرجاء الوطن الأربعة المفتوحة على الأفق الفسيح، أفق المستقبل المنتظر.
لكنه كان يعرف أن ذلك ليس كافياً. عليه الآن أن يستخدم حنجرته، كما كان يستخدم سابقاً قدميه وذراعيه في صد كرات الخصم. أطلق صوته الجميل، الذي فعل فعله في الجماهير المنتفضة من أجل ذلك الوطن الحبيب، ذي القلب الطيب، لكن النازف دائماً على يد القتلة.
لكن أن يكون «بلبل الثورة» وأيقونتها فقط لم يكونا كافيين له أيضاً. عليه الآن أن ينزف دمه قرباناً، وقد فعل.
كان في الثامنة عشرة من عمره. قُتِل والده وإخوته الأربعة. هاجر كل أصدقائه هرباً من براميل الأسد وإجرامه وأغلبيتهم شجعوه على مغادرة سوريا، ولكنه رفض أن يخرج من أرضه.
كان الدين للوطن يثقل قدميه. بقي هناك، فوق الأرض الملتهبة، هذا اللهب الذي صقل الساروت، وحوله إلى ما صار عليه، مثالا سيبقى حياً طويلا، يمشي على أرض الوطن الذي أراده نبيلاً، عادلاً، طيباً، حنونا، بلا جلادين، ومخابرات، وسجون فوق الأرض وتحتها.
خلق الساروت إسطورته الخاصة… ومضى مطمئناً أن حلمه المجهض سيبعث ثانية فوق الأرض التي أحبها… وأحبته.

شاهد أيضاً

طرق النجاة والفلاح ودخول الجنة!

إن بداية الطريق إلى الجنة هو أن نتذكر الغاية التي خلقنا الله تعالى لأجلها، حيث قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون*﴾ [الذاريات: 56 ـ 57]. ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ومصورهم ورازقهم.