عام على عدوان ضرَب الجيش وأسقط الشرعية باليمن

بقلم : ⁨ياسين التميمي⁩

التاسع والعشرون من شهر آب/ أغسطس 2019، محطة شديدة التأثير في المسار الملتهب لتاريخ الأزمة والحرب في اليمن، ويعزى ذلك إلى أن هذا اليوم من عام 2019 وما شهده من استهداف مباشر ومكشوف ومعلن للجيش الوطني؛ قد بدد الغموض بشكل نهائي حول دور التحالف السعودي الإماراتي في اليمن وأهدافه النهائية.

والأسوأ من هذا أنه أظهر السلطة الشرعية في مرحلة من الضعف والتخاذل، والهروب من المسؤوليات الدستورية على نحو لا يمكن تصوره، إلى حد أن الحكومة وجدت في ذلك الوقت صعوبة في إصدار بيان بعبارات تليق بحجم الاستهداف وخطورته واستجابة للمشاعر الوطنية الملتهبة، لأن نسبة لا بأس بها من وزرائها لم يكونوا يرون ضرورة للتصعيد مع أبو ظبي والرياض، ومثلهم فعل الرئيس.

حتى أمس السبت مر عام كامل على الضربات التي نفذها سلاح الجو الإماراتي على أرتال من الجيش الوطني عند نقطة العلم الواقعة إلى الشرق من العاصمة السياسية المؤقتة عدن، بينما كانت تلك الأرتال تتجه نحو المدينة لإنهاء تمرد المجلس الانتقالي والقوات التابعة له، متزامنة مع انتفاضة أهلية لأبناء المدينة هددت بسقوط الأدوات الإماراتية إلى الأبد.

جرى إحياء المناسبة الحزينة والمؤلمة من قبل قطاعات عسكرية في محافظة أبين في جنوب اليمن، وعبر وقفات في تعز وسقطرى، لكن الحكومة سكتت تقريباً عن قول شيء حول ذلك العمل العدواني الهمجي الاستعلائي؛ الذي تبين فيما بعد أنه كان يلبي حاجة سياسية لهذا التحالف الثنائي.

وهذه الحاجة لم تكن لتتحقق إلا بأسلوب الصدمة الذي قرر ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ اعتماده لتحديد النهاية المفترضة للحرب في اليمن، بما يتفق مع الأجندة المضمرة لهذا التحالف الثنائي الأسوأ في تاريخ العرب.

حصد العدوان الإماراتي أرواح نحو 300 ضابط وجندي، وتلك كلفة كان يمكن احتمالها بلغة الحروب، لكن هذا العدوان في الحقيقة عمق خطوط الصدع الجيوسياسية، مستغلاً حماس الانفصاليين الجدد المنخرطين في ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذين زرعه هذا التحالف وتعهد رعايته ودعمه وتسليحه وإطلاقه على السلطة الشرعية، في وقت لا يزال هذا التحالف يدعي أنه إنما جاء لدعم الشرعية ومساعدة الشعب اليمني.

لم يعد عدوان التاسع والعشرين من آب/ أغسطس، يتجلى في مظاهر العربات المدمرة والأشلاء المبعثرة للجنود اليمنيين في نقطة العلم بعدن أو في محافظة أبين، وأعمدة الدخان التي تصاعدت من العربات والجثث، بل أيضاً بات هذا العدوان يأخذ شكله السياسي ممثلاً في اتفاق الرياض، الذي تحول إلى معول هدم خطير أراه رأي العين، وهو يحدث القدر نفسه تقريباً من الآثار الكارثية على الجغرافيا اليمنية، مستهدفاً تمزيقها إلى أشلاء وكانتونات متصارعة.

بعد أيام فقط من عدوان انقلاب العاشر من آب/ أغسطس على الجيش الوطني، أرغمت السعودية الرئيس هادي وسلطته الشرعية وحكومته على الذهاب إلى مفاوضات ثنائية مع المجلس الانتقالي في مدينة جدة.

ولمَ لا؟ فقد نجح هذا الكيان المناطقي الموتور في الانقلاب على السلطة الشرعية، مثله مثل جماعة الحوثي الطائفية المدعومة من إيران. لذا جرى إرغام الرئيس على القبول بصيغة لما بات يعرف باتفاق الرياض، التي ثبَّتَت المكاسب السياسية لانقلاب الانتقالي على السلطة الشرعية، وأبقت الباب مفتوحاً أمام مراجعة موضوع الوحدة خلال السنوات المقبلة، ليتبين بعد عشرة أشهر من التوقيع على اتفاق الرياض في الخامس من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر؛ أنه إنما كان فخاً محكماً، بدليل أن السلطة الشرعية فقدت صلتها كاملة بالعاصمة المؤقتة عدن.

وها هي السعودية وعبر مراجعاتها المتكررة لهذا الاتفاق تمضي قدماً في تثبيت المكاسب الميدانية للانتقالي، عبر تمكينه من قيادة المحافظة من خلال منصبي المحافظ ومدير الأمن، وهو إنجاز يكفي ليضع الانتقالي يده بصورة قانونية على مقدرات الدولة في هذه المدينة، ويعلن بأريحية كاملة أنه لم يعد معنياً بآخر مراجعة سعودية لاتفاق الرياض، والمعروفة بآلية تسريع تنفيذ الاتفاق.

ولا أعتقد أن السعودية ستكون حريصةً أو معنيةً بإنجاح اللجنة العسكرية التي أرسلتها إلى عدن بعد أن توقفت مهمتها عملياً، جراء تعليق الانتقالي مشاركته في آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض.

وما يتجلى أمام أي مراقب يدقق في طبيعة الدور السعودي؛ هو هذا الإمعان السعودي في دفع الحكومة باتجاه الاعتياد على التخلي عن حقوقها وصلاحياتها الدستورية بالتدريج، إلى أن تجد نفسها قد فقدت الفرصة في إدارة التحديات، هذا إذا لم تحدث مفاجآت في ما يتعلق بصحة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي من شأنه أن يدفع بالأمور إلى مستويات شديدة الخطورة، حينما يجد الجميع أنفسهم أمام معادلة جديدة، تتكون من قوى أمر واقع متحكمة بالأرض، وسلطة شرعية بلا رمز وبلا حقوق ولا رافعة وطنية أو دولية

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".